الجمعة 2025/2/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 9.95 مئويـة
نيوز بار
قلب متأجج بين اليأس والرجاء يبحثُ عن نور في وسط الضلالات...
قلب متأجج بين اليأس والرجاء يبحثُ عن نور في وسط الضلالات...
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

نقد: كريم إينا

صدر للشاعر د. نجمان ياسين مجموعة شعرية بعنوان: " قلبي وكلابُ جهنّم"  الطبعة الأولى سنة2021 طبعت في مطبعة دار غيداء للنشر والتوزيع المملكة الأردنية الهاشمية – عمان، يقع الكتاب بـ (84) صفحة ضمّت المجموعة على ( 25 ) قصيدة، الكتاب من الحجم المتوسط ، يبدأ في ص7 بأول قصيدة بعنوان: " لستُ أنا...ولست أنت" يقول: / رأسي منهوبٌ / وكلماتي مسروقة منّي، / ودمي فزعٌ! / ينوّهُ الشاعر إلى رأس الثور المجنّح الذي قطع إلى أربعُ قطع ثمّ سرق، يناشد ربّهُ ويدعو بمسحة دينية ليبعد عنهُ الكأس المرّة، وأن لا ينبثّ في الطرقات بمشانق الضلالة، فيستعير ألفاظاً في نصّه ليكون بعيداً عن المسوخ والطحالب والأشنات التي تريدُ أكلَ قلوبَ الناس فيدافعُ عنها ببسالة، أمّا في قصيدة " كسيح" ص11 حيث يقول: / كيف يمكن لهذه الغيلان، / أن تسجنَ مياه الينابيع، / وتجعلني أتجرعُ مرارة الإذلال، / يلمّح هنا إلى جيران العراق الذين قطعوا نبع المياه، فأمست البلاد صحراء كسيحة، وفي قصيدة " تنويعات من زمن الهلاك" يقول: / إلهي، ليس سوى السخام / في هذا الأفق المقفل!/ هو ذا ظلمائيل! / تخيّر الفراشة فريسةً، / والوردة قوتاً / وأطلق العتمة، لتأكل روحي القلقة! / ينذر الشاعر رماداً يرمز به إلى نظام داعش الذي لم يجلب معهُ سوى السخام المقفلْ ويأتي بمفردة حديثة ظلمائيل فكان موفقاً في إختياره لها، توزعت تلك الشاعرية على موضوعات عدّة قد يغلبُ عليها الوصف والتمرّد، لأهميتها التاريخية والأدبية والفنية، وهذا المنجز الشعري هو فارق زماني نوعي يتصل بالوعي واللاوعي نفسهُ، وهذه القصائد هي بمثابة ثورة على الواقع الحالي، عمد إلى توظيف ما يوفّرهُ التراث من أدوات إجرائية، من أجل الحرص على خصوصية اللغة الشعرية، فالقصيدة التي لا تستطيع أن تخاطب زمانها لا تستطيع أن تخاطب زمان غيرها، نأتي إلى ص21 حيث يقول: / واليوم، أقبلوا، من حيث أقبلوا، / ليستبيحوا نهر الكوملْ /  ويدفنوا كل ما هو مورق، رشيق، / جالبين معهم حمق الغرائز الأولى، / وشهوة دم لا تهدأ، / رفعوا الفؤوس، والمعاول، والساطور، / يستمر في القول لسدّ ما جاء فيه من ثغرات ونقص، فهو يسافرُ داخل ذاته، بقصائد ذات صبغة مستقبلية. فيجمع صور مفردة، بما يشكل صورة كلية لقصيدة " حالتان" ص29 فيقول: / دمٌ في الطرقات، / ودم على العتبات، / دمٌ على دفاتر الطفولة، / ودمٌ في المساجد، والكنائس، / يبينُ الشاعر أهمية هذه الأماكن المقدسة، التي أصبحت رمزاً إلهياً مقدساً، وتمثلَ ذلك في السعي الدؤوب نحو معالي الأمور، التي تؤدي إلى المجد والرفعة، نأتي إلى قصيدة " إحساس" ص31 نرى موقف الشاعر من الحياة، خلال قضايا الخير والشر.. والحياة والموت، وكما نعلم بأنّ الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير، فنراهُ تتشكلُ عندهُ الألفاظ التي تجسد المعاني وتقديم المعنى بطريقة حسية فيقول: / إلهي، رحىً تطحنُ قلبي وتهرسهُ، / ويباسٌ يمسكُ عقلي وينهشهُ، / وليس لي إلاّ أن أستحمّ ببركة الدماء كلّ آن، لأبصر طريقي، / وأنا أبصرُ الموت يلتهمُ كلّ ما هو حي، / الشاعر هنا يبلغُ المعنى في قلب السامع، لذلك فالشعر يمثلُ لنا ويقيس لما نعملهُ بعقولنا على الذي نراهُ بأبصارنا، فهو قد يمر بصور الماضي لمعاناته في المدينة بشكل رومانسي، وفي ص33 قصيدة "  روح تلوبُ " يقول: / هكذا أتشبثُ ببراق كلماتي، / كي