النـص :
بالرغم من محاولات الادارة العسكرية الجديدة بقيادة الجولاني في بناء دولة ديمقراطية بثوب مدني على أنقاض الحرب التي أستمرت لسنوات بين الجولاني والفصائل الاخرى وبين نظام الاسد،الا أن تجربة العراق ما زالت متقدمة في هذا الجانب ويمكن لها ان تضيء طريقاً للمضي قدماً نحو الاستقرار والديمقراطية،حيث ولأول مرة تتاح للشعب السوري الفرصة لبناء مصيرهم بأيديهم والتأسيس لنظام سياسي جديد قادر على تمثيل جميع مواطني البلاد،إذ يرى المراقبون أن المرحلة الحالية تعد الاصعب والاقسى في تاريخ سوريا المعاصر بسبب طبيعة النسيج الاجتماعي والذي انعكس بشكل واضح على المشاكل التي يعاني منها هذا المجتمع، الى جانب الوضع الاقليمي والدولي الذي يراقب الاحداث بحذر وشك.العراق الذي يمتلك مشتركات كبيرة ومهمة بينه وبين المجتمع السوري،والذي واجه نفس الصعوبات إذ أستطاع من تشكيل نفسه سياسياً بعد مرحلة صعبة من الصراعات الداخلية والدماء ولكنه أستطاع من عبورها،وعلى الرغم من التحدي الذي واجهه العراق في مدى قدرته عل تشكيل نفسه سياسياً بعد عقود طويلة من الدكتاتورية،وها هو الآن يقم درساً في كيفية بناء أسس الديمقراطية والاستقرار وبناء النظام السياسي الحديث.أستطاع العراق من تجاوز ثلاث دروس مهمة في مراحل التأسيس لديمقراطيته الفتية،وهي تبني مبدأ الفيدرالية في الادارة والحكم واتخاذ القرارات على أساس الاجماع للحفاظ على تماسك الدولة،وتجنب تشكيل ديكتاتورية جديدة من خلال صنع قيادات سياسية من أجل محاولة ملء الفراغ الذي خلفته الديكتاتورية قبل عام 2003 ، والتركيز على المسائل العملية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية وبناء المجتمع الرصين المتماسك.أستطاع العراق بالرغم من كل التحديات التي مرت به بعد عام 2003 ،أن ينجح في خلق ديمقراطية فعّالة الى حد معقول بعد الاطاحة بنظام البعث الديكتاتوري،فقد استطاع الشعب العراقي ان يؤسس الى بناء نظام تمثيلي يشمل آراء جميع المكونات العراقية وتشارك في القرار السياسي للبلاد،وهذا يُحسب للقوى السياسية وهو ليس بالأمر السهل والانجاز الهين،خصوصاً بعد أجيال قضاها الشعب العراقي تحت تسلط الاستبداد الذي فرضته الدكتاتورية البعثية التي تركت أثراً عميقاً لدى العراقيين والسوريين على حد سواء. بنى العراق نظامه السياسي الجديد على أسس مهمة في مقدمتها التعايش بين جميع المكونات على أساس عقد اجتماعي جديد وهو الدستور العراقي الذي وضع خارطة الطريق لهذه العلاقة،بالاضافة الى تقاسم السلطة واللامركزية في الادارة والحكم، بالإضافة الى مبدأ التوافقية التي بالرغم من مساواها الا انها أستطاع الى تسير بالبلاد الى بر الامان وتعبر عن مشاركة الجميع في صنع العراق وحماية المصالح العليا للشعب العراقي بكافة مكوناته. ما تواجهه سوريا الآن هو نفس ما واجهه العراق سابقاً وأستطاع التغلب عليه بالعمل الدائم والمستمر،الا وهو المحافظة على وحدة الارض والشعب بكافة مكوناته المتداخلة فيما بينها وهذا الامر يتطلب عمل مؤسساتي دقيق في كيفية التعامل مع هذه الملفات الحساسة،خصوصاً كسب المكونات الاخرى كالأكراد والمسيحين والعلويين والدروز،فالنموذج العراقي أعطانا درساً جيداً في التعامل مع الاكراد وان الفيدرالية ساهمت كثيراً في الحفاظ عليهم كمكون اساسي وجزء مهم من العراق واعطتهم حقوقهم،بالمقابل ساعد دور الاكراد في أستقرار البلاد ككل في المراحل الحرجة التي مر العراق بعد التغيير وأستطاع ان يكون حجر عثر في تشكيل دكتاتوريات صغيرة هنا او هناك.بعد سقوط النظام السوري وشعور السوريين بالبهجة والفرح والمتضررين منه ،فأن هناك سلطة ديكتاتورية قد نشأت وهي شخصية " الجولاني" والذي بدأ يسوق نفسه على انه الاب للسوريين،فظهوره بهذا الشكل واعتباره المنقذ والبطل ويصدره أتباعه على انه ذلك المنقذ يشكل تراجعاً كبيراً بالديمقراطية، سوريا بعد التغيير لديها المبررات الواقعية للتحرك بحذر في رسم مسارها إلى الأمام،على النقيض من العراق، فسوريا لا تمتلك الموارد النفطية التي تساعدها على سد عجز ميزانيتها، كما أنها لا تملك الدعم الدولي الكافي الذي يجعلها تعتمد عليهم في حمايتها من أي متغير على الارض وتوفير الضمانات الأمنية في حالة ظهور الأزمات.العراق اليوم أصبح يدار بعقلية عملية وليس مستعداً لتكرار تجارب دول أخرى ،لذلك من الاجدر على السوريين أن ينظروا الى العراق ، لقد كانت الحكومة البراغماتية في العراق والمنغلقة على الذات والتكنوقراطية إيجابية صافية للتجربة الديمقراطية، اذ لم يظهر صدام جديد، وتمت تسوية الصراعات القديمة مع الأقليات بشكل دائم من خلال اتفاقيات تقاسم السلطة، كما ينبغي لهم ان يتعلموا الدروس من جيرانهم العراقيين، الذين بدأوا على نفس المسار الصعب قبل عقدين من الزمان.
|