الثلاثاء 2025/3/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 13.95 مئويـة
نيوز بار
أصوات الطلبة تبعث الحياة في شخوص صموئيل وتنطق نيابة عنها. نصوص إبراهيم صموئيل مشاريع مسرحية بالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق
أصوات الطلبة تبعث الحياة في شخوص صموئيل وتنطق نيابة عنها. نصوص إبراهيم صموئيل مشاريع مسرحية بالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

يعد إبراهيم صموئيل واحدا من القاصين والأدباء الذين لا يعرفهم الكثير من الجيل الجديد، وكانت نصوصه مجتنبة في السابق جراء التضييق السياسي، لكنه اليوم أول الحاضرين على خشبة مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ضمن مادة الإلقاء، حيث رأى فيه الطلبة خير من يعبر عن واقعهم، رغم أن قصصه كتبت منذ عقود خلت.هبت رياح الحرية في سوريا معلنة عن مساحات أوسع من التعبير الحر، معيدة نصوصا أدبية وأعمالا فنية إلى الواجهة بعد أن كانت ممنوعة من التداول بقرار سياسي معلن أو خفي، وهجر أصحابها أوطانهم، ذنبهم الوحيد أنهم عبّروا عن قضايا أبنائها ووقفوا في يوجه الظلم بأقلامهم وأصواتهم.رياح التغيير هذه وصلت إلى المعهد العادي للفنون المسرحية، أين بدأت مشاريع الطلاب تبدي انفتاحا أكبر على أعمال روائيين ومسرحيين سوريين لم يكن المجال متاحا لهم في العقود الماضية، ومن هؤلاء إبراهيم صموئيل الذي اختاره طلبة القسم الثالث لتكون قصصه محور مشروع مادة الإلقاء في الفصل الأول من العام الدراسي.ثلاثة نصوص اختارها الطلبة تحت إشراف الدكتورة ندى العبدالله، بمساعدة الأستاذ مرهف الكراد وتعاون فني مع محمد نور درا. والنصوص هي “النحنحات” ألقاها تلا بيسانة وسيمون الحناوي وليث الشيخ وسارة نصر، أما “رائحة الخطو الثقيل” فألقاها حيان بدور وندى حمزة وصفوت الجمال، في حين جاءت “هاجس” بصوت لانا علوش وعلي العبدة وهايدي جمول.“النحنحات” لصموئيل الكاتب السوري الذي هجر وطنه جراء التضييقات السياسية، هي مجموعة قصصية تكتسي بطابع سوداوي، مغرقة في وصف الواقع إلى حد مخيف. تتبع معاناة الإنسان، بلغة بسيطة وسلسلة، لا تبالغ في الاستعراض اللغوي وإنما تقترب من الإنسان العادي، الإنسان البسيط، لتعبّر عن معاناته بلسان لغوي يشبه لسانه. حكايات وزعها الكاتب السوري على فصول قصيرة عنونها بـ”الناس الناس”، “شتاء طويل”، “ماذا قلت يا أبي”، “أصعد قاسيون وأنادي”، “صباح ذلك الأحد”، “النحنحات”، “الصقيع”، “ساعة الظهيرة”، “الهاجس”، “المرحاض”، “مثل حجر في نهر”، “الغول”.وفي “رائحة الخطو الثقيل” يقص علينا صموئيل حكايات من السجون والمعتقلات، مارا بلحظات التخفي والاعتقال والسجن، تجده يلتقط ببراعة لحظات إنسانية مؤثرة وموجعة، تضع الأبطال وجها لوجه مع حياتهم القاسية وانفعالاتهم الكبرى، دون عنف صوري، فهو يحكي عن السجون دون تصوير لمشاهد التحقيق والتعذيب والضعف الإنساني المقيت، وإنما يحكي تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة التي يفتقدها المعتقل، بلغة إنسانية وليست لغة الشعارات السياسية والخطابات الرنانة.