يخرجني من مخاضات الدماء، وينتشلني من هاوية المهالك، / ويمحو المرارة التي ملأت فمي،/  ويُعيدُ إليّ وسامة أعماقي! / الشاعر هنا يجسّم الروح ويمنطق الخيال، وهذا الصراع النفسي هو محاولة في التكيف، لتقريب الخيال من الواقع الموضوعي، لكي يثير موقفاً إنسانياً بما يبوحُ به، يكررْ لفظة يهرسُ، السخام، الروح، الطرقات كلها تأخذنا بزمهرير بلا نجوم، يوصف الشاعر حلمهُ بالمياة وأمواجها التي أوصلتها الريح إلى سواحل الحياة، نراهُ يصوغُ عباراته بصيغة إسمية تدلّ على الثبوت والدوام بدون قرائن، يتمثّل شعر د. نجمان ياسين بعدّة دلالات منها ذات الشاعر: ينتشلني، نأسى، أوقد، الأنوار، أخلعُ الأنياب، أمّا الدالة على الطبيعة: مثل النجوم، السموات، رمال الجزيرة، الينابيع، الأرض، المستنقعات الآسنة. أمّا دالة التاريخ فيركزُ على: الأطلال، الآيات البينات، السلاطين، المصلين، الحضارات. هذه المادة اللغوية المشكلة للنص هي أداة لإيصال جو الحنين.. والفراق..والقلق.. والعتمة، كلّها ترتبط بإستحضار الذكرى لإبراز معاناة الشاعر الذاتية، لذلك تراهُ يتمسّك بثنائية الماضي والحاضر التي يعيشها، فهو يمثلُ نظرتهُ بين ماض مليء بالإنجازات والنجاحات، وحاضر مأساوي عفا عليه الزمن، إنّ رومانسية الشاعر تدعو إلى التحرر بالإضافة إلى الدعوة لتخليص الأدب من الجمود ومحاكاة الماضي، والذهاب لإبداع نص يتناسب والعصر، والرومانسية هنا تكمنُ في قوة المشاعر والخيال الجامح كلاهما مصدر التجربة الجمالية، ورومانسية د. نجمان ياسين متمرّدة طافحة بالحزن والألم، تظهرُ فيها مضامين لوصف الطبيعة، أو إعلاء الذات وجعل الحرية الهدف المنشود، إنّ إستعمال الرمز والإيحاء ربّما قد يتّسم بالغموضْ أو الهروب من الواقع إلى الخيال فتراهُ يكتبُ بالعاطفة والإعلاء من شأنها، هناك مدارس تأثرت بالمذهب الرومانسي مثل: مدرسة الديوان، جماعة المهجر، وجماعة أبولو ففي ص43 قصيدة بعنوان: " إهدني نفسي" يقول: فيها / ماذا حدث لهذا المغني المولع بالنور، / كي يدفع إلى هذه العتمة الشائكة؟ / وكيف لقلب صدح بالغناء / أن يضمّ الآن، كلّ هذا الأنين والنحيب؟! /. لهذا فالشاعر يجدد في أسلوبه وطريقته في التفكير والعاطفة والخيال، أيضاً يستلهم التراث دون الإنغماس فيه، فيقول: في ص44 / إلهي، الروحُ مكبلة، / والقلبُ حبيس، / فأهدني نعمة حرية الضوء الطليق، / إهدني نفسي، / لأحكي حزن سماء بلا قمر، /. تكمنُ في قصائد الشاعر فكرة شديدة المعاصرة، حيث تدخلُ كلّ القصائد في ثيمة واحدة وتلتقي بنفس المواقف المتناثرة، فيرى مدينته تحتاجُ إلى بشر يتحركون ويعملون آلياً، لا إلى بشر يحسون ويشعرون فقط ، لذلك كنتُ أتمنّى لو دمج كل قصائد المجموعة في نص مفتوح واحد، لكانت ثيمتهُ مطروقة أقوى لإعتبارات فلسفية وإجتماعية وسياسية، قد تكمنُ أصالة رؤاها وخصوبة منبعها، فالشعراء الرومانسيون ينزحون من أماكنهم، كنزوح السياب من قريته " جيكور" وإنتقال أحمد عبد المعطي حجازي من قريته " تلا" وكذلك صلاح عبد الصبور من " الزقازيق" إلى القاهرة، هكذا شاعرنا إنصدمت شفافيتهُ بغيلان المدينة، فسار السراب خلفهُ، ففي ص63 تظهر قصيدة " غيلان الضلالات" يقول: / القميء لم يصدق أنّهُ إقتعد كرسياً، / فألصقَ مؤخرته وصار كرسياً،/ وشرع يقيء كلمات الوعد، والوعيد، / دنيويون، يدعون الزهد، / وجسديون، يتقنعون بالعفة، / وشرهون، يخفون تهالكهم على لذائذ الموائد!/. بعد أن كان الشاعر يسيرُ على الأرض بشعره فقد أصبح يحلقُ في الكون، أتمنّى لهُ الموفقية والنجاح في خدمة المشهد الشعري في العراق خاصة والوطن العربي عامة.    

المشـاهدات 69   تاريخ الإضافـة 09/02/2025   رقم المحتوى 59035
أضف تقييـم