ماجد قاسم

مرّةً اخرى يأتينا الشاعر جلال عباس بمجموعة شعرية وسمها بعنوان "البحر مرآة السماء " ضمت ثلاثين قصيدة نثرية، منها ما يشبه الومضات ، في البدء نجد ان  الموضوع والصورة واضحان، كتبت بلغة سلسة وجميلة، غير معقدة تسهل للقارىء عملية المتابعة والتشويق في قراءتها ،  يقال ان الشاعر ابن بيئته او الانسان بشكل عام ، والبيئة التي يعيش بها الشاعر هي البحر محركه الإبداعي والمؤثّر في نفسيته ، كما انها تترك تأثيرات انفعالية تظهر في سلوكه وتنعكس في شعره ، هذا يعني يؤثّر ويتأثّر بما حوله ويتشكّل بما تمليه بيئته عليه ، اغلب قصائده في هذا الديوان تتحدث عن جمالية البحر وما يحمل من سكون وملاعبة الدلافين وطيور النورس وتقارب لون السماء مع لون البحر القرمزي انها عملية استرخاء في مقطع من قصيدة أمواج

( تحت قوس قفزة الدولفين

تتدحرج صورة الضوء بين قوسين

تبحث عمن بلوكها من النقاط والفوارز )

 لم يمض على ذلك الاّ ساعة ويتحول السكون وجمالية المكان الى هياج وتلاطم امواج ،،لنجد ان الكل في حالة توتّر وغليان، كيف السبيل الى النجاة من مأزق البحر ومخاطره ؟!

 حالة التحوّل من السكون الى اللا سكون مخيفة ، سرعة التناقضات وصراع الاضداد وتحولها الى بؤس وكوابيس في مقطع من قصيدة غلبة بحّار

( يتلاطم الموج بلا ضفاف

هبةٌ للريح ثابتة

كلٌ شيء يصبح موجة كبرى

تتصاعد وتيرة الانفاس

احسست بحالة الخطر )،،،

 ثم ينقلنا الى عالم التأثيرات  ليجعل منها نافذة نفسية يبوح من خلالها بما يريد ايصاله الى المتلقي ، فيجعل من تجربته والعامل النفسي المسيطر عليه عاملاً يمنحها الحيوية والتفاعل في مقطع من لوحات زرقاء

( عندما اركب البحر

اتنفس النخيل

الهواء يعيد اليَ

صوت البلابل

عندما تختفي النوارس )

هنا البحر يلقي بظلاله من اثار نفسية على الشاعر ، افراح واحزان كثيرة ، وما اخذه من أهل  وأصدقاء واحباب ، صعوبات الحياة تلاقيها  في البحر وسر التناقضات التي يحملها البحر ايضاً، الشعر مدرسة له القدرة على تجسير الهوة بين مفارقات هذه الحياة ،بمعنى ان هناك علاقة بين الشعر والقيم الإنسانية في مواجهة تحديات أساسية في كشف تناقضات هذا العالم ،لهذا سيظل الشعر قلعة من قلاع الحريّة له القدرة في التوقّع واستشراف المستقبل  من خلال قراءة الواقع .