قراءة نقدية لإنثيالات الخوف وتجسيداته في قصيدة “اتصالٌّ” للشاعر والناقد محمد صابر عبيد |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
د. انسام المعروف
ان الخوفَ هاجسٌ انساني ولطالما كان متناولاً في الادب بمختلف اجناسه. ان الخوف في قصيدة " اتصال" للشاعر الناقد محمد صابر عبيد يتخذ طابعًا نفسيًا عميقًا يتجاوز كونه شعورًا عابرًا، فهو يتغلغل إلى الداخل، يظهر كتجربة وجودية تفرض نفسها على الذات الشاعرة. يبدأ الخوف كدبيبٍ خفيفٍ يتحرك في الظل، ثم يتصاعد ويتحوّل إلى قوة مهيمنة، تتجاوز حدودها لتصبح جزءًا من إدراك الذات وصيرورتها. والخوف ينبع من الداخل، من الذات، ومن العلاقة بين الرغبة والكبح. تتجلى هذه الديناميكية في العبارة “يداعبُ رغبتَها في الكتابةِ ويمنعها من بوحٍ”. ان الرغبة في التعبير تواجه الخوف كقيد داخلي، مما يخلق حالة من الصراع بين الحاجة إلى الانطلاق وبين الكبت الذاتي. تداعيات هذا الخوف تظهر في تحولاته من شعور خفيف إلى أزمة كبرى وبإيقاعٍ متقطّعٍ تصيب الذات بانقسام داخلي، كما في تصوير اللحظة التي “يشطرها نصفين”، حيث يعكس هذا الانشطار حالة التمزق النفسي. وقد تم تجسيد الخوف باستخدام عدة مستويات تصويرية يبدأ بالتصوير الحسي حيث يبدأ الخوف كدبيب خفيف، مما يعطيه ملمحًا صوتيًا وحسيًا دقيقًا، ويجعله محسوسًا. ثم يتصاعد إلى إيقاع متقطّع، مما يعكس توترًا نفسيًا متزايدًا. وبعدها نجد التحول المكاني والزماني، حيث يتحرك الخوف عبر مراحل متلاحقة، يبدأ كصوت داخلي خافت، ثم يتخذ شكلًا ماديًا ملموسًا، وأخيرًا يصل إلى مستوى وجودي أعمق يعبر عنه بـ”صعود الألم إلى أقصى السلّم”. اما التجريد فنجده في القسم الأخير، حين يتحول الخوف إلى فكرة فلسفية أو تأملية، حيث يُطلب من القلب التمهل، وكأن الذات تحاول عقلنة خوفها وتحليل تداعياته لتدرك ما وراءه. ان اللغة الحسية والرمزية التي استخدمتها القصيدة تجعل الخوف يُرى ويُسمع ويُحسّ. مثال: “صوت الملح في نداء الدم” يوحي بالألم الذي يختلط بالوجود. وقد استخدم الشاعر ايضاً الإيقاع الداخلي ، فالإيقاع الشعري يعكس شعور الخوف ذاته، من خلال التكرار والتفاوت بين الإيقاع الهادئ، في البداية، والإيقاع المتوتر، لاحقًا. ان الصور الانزياحية في القصيدة قد لعبت دورًا كبيرًا في إبراز الغموض الذي يصاحب الخوف. مثل: “يغفو على ضفاف المصادفة” و”يشطرها نصفين”. هذه الصور تكشف عن اللايقين الذي يحيط بالذات. وكل ذلك خلق بنية نصية متماسكة. فالقصيدة مقسمة إلى ثلاثة مقاطع متصاعدة، تعكس تطور الخوف من مرحلة بسيطة إلى ذروة التوتر، ثم إلى محاولة الفهم والتأمل. هذه البنية تقدم الخوف كتجربة ديناميكية متطورة. ان البناء النصي للقصيدة يعكس هيكلية الخوف نفسها، فالبداية كان الشعور بالخوف كدبيب خفيف والدي يمثل الوعي الأولي بالخوف. ثم جاء الوسط لتصاعد الخوف ويتحول إلى أزمة داخلية وذلك في ذروة التوتر والصراع. ثم تأتي النهاية في محاولة لفهم الخوف وإعادة ترتيبه والبحث عن خلاص أو تصالح. وختاماً فان قصيدة “اتصالٌّ” النثرية تصور الخوف ليس فقط كتجربة إنسانية، بل كحالة وجودية تتشابك فيها الرغبة في التعبير مع الكبت، والعقل مع الوجدان. اعتمد الشاعر على لغة تصويرية حسيّة وانزياحية، وبنية نصيّة ديناميكية ليوضح تطور الخوف كقوة داخلية مهيمنة. في النهاية، فان الشاعر قد ابدع في تناول الخوف ليصبح نقطة تأمل للذات، واوضح القارئ محاولته لفهم هذا الشعور المعقد وتجسيده في سياق شعري فلسفي.
|
المشـاهدات 40 تاريخ الإضافـة 03/02/2025 رقم المحتوى 58733 |