الأربعاء 2025/3/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
تأثير فترة ما قبل الاسلام في الشعر الاسلامي
تأثير فترة ما قبل الاسلام في الشعر الاسلامي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

داود سلمان الشويلي

 

الشعراء المخضرمون:

   الشعراء المخضرمون ظاهرة لازمت الشعر العربي منذ ان صار هنالك عصر جاهلي، وعصر جديد اسلامي النزعة، والتفكير، فدفع بنقادنا القدماء تسمية الشعراء الذين يعيشون في هذين العصرين بالشعراء المخضرمين، ومنهم الشاعر حسان بن ثابت، والشاعر كعب بن زهير، اللذين عاشا العصرين الجاهلي، والاسلامي، على التوالي.

***

عن الخمر والجنس:

   الخمرة بمعنى ما يخمر العقل، أي يضع عليه خمارا يمنعه عن اللقاء بالآخرين، أي يمنعه عن العمل، والاشتغال، فيكون عندذاك عقلا لا فائدة منه. وكانت الخمرة مستخدمة منذ عصور سحيقة من قبل الناس حتى حرّمت عليهم لما تفعله بهم من مساويء، وأخطار جسيمة، فمنعت أخلاقيا، وعندما جاءت الأديان جاء معها تحريم الخمرة، حتى وصل الأمر بالدين الاسلامي الى تحريمها تدريجيا، وانتهى بها الأمر، كما تقول المصادر الدينية، الى أن تحرم نهائيا في السنة الثالثة للهجرة في سورة  البقرة، الآية/219 التي تذكر: ((يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)) [البقرة:219] وهي سورة مدنية، حرمت لأن فيها إثم كبير.

   فيما الأمور الجنسية، مثل وصف أجساد النساء، كما وصفه النابغة الذبياني بقصيدته "المتجردة"، أو تبيان العلاقة بين الرجل، والمرأة، كما عند الشاعر امرؤ القيس،| وغير ذلك، هي من الأمور الممنوع الأقتراب منها اسلاميا بعد أن كانت غير سوية اخلاقيا في المجتمع العربي البدوي، والمديني.

***

  • الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري:

   شاعر عربى، وصحابى من الأنصار، ينتمى لقبيلة الخزرج من أهل المدينة، وكان شاعرًا يفد على ملوك آل غسان فى الشام قبل إسلامه. أسلم، وصار شاعرا للنبي، بعد الهجرة. توفى وقت خلافة على بن ابى طالب بين سنة 35 هـ و 40 هـ.

   عاش العصرين، (الفترتين)، الجاهلية، والاسلام، وحتما كان يشرب الخمرة حتى وقت تحريمها اسلاميا. قال قبل الاسلام في قصيدة مطلعها:

أَسَأَلتَ رَسمَ الدارِ أَم لَــــــــــــم تَسأَلِ

                   بَينَ الجَوابي فَالبُضَيعِ فَحَومَلِ

   حتى يصل الى قوله:

وَلَقَد شَرِبتُ الخَمرَ في حانوتِها

             صَهباءَ صافِيَةً كَطَعمِ الفُلفُلِ

يَسعى عَلَيَّ بِكَأسِها مُتَنَطِّفٌ

                 فَيَعُلُّني مِنها وَلَو لَم أَنهَلِ

إِنَّ الَّتي ناوَلتَني فَرَدَدتُها

                قُتِلَت قُتِلتَ فَهاتِها لَم تُقتَلِ

كِلتاهُما حَلَبُ العَصيرِ فَعاطِني

                بِزُجاجَةٍ أَرخاهُما لِلمَفصِلِ

بِزُجاجَةٍ رَقَصَت بِما في قَعرِها

         رَقَصَ القَلوصِ بِراكِبٍ مُستَعجِلِ

   وعندما جاء العصر الاسلامي، وأصبح شاعرا للنبي راح يمدحه، فقال:

عَفَت  ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ       إِلى عَذراءَ مَنزِلُها خَلاءُ

دِيارٌ مـِن بَني الحَسحاسِ قَفرٌ    تُعَفّيها الرَوامِسُ وَالسَماءُ

وَكانَت لا يَزالُ بِـــــها أَنيسٌ       خِلالَ مُروجَها نَعَمٌ وَشاءُ

فَدَع هَذا وَلَكِن مـــــَن لَطيفٍ      يُؤَرِّقُني إِذا ذَهَـبَ العِشاءُ

لِشَعثاءَ الَّتــي قَـــــــــد تَيَّمَتهُ   فَلَيسَ لِقَلبِهِ مِــــــنها شِفاءُ

كَـأَنَّ خَبيأَةٍ مـــــِن بَيتِ رَأسٍ     يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وَماءُ

عَلى أَنيابِها أَو طَعمُ غَــــصٍّ     مــِنَ التُفّاحِ هَصَّرَهُ اِجتِناءُ

إِذا ما الأَشرِباتُ ذُكِرنَ يَوماً      فَهُنَّ لِطَيِّبِ الـــراحِ الفِداءُ

نُوَلّيها المَلامَةَ إِن أَلَمـــــــــا   إِذا ما كانَ مَغثٌ أَو لِحــاءُ

وَنَشرَبُها فَتَترُكُنا مُلوكـــــــاً   وَأُسداً ما يُنَهنِهُنا اللِقــــاءُ

عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوهـــــا   تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَـــداءُ

يُباريـــــنَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ     عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ

تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّــــــــراتٍ     تُلَطِّمُهُنَّ بِالـــــخُمُرِ النِساءُ

فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنــا   وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ

   القصيدة طويلة إلا أن ما استوقفني منها هذه الأبيات التي يقول فيها:

فَدَع هَذا وَلَكِن مـــــَن لَطيفٍ   يُؤَرِّقُني إِذا ذَهَــبَ العِشاءُ

لِشَعثاءَ الَّتــي قَـــــــــد تَيَّمَتهُ   فَلَيسَ لِقَلبِهِ مِـــنها شِفاءُ

كَـأَنَّ خَبيأَةٍ مـــــِن بَيتِ رَأسٍ  يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وَمـاءُ

عَلى أَنيابِها أَو طَعمُ غَــــصٍّ   مــِنَ التُفّاحِ هَصَّرَهُ اِجتِناءُ

إِذا ما الأَشرِباتُ ذُكِرنَ يَوماً    فَهُنَّ لِطَيِّبِ الـــراحِ الفِداءُ

نُوَلّيها المَلامَةَ إِن أَلَمـــــــــا    إِذا ما كانَ مَغثٌ أَو لِحــاءُ

وَنَشرَبُها فَتَترُكُنا مُلوكـــــــاً   وَأُسداً ما يُنَهنِهُنا اللِقـــــاءُ

   وهذا البيت ليس ببعيد عن المعنى الذي صاغه الشاعر الجاهلي المنخل اليشكري في أبياته هذه:

فـإذا انـتـشـيـت فـإنـنـي   ربُّ الـخـورنـق والــسـديِـرِ

وإذا صـحـوتُ فــإنـنـي   ربُّ الـشُـويـهـة والـبعــــيـر

   حتما ان الشاعر كان يعي جيدا ما يقول، وما يقصد، فهل كان العرب وقتذاك ممن يدركون ان الشعر هو خيال في خيال، ولا يعتد به، ان قال ذلك عن الخمر في قصيدة مدح للنبي، والخمرة قد حرمت، أم لم يقل.

   يُحكى أنّ الشاعر علي بن الجهم، وقد أتى من البادية، أشعث أغبر، لا يعرف عن المدينة شيئًا، دخل على الخليفة المتوكّل، فأنشد مادحًا:

أنت كالكلب في حفاظك للودّ    وكالتّيس في قِراع الخطوبِ!

أنت كالدّلو لا عدمناك دلـــوًا    من كبار الدِّلا عظيم الذَّنوبِ!

   تكلم مثل ما يتكلم في ثقافته البدوية، وعلى سليقته بلا حرج، ولا خوف، و لا حياء.

***

  • الشاعر كعب بن زهير:

   كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ بْنْ أَبِي سُلْمَى اَلْمَزْنِي اَلْمُضَرِيَّ (؟؟؟- 26 هـ = 646م). شاعر مخضرم أدرك عصرين مختلفين هما عصر الجاهلية، وعصر صدر الإسلام. كان ممن اشتهر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا النبي محمد، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر دمه النبي فجاءه كعب مستأمناً، وقد أسلم، وأنشده لاميته التي أشتهر بها، فخلع عليه بردته.

   قال الشاعر كعب بن زهير من بعد حسان، قصيدة "البردة" التي يمدح النبي فيها عند قدومه ليسلم بين يديه. قال مادحا:

بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبـــــــولُ   مُتَيَّمٌ إثْــــــــــــرَها لم يُفْدَ مَكْـأبولُ

وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلــــــوا   إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مـكْحُولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِــــــــــــرَةً   لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طـــــولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت  كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلــــــــــــــولُ

شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن مـــــــاءِ مَحنِيَةٍ  صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ

تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَـــــهُ  مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليــــــلُ

يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَـــــــــت   ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبــولُ

لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِـــــــــــها   فَجعٌ وَوَلــــــــــعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديــلُ

   في مستهل القصيدة وصف الشاعر سعاد وصف يشم منه رائحة الجنس في حضرة نبي الاسلام، وكان من المفترض الابتعاد عن ذلك بعد مجيء الاسلام، ومدح نبيه إلا ان الانسان على ما جبل عليه، ولم يكن قد مرّ على ظهور الاسلام قرن من الزمن لو أخذنا بالنظرية التي تقول ان اللغة تتجدد كل مئة عام، وقسنا ثقافة المجتمع كما اللغة بعد مئة عام.

***

   كان الشاعر حسان بن ثابت، والشاعر كعب بن زهير، قد تكلما بما تنضح به قريحتهما، وما جبلا عليه في الفترة السابقة للاسلام، لهذا يمكن وصف فترة صدر الاسلام هي فترة وسط بين ما هو ممنوع اسلاميا، وبين ما هو مسموح جاهليا؟ وحتما كان النبي قد تشبّع بمثل هذا الشعر طيلة أربعين عاما من عمره.

   قال القرأن، وهو يصف الشعراء، وخيالهم الخصب، مما يدعي عدم فعل ما يقولون:

   ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)).[الشعراء:224-226].

   هكذا كان تأثير عصر في عصر جاء بعده مباشرة.

**

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 11/03/2025   رقم المحتوى 60402
أضف تقييـم