أما “الهاجس” فهي قصة من بين المجموعة القصصية “النحنحات”، وفيها رصد لألم الترقب الذي قد يصيب الإنسان، كأن يترقّب تحسن الأوضاع عاما تلو الآخر لكنها لا تتحسن، أو يترقّب الحرية في حين أنه يتعفن داخل السجون وتضيع أجمل سنوات حياته.عن هذا المشروع قالت أستاذة الصوت والإلقاء والتمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتورة ندى العبدالله إنه جزء من عمل مستمر منذ فترة لتدريب الطلاب على استخدام مهارتي السرد والمعايشة.وأوضح مقطع فيديو من المشروع أن الطلاب بدؤوا في هذا الاشتغال على نصوص القاص السوري قبل سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إنها نصوص ثائرة دون عبارات أو لغة سياسية، نصوص متمردة صالحة لكل زمان ومكان، هكذا رآها الطلبة الشباب.وعن اختيار نصوص صموئيل أوضحت الأستاذة المشرفة بأن ذلك يعود إلى أهمية هذا القاص بين أدباء سوريا المعاصرين، مؤكدة أنه رحّب كثيرا بمشروع توظيف نصوصه لتدريب طلاب المعهد، مبدياً أسفه لعدم تمكنه من المجيء من الأردن والتي يقيم فيها منذ سنوات لمتابعة العرض.صموئيل من مواليد دمشق عام 1951، يحمل إجازة في الدراسات الفلسفية والاجتماعية من جامعة دمشق، صدرت له أربع مجموعات قصصية: (رائحة الخطو الثقيل) عام 1988، و(النحنحات) 1990، و(الوعر الأزرق) 1994، و(البيت ذو المدخل الواطئ) 2002. إضافة إلى كتاب يضمّ مقالات له صدر عام 1999 بعنوان (فضاءات من ورق)، وقد اعتُقل مرتين أيام حكم الرئيس حافظ الأسد.يصفه البعض أنه “أكثر القاصين السوريين فهما لطبيعة هذا الجنس الأدبي القادر على حمل الدلالات، إذ يبرع في كتابة القصة التي تكتمل أبعادها دون أن يتورط في الثرثرة السردية. وقصصه تنتقي الكلمات الأشد دلالة، فتؤسس منها وبها جملة قصصية مكثفة، تقول ما تريد، وتترك للقارئ أن يبني في مخيلته قوام عالم يريده الكاتب متجسدا في ذهن قارئه.”وقد كتب عنه الشاعر الكبير والمسرحي السوري الراحل ممدوح عدوان في مقدمة الطبعة الرابعة لمجموعة: “رائحة الخطو الثقيل” يقول “بعد أن قرأت هذه المجموعة ازداد إحساسي بالخطر والخوف على أشياء كثيرة قالتها هذه القصص الملتقطة من الواقع وزخم الحياة وضغوطاتها.. ولا بد أن نتذكر مع مجموعة قصصية كهذه، أن ليس كل ما يعرف يقال، والجرأة الحقيقية هي أنك برغم ذلك سوف تقول.. وهذا ما فعله إبراهيم صموئيل.”ووجدت العبدالله في مشروع مادة الإلقاء فرصة لتذكير الشباب بأعمال صموئيل، والتي رغم أن معظمها مطبوع في سوريا سابقا لكنها ليست منتشرة، ولا يتم تسليط الضوء عليها بما فيه الكفاية، معبرة عن سعيها لتقديم هؤلاء الكتاب المهمين الذين قدموا الكثير، لكن نتيجة لمواقفهم السياسية والأخلاقية الواضحة، ونضالهم لصالح البسطاء ودفاعهم عن لقمة عيشهم وعن كرامتهم، تم تغييبهم بشكل أو بآخر منذ زمن طويل.وأن تلقي نصا بطريقة مسرحية ليس أن تقرأه فقط بل أن تقرأه وتفهمه، ثم تقتنع به وتعيشه وتعيد تجسيده بصوتك، وهذه المرحلة الأخيرة هي الأصعب، إذ تضع الممثل أمام مهمة دقيقة تتطلب منه نطقا سليما ومخارج حروف واضحة وفهما لمساحة صوته وحدودها وقدرة على “تربية صوته” والتنفس بشكل صحيح، وتمكن واضح من تنويع الصوت وشدته وطبقته وسرعته، وعلى اختيار الفواصل في الزمن المناسب لتقطيع النص، إلى جانب بعض الانفعالات الجسدية الضرورية التي تزيد النص المنطوق حيوية وحياة. وهذه مهارات لا تكتسب بين يوم وليلة وإنما يتدرب عليها الممثلون طوال تجربتهم الفنية، ومنهم من أصبح صوته علامة فارقة في تاريخ الفن العربي.وجاء إلقاء طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لنصوص صموئيل، واضحا رصينا، يعامل النص بمستوى عمقه المعلوم، يحافظون على هدوئهم الشبيه بهدوء الكاتب الأصلي للنص وعدم انسياقه وراء اللغة المكثفة للتعبير عن أوجاع السوريين داخل السجون.اتشح الطلاب بالسواد، ذلك اللون المحايد، الذي يشبه كثيرا سوداوية الواقع الذي صوّره القاص السوري، وبفعل سواده عاش لسنوات خارج وطنه، وتعرض للسجن مرتين. كذلك كان المكان (الخشبة) خاليا من أي مؤثرات وديكورات تكشف هويته، فجاء مشابها للمكان في أغلب قصص صموئيل، فهو يترك الفضاء الزماني والمكاني مفتوحا ويحمل تأويلات عديدة لينطلق من الذات إلى هواجس اجتماعية جماعية مختلفة محاولا البحث في سيكولوجية الإنسان المقهور المتعثر في إيجاد ذاته.وزين المشروع بمقطع فيديو يوثق رأي الطلاب في الكاتب الذي يتعرف بعضهم إليه للمرة الأولى، وهم يتحاورون في ما بينهم، مع اقتباسات لكتاب آخرين مثل ممدوح عدوان. في الفيديو تراهم يصفون صموئيل بأن قصصه “تطارد التفاصيل الصغيرة للإنسان المطارد والمقموع، حيث أن أبطاله من الناس البسطاء الذين نصادفهم في الحافلات والأزقة والشوارع الذين حملوا على أكتافهم وزر النضال فتحملوا ظلمة السجون وعذاب المعتقلات.”لكنهم يقتبسون أيضا كلام ممدوح عدوان حين قال إن صموئيل “رجل يحمل قضية أو رجل يدافع عن قضية يغامر ويضحّي من أجلها، يعيش حياة الملاحقة والتخفي، ثم يقبض عليه ويدخل السجن.. ما يلفت الانتباه في هذه المجوعة من القصص القصيرة التي تنزف بفعل السياسة أنها تخلو من كلمة سياسية واحدة.”“إن الكتابة هي نوع من التحقيق الذاتي، طريقة لاكتشاف الذات والعالم من حولي، أعتقد أن القصة هي وسيلة قوية لنقل الرسائل والحقائق البسيطة للحياة اليومية،” هكذا كان يرى القاص السوري فعل الكتابة، وهكذا اختصر كتابة القصص القصيرة، وفي حين كانت الكتابة نوعا من التحقيق الذاتي عنده، فقد جاء مشروع الإلقاء ليكون نوعا من التحقيق الجمعي، الذي يذكّر بما عاشه السوريون ويشدد على أن المصير واحد وأن الوقت لم يفت لإعادة الاعتبار لكل من تضرروا من الأنظمة السابقة، والأهم أن الفن والإبداع الصادق سيجد حتما طريقا إلى الجمهور، وأن الوقت قد حان لانفتاح المسرح على ما كان منسيا ومتجاهلا من إبداعات سورية.

 

حنان مبروك

المشـاهدات 84   تاريخ الإضافـة 04/03/2025   رقم المحتوى 60053
أضف تقييـم