![](images/logo2.png)
![]() |
حسن الموسوي: عرّاب السرد العراقي الجديد!! |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
اشارة معرفية/شوقي كريم حسن
عندما نقترب من تجربة حسن الموسوي، نجد أنفسنا أمام مشهد مزدحم بتفاصيل تنأى عن الخطوط التقليدية، تفاصيل تتجاوز المألوف لتلامس جوهر الفعل السردي ذاته. الموسوي، كاتب وناقد، لا يُنظَر إليه بوصفه مجرد مشارك في الحراك الثقافي العراقي، بل كصانع لنماذج سردية تجسد روح التمرد والانفتاح على مستويات متعددة من التلقي والتأويل. في كتاباته، يُمسِك بالحرف كأداة تنقيب، يحفر عميقًا في التربة الثقافية والاجتماعية، ليُخرِج سرديات تضج بالأسئلة بدلاً من الإجابات.تميز الموسوي بنهج يُعيد تعريف العلاقة بين الكاتب والمتلقي. فهو لا يقدم نصوصًا تُقرأ بسهولة، بل يدفع القارئ نحو حافة التفكير المستمر، في محاولة لفهم الطبقات المخبوءة تحت سطح السرد. السمة الأساسية التي يمكن رصدها في مشروعه النقدي تكمن في استحضار التفاصيل الصغيرة التي غالبًا ما يغفلها الآخرون. تلك التفاصيل تصبح عند الموسوي بوابات تفضي إلى عوالم غير متوقعة، عوالم تختبر أسئلة الهوية والوجود، وتضع المتلقي أمام مرايا متداخلة تعكس واقعًا مغايرًا لما يُرى بالعين المجردة. الموسوي، في نصوصه النقدية، يمزج بين لغة تحافظ على انسيابيتها وبين طرح فكري متين، يصنع جدلًا بين ما هو ظاهري وباطني في النصوص التي يتناولها. فهو لا ينحاز للنظريات الجاهزة بقدر ما يخلق مساحة لتجريب أدواته الخاصة، مُعلِيًا من شأن المقاربات التي تُفَعِّل النص بدلاً من تجميده في قوالب تحليلية مغلقة. وبينما يلجأ كثيرون إلى تبني مصطلحات نقدية متداولة كوسيلة لفرض حضورهم، يظل الموسوي قريبًا من النصوص التي يعالجها، مُعطيًا الأولوية لإيقاعها الداخلي وخصائصها الذاتية.السرد بالنسبة له ليس مجرد أداة لنقل الحكاية، بل هو ميدان لتكسير التوقعات وإعادة بناء الفضاءات الدلالية. في كل قراءة يقدمها، نشعر وكأن النص الذي بين يديه يتحول إلى مختبر فكري، حيث تُختبر حدود السرد وتتداخل مع الواقع والمخيال على حد سواء. هذه الخاصية تجعل من نقده مساحة لتوليد نصوص جديدة، نصوص تتحدث بلسان النص الأصلي لكنها تفتح أمامه آفاقًا لم يكن ليبلغها منفردًا.ما يميز الموسوي أيضًا هو انحيازه إلى التجارب العراقية الأصيلة، تلك التي تنبثق من رحم الواقع العراقي المركّب، بآلامه وأفراحه وتشظياته. لكنه، في الوقت ذاته، يتجنب التورط في أسر المحلي الضيق، إذ دائمًا ما يبحث عن البعد الإنساني في النصوص، ذلك البعد الذي يجعل من الحكاية العراقية امتدادًا لحكاية الإنسان الكونية. في هذا السياق، تبدو مقارباته وكأنها محاولة مستمرة لتوثيق الهوية السردية العراقية دون الوقوع في فخ التقليدية أو التنميط.حسن الموسوي لا يتوقف عند حدود النقد التقليدي الذي يقتصر على تصنيف النصوص وتحليل مكوناتها. بل يتعامل مع النقد كفعل إبداعي موازٍ، فعل يتطلب جهدًا فكريًا وحساسية جمالية قادرة على تمييز ما بين السطور. إن رؤيته للنقد كـ”إعادة كتابة للنص” تجعل من أعماله النقدية أشبه برحلات استكشافية تتيح للقارئ رؤية النصوص من زوايا جديدة، زوايا تعيد تشكيل العلاقة بين النص، القارئ، والواقع.ربما يكون التحدي الأكبر الذي يضعه الموسوي أمام نفسه هو كيفية جعل النقد مساحة حيوية للتفاعل مع النصوص بدلًا من أن يكون مجرد نشاط أكاديمي أو تنظيري. في هذا الإطار، تبدو لغته وكأنها تستمد قوتها من مرونتها وانفتاحها على مختلف الحقول المعرفية، مما يُضفي على كتاباته طابعًا متعدد الأبعاد. حسن الموسوي ليس مجرد ناقد أو كاتب سردي، بل هو حالة ثقافية تستحق التوقف عندها. أعماله تُظهر بوضوح أن السرد، بكل تعقيداته وغموضه، لا يزال أداة فعالة لفهم الذات والآخر. وفي عراق ما بعد الأزمات، يبدو الموسوي وكأنه يمسك بالخيط الذي يربط الماضي بالحاضر، ساعيًا لتقديم سرديات لا تنحصر في توثيق الألم فقط، بل تفتح أبوابًا للأمل والابتكار. إن مشروع حسن الموسوي السردي والنقدي هو أشبه بمنظومة مفتوحة، تتيح للنصوص فرصة التفاعل مع قراءات مختلفة وتجاوز أطرها الزمنية والجغرافية. فهو لا ينظر إلى النص بوصفه كيانًا مكتملًا، بل يراه كائنًا حيًا يتنفس ويكبر مع كل قراءة جديدة. هذه الرؤية، على الرغم من بساطتها الظاهرية، تفتح أمام القارئ مجالًا لا نهائيًا من التأويلات.النصوص التي يتناولها الموسوي ليست دائمًا سهلة المنال، لكنها دائمًا مشحونة بأسئلة كبرى تتعلق بالمصير الإنساني، وبمحاولة فهم تلك الحدود الفاصلة بين الوهم والحقيقة، وبين الصراعات الداخلية والخارجية. هذا التعقيد في الموضوعات يقابله بساطة متقنة في اللغة النقدية التي يعتمدها، حيث يقدم فكرًا عميقًا دون أن يثقل النصوص بمفردات معقدة قد تنفر المتلقي العادي.لا يمكن الحديث عن الموسوي دون الإشارة إلى حساسيته تجاه الجوانب الاجتماعية والسياسية في السرد العراقي. فهو يُدرك أن النصوص الأدبية العراقية غالبًا ما تكون ابنة بيئتها، لكنها في الوقت نفسه تمتلك قدرة فريدة على تجاوز تلك البيئة لتصبح شهادات إنسانية شاملة. إن قراءته للنصوص لا تقتصر على كشف المعاني الظاهرة، بل تمتد إلى تفكيك السياقات التي أنجبتها، مما يجعل النقد لديه تجربة مزدوجة، تجمع بين اكتشاف النص وإعادة اكتشاف الواقع.إن المتتبع لأعمال الموسوي يلاحظ التزامه بقضايا الهوية والذاكرة الجمعية. هذا الالتزام لا يأتي في صورة شعارات، بل يتجلى في قراءات صامتة لكنها مليئة بالدلالات، حيث يركز على ما لم يُقال، على تلك المساحات البيضاء التي قد يخشاها بعض الكتاب لكنها تمثل بالنسبة له منطقة خصبة للتأويل والتفكيك.الموسوي، في الوقت ذاته، يمتلك قدرة نادرة على تجاوز الثنائية التقليدية بين الكاتب والقارئ. ففي نصوصه النقدية، يبدو وكأنه يعيد تشكيل النصوص مع القارئ، ويخلق فضاءً مشتركًا يتيح للمتلقي أن يصبح شريكًا في العملية الإبداعية. هذه الميزة تجعل من قراءته تجربة حية، تتفاعل مع القارئ بدلًا من أن تُفرَض عليه.وربما أهم ما يُمكن استخلاصه من تجربة الموسوي هو التذكير بأن النقد لا يقل إبداعًا عن الكتابة الأدبية. فهو يسعى لإحياء النصوص، لتصبح كيانات حية تمتد عبر الزمان والمكان. وبينما يتجه كثيرون إلى توثيق الواقع، يُصر الموسوي على أن السرد والنقد كلاهما أدوات لصناعة واقع بديل، أكثر إنسانية واتساعًا.حسن الموسوي ليس مجرد ناقد يقرأ النصوص، بل هو صانع لرؤية متجددة، تقف عند حدود النص لتفتحه على عوالم أوسع. إنه ناقد يُعيد تعريف النقد بوصفه فعلًا يُشبه الكتابة الأولى، فعلًا يُضيء النصوص ويمنحها أعمارًا أخرى، ويؤكد أن السرد العراقي لا يزال ينبض بطاقة هائلة، قادرة على مواصلة الحلم رغم كل ما مر به هذا الوطن من أزمات وتحديات. |
المشـاهدات 29 تاريخ الإضافـة 14/02/2025 رقم المحتوى 59248 |
![](images/logo2.png)
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |