الإثنين 2025/4/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 29.95 مئويـة
نيوز بار
**التحليل الأدبي لرحلة "السخط" في كتاب "رمية النرد الأخيرة" لمحمد سعدون السباهي"
**التحليل الأدبي لرحلة "السخط" في كتاب "رمية النرد الأخيرة" لمحمد سعدون السباهي"
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حمدي العطار

*السياق العام والموضوعات الرئيسية

يُعد كتاب "رمية النرد الأخيرة" للروائي والقاص والرحالة العراقي،" محمد سعدون السباهي" رحلةً أدبيةً تسجل سخط الكاتب وغضبه من الواقع العربي، عبر زيارته لثلاث مدن: عمّان ودمشق والقاهرة. لا يتبع الكتاب النمط التقليدي لأدب الرحلات الذي يركز على الجمال الثقافي أو الحوار الحضاري، بل ينغمس في نقد لاذع للمجتمعات العربية، معبراً عن إحباط الكاتب من الفساد والبيروقراطية والانحدار الاجتماعي.  *السخط كفلسفة أدبية 

- الغضب كرد فعل وجودي: يربط السباهي بين السخط والرفض الوجودي لواقع مُزرٍ، حيث يرى أن الكتابة أداة لمحاربة "العبودية التاريخية" للمجتمعات العربية. يشير النص إلى أن غضبه ليس شخصياً فحسب، بل هو تعبير عن أزمة جماعية تُحيط بالعراقي والعربي الذي يعاني من الحروب والاضطهاد والهجرة القسرية. 

- النقد كواجب أخلاقي: يرفض الكاتب التزيين أو المجاملة، معتبراً أن الصدق في تصوير السلبيات (مثل الفساد في الحدود السورية أو الفوضى في القاهرة) هو "شرف إنساني" للكاتب الحر. هنا، يتحول السخط إلى فعل مقاومة ضد الصمت والتطبيل. 

*الكوميديا السوداء كأسلوب سردي 

يعتمد السباهي على السخرية المُرّة لتفكيك التناقضات: 

- التهكم من الواقع: مثل وصف عمّان كـ"بناية من ثلاث طوابق" ترمز للطبقية الاجتماعية، أو سرد حكاية كنيسة المعلولة الأسطورية التي تُختزل في خرافةٍ تُخفي تاريخاً دموياً. 

- *المفارقة بين الحلم والواقع: يسخر الكاتب من أوهام "مصر أم الدنيا" عندما يصطدم بعشوائياتها وانهياراتها، أو من لاجئي المفوضية الذين يحملون وجوهاً "كوجوه عمال الأفران" رغم تنقلهم بين عواصم العالم. 

*تحليل المدن الثلاث: رمزية السخط المتعدد

1. عمّان: 

   - تُصوَّر كفضاء للاجئين العراقيين المهمشين، حيث تتحول المدينة إلى مرآة لـ"خيبة أمل" الكاتب. يشير التفاوت الطبقي (الطوابق الثلاثة) إلى انقسام المجتمع بين النخبة واللاجئين والفقراء. 

   - النقد موجه أيضاً للتعامل الاستغلالي مع العراقيين (مثل سائقي التكسي) وغياب العدالة الاجتماعية. 

2. دمشق: 

   - تُمثّل استمراراً لمعاناة العراقي تحت حكم شمولي آخر (نظام البعث السوري)، مع تركيز على الفساد الحدودي وإخفاقات مفوضية اللاجئين. 

   - زيارة كنيسة المعلولة ترمز إلى سردية الخراب الديني والسياسي الذي يُطمس الحقائق تحت أساطير زائفة. 

3. القاهرة: 

   - تُقدَّم كفضاء للفوضى والانحطاط، من مطارها البيروقراطي إلى شوارعها المزدحمة. النقد هنا أكثر قسوة، ربما لأن مصر تُمثّل في المخيال العربي "أم الثقافة"، لكن الواقع يُظهر عكس ذلك. 

 *التقنيات الأسلوبية

- اللغة الحادة: استخدام مصطلحات مثل "القرف" و"الخرس" يعكس حدة المشاعر. 

- الحوار مع الذات: يُدخل الكاتب القارئ في حوار داخلي حول دور المثقف في مجتمعاتٍ لا تريد الاستيقاظ من "القيلولة الوردية". 

- المونتاج السردي: يخلط بين الوصف الجغرافي والحكايات اليومية الصغيرة (مثل مشاجرات الزعران في عمّان) لخلق بانوراما فوضوية. 

 

*النقد الذاتي وإشكالية الرؤية 

رغم قوة الرسالة، يُمكن تسجيل ملاحظتين: 

1. الانحياز السلبي: التركيز على الجانب المظلم قد يُغفل تفاصيل إنسانية إيجابية، حتى لو كانت نادرة. هل يُمكن اختزال المدن كلها في الفساد؟ 

2. العمومية: أحياناً يقع الكاتب في فخ التعميم "مثل حديثه عن "الشعب المصري" أو "العراقيين") دون تفكيك السياقات التاريخية أو الاقتصادية الأعمق. 

*الخاتمة: الرمية الأخيرة بين اليأس والأمل 

الكتاب ليس مجرد سرد لرحلات، بل هو صرخة ضد الاستسلام. عنوان "رمية النرد الأخيرة" يُلمح إلى المقامرة بمصير الهجرة، لكنه أيضاً يعكس إصرار الكاتب على المحاولة رغم خيبات الأمل. ربما يكون السخط هنا محاولةً لإنقاذ الذات والوطن عبر كسر جدار الصمت. 

*تقييم النص: 

يُقدّم الكتاب رؤيةً جريئةً تخرق المحظورات الأدبية، لكنه يبقى مُرتهناً لذاتية الكاتب الغاضبة. رغم ذلك، تظل قيمته في كونه وثيقةً أدبيةً تعكس جرحاً عربياً عميقاً في حقبة ما بعد الغزو والانقسامات.

المشـاهدات 24   تاريخ الإضافـة 05/04/2025   رقم المحتوى 61212
أضف تقييـم