الإثنين 2025/3/31 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 17.95 مئويـة
نيوز بار
اسفار الوجد احتمالات اللانهاية والغوص في قاع السؤال
اسفار الوجد احتمالات اللانهاية والغوص في قاع السؤال
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

باسم قاسم

 

اسفار الوجد للشاعر غسان حسن والصادر عن اتحاد الادباء والكتاب هو مضامين ذات ارتكاز ذهني لمخاطبة ذلك التشظي الذي يعيشه الانسان عبر دواليب الحياة المقفلة

تلك الدواليب استطاع الشاعر توضيفها عبر نصوص استدركت المعنى ومنحته للنص ليتذوقه المتلقي

أسفار الوجد ليس مجرد كتاب، بل هو سفر في مدارات الفكر الإنساني، تيه في مجاهل الروح، وشرود بين الاحتمالات اللانهائية التي يصنعها الوعي وهو يصطدم بجدران الحقيقة الهشة. إنه كتاب يكتب القارئ كما يقرؤه، نص متشظٍ بين الفلسفة والرمزية، بين العبثية والتأمل، حيث تصبح الأسئلة أعمق من الإجابات، والمعاني تنبثق من رحم التيه. في هذه الصفحات، لا يسرد الكاتب حكاية، بل ينسج متاهة، يترك فيها القارئ ليتوه عن نفسه قبل أن يجدها في مرايا اللغة. 

العبث هنا ليس طرحًا سطحيًا عن اللاجدوى، بل هو الغوص في قاع السؤال ذاته، حيث لا يبحث الكاتب عن إجابة، لأنه يدرك أن البحث عن المعنى هو بحد ذاته لعبة عبثية، إذ أن الحقيقة  إن وُجدت  لن تكون سوى انعكاس لما نريد أن نراه. لا شيء في هذا النص يقود إلى نقطة واضحة، كل فكرة تحمل نقيضها، وكل تساؤل هو باب يُفضي إلى باب آخر، وكأن القارئ يسير في متاهة فكرية، حيث الأبواب لا تؤدي إلى الخروج، بل إلى مزيد من التيه. المتاهة هنا ليست تشكيلاً هندسيًا، بل هي بنية عقلية، يتكرر فيها الطريق دون أن يبلغ غايته، لأن الغاية نفسها تتلاشى كلما اقتربنا منها. 

ورغم أن النص يمضي في دروب العبث، إلا أنه لا يغفل عن لحظات التأمل العميق، ذلك التأمل الذي لا يعكس التصالح مع الكون، بل الذوبان فيه. الكاتب لا يطرح الطبيعة كملاذ أو كعزاء، بل كامتداد للعدم. الريح ليست مجرد حركة في الفراغ، بل صدى لأرواح تائهة، والجبال ليست حجارة صماء، بل ذاكرة غارقة في أسرار الأزمان. هنا، لا ينصهر الإنسان في الوجود ليجد السلام، بل ليكتشف أنه جزء من خواء أكبر، ظل عابر في صحراء لا تعرف للحدود معنى. المطلق في أسفار الوجد ليس فضاءً يتسع لكل شيء، بل فراغ يمتص كل يقين، حيث يصبح الإنسان نغمة خافتة في سيمفونية العدم. 

أما الزمن، فهو لا يمضي للأمام، بل يلتف على نفسه كأفعى تلتهم ذيلها. اللحظات تتكرر، والأفكار تعود إلى نقطة انطلاقها، وكأن الحياة دائرة محكمة لا مهرب منها. لا توجد بداية واضحة، ولا نهاية مرتقبة، بل زمن يلتف حول القارئ، يسحبه في دوامة لا تفضي إلا إلى مزيد من الضياع. الكاتب لا يعرض الزمن كتعاقب للحظات، بل كجرح غائر، كلما التأم عاد لينفتح من جديد. 

وفي هذا التيه الممتد، يعزف النص على وتر دقيق بين الأمل واليأس. الأمل هنا ليس نورًا مشرقًا، بل خيط دخان يتلوى في الهواء، يتبدد في اللحظة ذاتها التي نحاول الإمساك به. إنه يأس يتنكر بثوب الرجاء، ووعد يذوب قبل أن يتحقق. لا توجد فواصل حادة بين الأمل والخيبة، بل حالة رمادية، حيث الرجاء مجرد انعكاس مشوه لليأس، وحيث كل بريق لا يعني سوى أن الظلام يختبئ خلفه. 

أما اللغة في أسفار الوجد ، فهي ليست وسيلة، بل غاية بحد ذاتها. الكلمات لا تسير بخط مستقيم، بل تلتف، تراوغ، تترك القارئ غارقًا في المعاني المتداخلة، وكأنها ترفض أن تكون مجرد ناقل للأفكار. اللغة هنا كائن حي، يتنفس، يهرب، ويشتبك مع القارئ في صراع لا نهاية له. لا تقدم الحقيقة على طبق من فضة، بل تفتح أبوابًا للمعاني كلما أغلقنا بابًا، لتصبح القراءة فعلًا وجوديًا، رحلة بين الكلمات، حيث كل معنى هو احتمال، وكل نص هو مرآة تنكسر بمجرد أن نحاول الإمساك بانعكاسها. 

في النهاية، أسفار الوجد  ليس كتابًا يمكن تلخيصه، بل هو تجربة فكرية، حالة شعورية، ومواجهة مع أسئلة لا تبحث عن جواب. إنه كتاب لا يُقرأ، بل يُعاش، نص لا يكتفي بأن يقود قارئه في رحلة بين السطور، بل يسحبه إلى قلب المتاهة، ليكتشف أن الخروج منها ليس هدفًا، بل جزءًا من اللعبة. هو ظل يتمدد في الذاكرة، ريح لا تهدأ، وصحراء لا تعرف معنى النهاية.

المشـاهدات 44   تاريخ الإضافـة 25/03/2025   رقم المحتوى 60964
أضف تقييـم