
![]() |
مهرجان المسرح النسوي بعنابة .. في هواجس المرأة المسرحية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
عبد الكريم قادري قليلة هي الفضاءات والمنابر والمهرجانات الثقافية التي تُعنى بالمرأة المبدعة، لهذا بات من الصعب معرفة أفكارها وطرق إبداعها وقوالب تفكيرها ونظرتها للحياة، بسبب هيمنة الرجل على مداخل شؤون الحياة ومخارجها، وبقائها الدائم تحت ظله وأفكاره وتوجهاته، ما جعلها غير قادرة على إظهار تجاربها كما ينبغي، أو التعبير عن ذاتها المتوهجة والمضيئة والمليئة بالأفكار والمبادرات، وهو المعطى الذي أثّر على مناحٍ كثيرة من منطلقات مواهبها المتعددة.وقد جاء "المهرجان الثقافي الوطني للإنتاج المسرحي النسوي" ليقلّص هذه الهوة ويختصر تلك المسافة، على الأقل في الفن الرابع، ليكون حدثًا مسرحيًا مهمًا، ينظم سنويًا بمدينة عنابة الساحلية (تقع في الشرق وتبعد عن العاصمة حوالي 600 كم)، وبذلك يكون من أهم فضاءات البوح للمرأة المسرحية الجزائرية، يثمّن فيه دورها ويعكس هواجسها الفنية، ليتحول هذا الحدث القار الذي أسسته المسرحية الراحلة صونيا سنة 2012، إلى فضاء مهم وملهم، استمر سبع دورات كاملة، خاصة وأنه يجمع نتاجات المرأة المسرحية تحت قبة واحدة.واصل المهرجان مساره الذي رسم له، رغم الضربات التي تعرض لها الكثير من المرات، وربما أكثرها إيلامًا قرار وزير الثقافة والفنون الأسبق عز الدين ميهوبي، بعد توقيفه سنة 2016، ليبعث من جديد سنة 2022، بمناسبة ستينية الاستقلال، وقد حملت تلك الدورة تسمية الفنانة الكبيرة الراحلة "صونيا"، مؤسسة المهرجان وباعثته من العدم، ليحيا من جديد، بعد أن اقترب من الموت، ويستمر إلى غاية اليوم، لتُختتم آخر طبعة له قبل أيام قليلة (13-18 شباط/ فبراير 2025) وهي الدورة السابعة التي تم إهداؤها لروح الفنانة الكبيرة نورية قزدرلي (اسمها الحقيقي خديجة بن عايدة 1921ـ2020)، وهي ممثلة معروفة وقديرة، قدّمت أدوارًا مهمة وخالدة في تاريخ المسرح والسينما والتلفزيون، وبلغة الأرقام تجلّت تلك الأدوار في أكثر من 200 مسرحية و160 فيلمًا تلفزيونيًا و4 أفلام روائية. ثمانية عروض: خيانة وخيبة وجراح الأنثى المتعددة تنافست في هذه الطبعة ثمانية عروض مسرحية، تداولت كلها على ركح المسرح الجهوي بعنابة "عز الدين مجوبي"، وقد مثّلت تلك الأعمال العديد من المسارح الجهوية والفرق المستقلة، كما عكست في مواضيعها آهات وفيوضات المرأة الجزائرية، بآلام الحاضر والماضي وحتى المستقبل، أو عاشت عن طريق شخصياتها المجروحة المآسي بأثر رجعي، كحال مسرحية "الساقية... العظماء لا يموتون" للمخرجة سامية بوناب، وقد كتب نصها مازن فارح إلياس، فيما تم الإنتاج من طرف المسرح الجهوي سوق أهراس.عادت بوناب من خلال "الساقية" إلى جراح الماضي، حيث كان المستعمر الفرنسي يتفنن في قتل وتعذيب الفرد الجزائري، وقد انتقلت المسرحية بتلك الوحشية حتى خارج حدود الجزائر، وبالضبط بمنطقة ساقية سيدي يوسف، "حيث واجهت عائلة جزائرية مرارة الاستعمار بتضحيات بالغة، رسمت معالمها امرأة كانت سندًا للرجل وعنصرًا فعالًا في أغلب العمليات".ومن مآسي الساقية وجراح لالا ربيحة، إلى أوجاع زهرة في مونودراما "زهرة بلا أوراق"، وهو عرض من إخراج تونس آيت علي، عن نص لابتسام بودريس، فيما أوكل الإنتاج إلى مؤسسة المسرح الجهوي بالأغواط، ويروي العرض حسب ما جاء في ملخّصه: "قصة زهرة التي كانت تعيش في كنف الدفء العائلي، لتكتشف يوم زواجها، أنها فتاة مجهولة النسب، ليتخلى عنها زوجها بسبب ذلك الواقع الذي لم تكن طرفًا فيه ولا بإرادتها".