الأربعاء 2025/3/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
رواية "الديوان الإسبرطي"للروائي الجزائري "عبد الوهاب عيساوي "الرواية الحائزة على الجائزة الاولى للبوكر 2020.
رواية "الديوان الإسبرطي"للروائي الجزائري "عبد الوهاب عيساوي "الرواية الحائزة على الجائزة الاولى للبوكر 2020.
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

استحضار فترة زمنية مهمشة

 

حمدي العطار

ما قبل النقد

تُعدّ هذه الرواية عملاً أدبيّاً استثنائيّاً، لا سيما لفكّها قيود السرد التقليدي عن التاريخ الجزائري، عبر استحضار فترة زمنية مُهمَشة (1815–1833)، وهي المرحلة الانتقالية بين الاحتلال العثماني والفرنسي. هذا الاختيار الزمني يُقدّم رؤية جديدة لتشريح جذور الاستعمار الفرنسي، بعيداً عن الخطاب النضالي المباشر الذي يُهيمن على الأعمال التي تتناول ثورة التحرير (1954–1962)

* التاريخ كفاعل روائي

- انزياح زمني جريء: اختيار عيساوي لمرحلة ما قبل الاحتلال الفرنسي المباشر (1830) يُضيء على التحوّلات السياسية والاجتماعية التي مهّدت للغزو، مثل أزمة الديون بين الجزائر وفرنسا، وحادثة "المروحة" (1827) حينما ضرب حسين باشا القنصل الفرنسي بالمروحة التي بيده! والتي حوّلها الاستعمار إلى ذريعة. هنا، التاريخ ليس خلفية، بل شخصية فاعلة تُحرّك الأحداث وتكشف تناقضات السلطة.

-توظيف التفاصيل الصادمة: كشفت الرواية عن جرائم فرنسا المُبكّرة، مثل نبش مقابر الأطفال لاستخدام عظامهم في "تبييض السكر" (إشارة إلى تجارة العظام في القرن 19)، يُعري الوحشية الاستعمارية حتى قبل اكتمال هيمنتها.

* تعدد الأصوات وتفكيك الخطاب الاستعماري:

- سرد بوليفوني غير تقليدي: اعتماد الرواية على خمسة أبطال (فرنسيين وجزائريين) يروون الأحداث من زوايا متعارضة، لكن دون حوار مباشر بينهم، يُشكّل نقداً ضمنيّاً للعلاقة الاستعمارية القائمة على القطيعة والصراع الصامت. هذا التناوب السردي يخلق "جداراً" بين العالمين، يعكس انعدام التفاهم بين المحتلّ والمحتلّ.

  *الأصوات الفرنسية (ديبون الصحفي، كافيار المهندس): تُجسّد غطرسة الاستشراق، من خلال سرد يُبرّر الاحتلال بحجج "تحضيرية" أو قدرية ساخرة ("كل شيء مكتوب من الله" على لسان كافيار).

   *الأصوات الجزائرية (أبو ميار، حمة السنلاوي، دوجة): تكشف مقاومة يومية غير مُعلنة، من خلال تفاصيل الحياة البسيطة ورفض الخنوع.

مقارنة مع دستويفسكي:* يختلف عيساوي عن "البوليفونية" الدستويفسكية التي تتصادم فيها الأصوات داخل فضاء سردي واحد. هنا، العوالم منفصلة، كأنّها إشارة إلى استحالة الحوار في ظلّ الاستعمار.

*3. اللغة كسلاح:

- عربية فصيحة بمذاق تراثي: تبرز براعة عيساوي في صياغة لغة روائية تجمع بين البلاغة الكلاسيكية وحواراتٍ تعكس اللهجة الجزائرية دون إسفاف، ما يُعيد الاعتبار للغة العربية كوعاء للرواية التاريخية، في مواجهة خطاب استعماري حاول طمس الهوية اللغوية.

*توثيق تاريخي عبر المتخيّل:الرواية تُعيد كتابة الأرشيف بطريقة إبداعية، مثل إحياء شخصية "حمة السنلاوي" (الانسان البسيط) كرمز للمقاومة الشعبية غير المُؤَرْوَنة، مقابل خطاب السلطة الرسمي.

* ما وراء السرد: أسئلة الهوية والذاكرة

- تفكيك الأسطورة الاستعمارية: الرواية تُهشّم السردية الفرنسية التي تَصوّر الاحتلال كمهمة "تحضيرية"، عبر كشف تناقضات الشخصيات الفرنسية نفسها (مثل ديبون الذي يُدين الاحتلال رغم مشاركته فيه).

- الذاكرة كفعل مقاومة: اختيار عيساوي لشخصيات مغمورة (مثل الجزار أو الفتاة الهاربة) يؤكّد أن التاريخ يُصنع من القاع، لا من سرديات الأبطال الرسميين.

* حدود الرواية:

- تعقيد البنية السردية: تعدد الأصوات والانزياحات الزمنية قد يُثقل على القارئ غير المُتخصص، خاصة مع غياب حبكة مركزية تجمع الشخوص.

*انزياحات تاريخية:بعض المؤرخين يشككون في دقة التفاصيل (مثل حادثة "تبييض السكر" التي قد تكون استعارة رمزية أكثر من كونها حدثاً موثّقاً).

"الديوان الإسبرطي" ليست رواية تاريخية تقليدية، بل هي مشروعٌ لاستعادة الذاكرة المُغيّبة عبر أدوات فنية معقّدة. عيساوي يصنع من الرواية فضاءً لمواجهة سرديتين: الاستعمار الفرنسي المُزيّف، والخطاب الوطني المُبتَسَر. الجائزة العالمية الرواية العربية البوكر لعام 2020 التي نالها العمل تؤكّد أن الأدب الجزائري قادرٌ على مخاطبة العالم بلغته الخاصة، دون تنازلات.

السياق التاريخي والبناء السردي* 

تتناول رواية "الديوان الإسيرطي" للجزائري عبد الوهاب عيساوي لحظة تاريخية حرجة سبقت الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830)، مُستحضرةً صراع ثلاثة أطراف: العثمانيون، الفرنسيون، والجزائريون. يعتمد الكاتب سرداً متناوباً بين خمس شخصيات، متجنباً البطل الواحد أو الراوي العليم، وهو خيار يُعقد النص لكنه يعكس تعقيد الواقع التاريخي نفسه. فغياب الراوي العليم هنا ليس ضعفاً، بل محاولة لإبراز تعدد الروايات وتناقضاتها في فترة لم تكن فيها الحقيقة مُطلقة، بل نتاج صراع المصالح والرؤى، سبب آخر لغياب الراوي العليم في مثل هذه الروايات التاريخية المعقدة التي تتناول مرحلة زمنية لم يكن فيها الروائي قد خلق! وهذا يفسر محدودية الاحداث التاريخية الكبرى الى ثلاثة احداث (تداعيات ما جرى قبل الحملة الفرنسية- ابحار لاسطول الفرنسي نحن الجزائر- معاهدة الاستسلام وتسليم الجزائر الى الفرنسيين!).

تعدد الأصوات: آليّة لفك تشابك التاريخ* 

ديبون: الصوت النقدي الغربي*1- 

   الصحفي الفرنسي "ديبون" يمثل الضمير النقدي للاستعمار، حيث تتحول تقاريره من وصف الحملة إلى فضح عنفها. سرده مليء بالوصف التفصيلي الذي يبدو للوهلة الأولى "زوائد سردية"، لكنه في الحقيقة يُشكل تمهيداً لوعي متدرج بالظلم،وكتاباته واقواله ليست (أوهام) كم يطلق عليها كافيار ! بل فيها عمق وهو الوحيد بين شخصيات الرواية الاكثر ثقافة ، كما في قوله: " أنني الآن مدرك أن هذه الاوهام كانت في يوما ما حقيقة..الوعي بالحقيقة أحياناً أو ربما دائما  يكون مثل سوط بمقدورك تجنبه"ص23. حواراته الساخرة مع "كافيار" تكشف التناقض بين المثالية والواقعية الاستعمارية.

2-كافيار: صوت الكراهية والانتقام* 

   نائب الحملة الفرنسية "كافيار"من عشاق نابليون ووزيره ، يجسد العنف الاستعماري المبنِي على كراهية مزدوجة: للأتراك (بعد تعذيبه في أسرهم) وللجزائريين (الذين يراهم خونةً مخبثاء).السرد كان على شكل رسائل الى ديبون وهو يطلق عليها (خواطر) لأنه لا يرسلها الى ديبون "من سيرة نابليون تتعلم أشياء كثيرة، أهمها أن الملوك والقادة لا يمكنهم بناء حاجز بين حياتهم الخصة وبين اهدافهم السياسية أو العسكرية.. ومن يعرف نابليون ، لن يضيره البقاء وحيدا بعدها "ص37 ، خطاباته العنصرية تستهدقف الاتراك والجزائريون  " الأتراك طماعون ودشعون، يحبون المال والسلطان أكثر من أي شيء حتى من أولادهم، أما الجزائريون فمزيج غريب من حضارات متعددة ،وعليك الحذر فقد تقفز إليك صفة لا تدري عن اي امة ورثوها، ربما بهذه الطريقة توصلوا إلى مسايرة الأتراك في جشعهم"ص33 .وهذه الخطابات العنصرية تُظهر كيف يُبرر الاستعمار جرائمه عبر تشويه "الآخر"، سواءً العثماني أو الجزائري.

3- الأصوات الجزائرية: بين الخضوع والمقاومة* 

   - أبو ميار: الموظف البيروقراطي الذي يعمل تحت السلطتين العثمانية ، يمثل الاستسلام للواقع وغياب المشروع الوطني الواضح،فهو لا يعترف بوجود حكم ذاتي للجزائر ويجد في الخلافة العثمانية هي الحل. 

   - *حمَّة السلاوي: الثائر الفردي لا تعرف له مركز طبقي واضح ولا مهنة !  الذي تحوّل عمله العشوائي (كقتل الخونة) إلى رمز لمقاومة مضطربة، تُجسد فشل التنظيم السياسي في مواجهة الاستعمار. 

   - *دوجة المرأة الضحية التي تتحول إلى رمز للاستغلال المزدوج (الاجتماعي والاستعماري). ارتباطها بالسلاوي عبر دمى العرائس يُلمح إلى هشاشة الأحلام في واقع مُحطَّم.

غياب البطل: هل هو فشل سردي أم رؤية واقعية؟* 

غياب البطل الواحد يُضعف التماسك الدرامي للرواية، لكنه يخدم فكرة أن الحقبة التاريخية نفسها كانت بلا أبطال واضحين. فالشخصيات الجزائرية مُشتتة بين خنوع أبو ميار وعنف السلاوي، مما يعكس حالة المجتمع المُنهك تحت حكم العثمانيين والاستعمار الفرنسي. حتى الفرنسيون ليسوا كتلة واحدة، فـ"ديبون" و"كافيار" يمثلان ثنائية الضمير والقسوة في المشروع الاستعماري.

السرد الدائري وانزياح الزمن* 

الرواية لا تتبع خطاً زمنياً مُستقيماً، بل تتنقل بين الماضي (معارك نابليون، أسر كافيار) والحاضر (الحملة الفرنسية)، مما يُذكِّر بتقنيات ما بعد الحداثة في تشظي الزمن. هذا الانزياح يُحيل إلى أن التاريخ لا يُقرأ كسرد منتصر، بل كحلقات مكررة من الهيمنة والمقاومة.

اللغة بين الوصفية والسجالية* 

اعتمد عيساوي لغةً غنية بالاستعارات (البغاء الحقيقي هو ما يمارسه الحكام) والجمل القصيرة المُكثفة، خاصة في حوارات الشخصيات. لكن السرد أحياناً يُثقل القارئ بوصفية مفرطة، ربما كتعويض عن غياب الراوي العليم.

 رواية الوثيقة أم رواية الفن؟* 

"الديوان الإسبرطي  تقدم نفسها كوثيقة أدبية أكثر منها عملاً فنياً خالصاً. فالتزامها بتعدد الأصوات ودقّة التفاصيل التاريخية يخدم هدفاً توثيقياً، لكنه يُفقدها عمقاً نفسياً في شخصياتها. مع ذلك، تبقى الرواية مُهمة لفهم التشابكات التي مهدت لسقوط الجزائر، وكشفت أن الاستعمار ليس حدثاً مفاجئاً، بل نتيجة تراكمات من الضعف الداخلي والصراعات الخارجية.

المشـاهدات 28   تاريخ الإضافـة 11/03/2025   رقم المحتوى 60401
أضف تقييـم