وفي عمل آخر، عاد المخرج إبراهيم نفناف في مسرحية "الكتيبة 48" التي كتبتها حسناء جراري إلى أجواء الاستعمار الفرنسي مرة أخرى، لكن من خلال الجزائريين الذين أجبروا على المحاربة مع فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وما حدث لهم من مآسٍ وجراح لا يزال وقعها مستمرًا إلى غاية اليوم، وقد أنتج هذا العمل من طرف "الجمعية الثقافية والفنية الجدار للمسرح والسينما".أما عرض مونودراما "وجوه وأحذية" الذي أخرجه مختار زعمين، عن نص كتبته زليخة بونار، فقد ذهب صوب الكوابيس والأرواح المتشظية، أو تلك الأفكار التي تحاصر صاحبها وتهاجمه بالأسئلة الصعبة عن ماهية الأشياء والوجود، وهو عرض منتج من طرف "جمعية الريان الثقافية للفنون"، ويروي حسب ما جاء في ملخصه قصة امرأة "تعود في نهاية كل يوم إلى بيتها، لتكون على موعد مع كابوس أرق لياليها، تعيش من خلاله صراعات يومية بوجوه متجددة وروح متشظية، تتراوح بين الوجود والعدم، تمنح الآخرين أملًا في الحياة، رغم أنها تعاني من موت داخلي، تبتسم رغم أنها خريطة من الندوب التي نحتها تعاقب الويلات".وبعيدًا عن النصوص المحلية، فقد جاءت مسرحية "مخ لص" للمخرجة بودشيشة سلسبيل عن نص مقتبس من الكاتب البريطاني وليام جاكوبس، وقد أنتج من طرف جمعية الموهوب "FOU4RART" للفن، ويروي العمل حسب ما جاء في ملخص رحلة: "البحث عن الحب والإخلاص، وتجسد هذه القيمة الفتاة الوحيدة زينوبة مالكة مطعم، إضافة إلى حوحو المخ، وهو شخص مخلص لها، يحاول إثبات ذلك بكل الحيل المتاحة رغم أنها لا تقبل به، لأنها تحلم بفارس أحلام، يمكن أن يسلبها عقلها من أول نظرة، لكن يظهر فجأة الساسي اللص، ويقلب الموازين، ويغير الأحداث رأسًا على عقب".كما قدّمت "جمعية المنارة الثقافية" عرضًا تحت عنوان "كلاب لا تنبح" كتبه وأخرجه وليد عبد اللاهي، وقد جاء ملخصه في جملة أسئلة وجودية، عن ماهية الأشياء وأسرارها، وقد تساءل المخرج فيها في رمزية واضحة: "من هو الكلب الذي لا ينبح؟ هل يمكن للإنسان أن يتحول إلى كلب؟ كلاب لا تنبح، هي محاكمة أخلاقية، والكل أصبح ظامئًا للدماء، عذرًا سيبدأ العرض بعد قليل".وفي نص آخر ذهب المخرج نور الدين كحيل في "اليوم الأخير" إلى نص مقتبس من الكاتب قاسم مطرود، وقد أنتج من طرف فرقة "فرح للفنون والمسرح"، شكّل من خلاله نصًا مونودراميًا نسويًا، عن فتاة تتشبث بأحلامها، رغم الصعاب والعقبات.وكان آخر العروض بعنوان "حلم الحياة" للمخرجة سهام كفي من عنابة، وقد تطرقت فيها لصراع المرأة مع مطبّات الحياة ومتغيراتها. الندوات الفكرية والورش: روافد المهرجان وذاكرته المعرفية يكتسب أي مهرجان مسرحي أهميته أيضًا من الندوات الفكرية والورش والنقاشات والموائد المستديرة، وهذا هو ما قامت به إدارة "المهرجان الثقافي الوطني للإنتاج المسرحي النسوي" التي تترأسه هذه السنة الفنانة رانيا سيروتي، حيث تم تنظيم العديد من الندوات المهمة، من بينها ندوة بعنوان: "الفنانة نورية: فقيدة المسرح الجزائري- شهادات حية وتوثيق لمسيرة امتدت لأكثر من ستين عامًا، سيرة... ومسيرة" نشّطها كل من: نوال براهيم ود. حسينة بوشيخ والفنان عبد الحميد رابية، فيما كان عنوان الندوة الثانية: "دور المسرح المؤسساتي في تطوير المسرح النسوي في الجزائر"، قدّمها المسرحي والإعلامي حميدة العياشي، والأستاذ الناقد المسرحي ناصر خلاف، فيما كانت الندوة الثالثة تحت عنوان: "واقع المسرح النسوي في الجزائر" نشّطها الدكتور عبد الحميد ختالة من جامعة خنشلة، أما الندوة الأخيرة فكانت بعنوان: "دور التكوين في تطوير المسرح النسوي في الجزائر"، قدّمها محمد بوكراس، مدير المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري.كما ابتكر المهرجان في طبعته السابعة العديد من النشاطات المهمة، من بينها "فضاء الكاتبات"، وهي مساحة تفاعلية تم تخصيصها للمؤلِّفات المسرحيات المتخرجات من المعهد العالي لمهن فنون العرض، تخصص كتابة درامية، دفعتي 2024 و2025.يهدف هذا الفضاء حسب بيان محافظة المهرجان: "إلى توفير بيئة تحفيزية تمكّن خمس مشاركات من تبادل الأفكار والتجارب، مع إمكانية الحصول على فرص لتجسيد مشاريع نصوصهن".كما خلق المهرجان هذه السنة فضاءً تراثيًا أطلق عليه تسمية "قهوة العصر"، وقد نظّم له أربع جلسات تحت عناوين مختلفة، وهي: "المرأة/ المسرح والتراث... حكايات زمان وأصول"، وقد سيّرها الأستاذ بن دعماش، فيما كان ضيوف "القعدة" حسب تعبير المهرجان كل من: الفنان كمال بناني، والفنانة ريم حميدة، والأستاذ محمد الأخضر بوبكر، والمسرحي محمد أدار، والفنان عباس ريغي.وكانت الجلسة الثانية تحت عنوان: "التأليف الموسيقي والغناء في العرض المسرحي، كيف تروي الألحان الحكاية"، وقد استضافوا فيها كلًا من الفنانة فتيحة سلطان، وسميرة براهمية، وجميلة منصوري، وقد سيّر الجلسة لمياء آيت مسعود.فيما حملت الجلسة الثالثة عنوان: "الشعر والمسرح/ الكلام موزون ولديه معنى" نشطها كل من الكاتبين إدريس بوديبة وجمال فوغالي والكاتبة جمال زنير، وكانت جلسة الاختتام تحت عنوان: "ألوان وخيال/ كيف تحكي السينوغرافيا قصتها مع الفنون التشكيلية" وقد سيرها الأستاذ عبد الرحمان زعبوبي، ونشطها كل من الفنانة التشكيلية جهيدة هوادف، والفنانة التشكيلية زهية جنات دهال، والفنان يحيى عبد المالك. التحكيم وصعوبة الخيارات وقرارات الحجب تشكّلت لجنة تحكيم هذه الدورة من أسماء فنية وفكرية مهمة، ترأستها الدكتورة سمية بن عبد ربو، المتخصصة في النقد المسرحي والفنون الدرامية. وبعضوية كل من الموسيقار صافي بوتلة، والممثلة مليكة بلباي، والممثل سمير الحكيم، والسينوغراف يحيى عبد المالك، ويبدو أن اللجنة كانت صارمة في خياراتها هذه السنة، بعد اتخاذها قرارًا شجاعًا من خلال حجب بعض الجوائز، وهي جائزة أحسن إخراج، وجائزة أحسن موسيقى، وجائزة أحسن كوريغرافيا، فيما كانت الجوائز المعلنة كالتالي: أحسن نص أصلي: ابتسام بودريس عن مسرحية "زهرة بلا أوراق"، المسرح الجهوي الأغواط. أحسن دور رجالي: عصام بوعكاز، عن دوره في مسرحية "كلاب لا تنبح" لجمعية المنارة الثقافية لقورصو. أحسن دور نسائي: فريال مجاجي عن دورها في مسرحية "كلاب لا تنبح". أحسن تصميم ملابس: زين العابدين خطاب عن مسرحية "الساقية"، المسرح الجهوي سوق أهراس. أحسن سينوغرافيا: تونس آيت علي، مسرحية "زهرة بلا أوراق". جائزة كلثوم لأحسن تصميم ملابس: زين العابدين حطاب، عرض "الساقية" لمسرح سوق أهراس. جائزة كلثوم للجنة التحكيم: فاطمة الزهراء مسنة، مسرحية "زهرة بلا أوراق". جائزة أحسن عرض متكامل: مسرحية "الساقية". |
المشـاهدات 16 تاريخ الإضافـة 10/03/2025 رقم المحتوى 60347 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |