يوسف عبود جويعد

المجموعة القصصية "المصباح الأحمر" للقاص حميد الكناني، نكتشف خلالها، الملامح الواضحة لعملية فن صناعة القصة القصيرة، وما يقتضيه هذا الجنس من فنٍ لتكثيف صعب، واستحضار للأدوات الاساسية التي تستخدم في عملية البناء، حيث نجد أن تلك النصوص القصصية صيغت بأسلوب السرد الحكائي الذي يعتمد على الشيئيات والمرويات  والمرئيات، التي انضمت لمتن لتكون مكملة لسياقها الفني، لتتحد ككتلة متماسكة متجانسة تنساب بإيقاع سردي نحو دورة الاحداث، وبلغة سردية تهيمن على حواس القارئ، وتبعث فيه حس المتابعة، كونها خالية من أي حالة من تلك الحالات التي تجعله يشعر بالملل، لأن الاحداث التي تضمنتها تلك النصوص السردية، هي هموم يومية وسياسية واجتماعية واسرية، نابعة عن تجربة ذاتية، أو معايشة صادقة لواقع ما تضمنته تلك النصوص، حيث يطوف بنا القاص في كل اروقة الحياة بكل جوانبها، واهمها الجانب السياسي، والانسان المضطهد المقموع تحت ظل حكم قمعي تعسفي ، وخاصة فيما حدث لأبنائنا الاكراد الفيليين، وما لاقوه من جور وظلم وحياة قاسية صعبة، وكذلك تهجيرهم، وكذلك يقدم لنا القاص ألواناً مختلفة من القص.

في القصة القصيرة "المصباح الأحمر" التي حملت المجموعة عنوانها وهي مهداة إلى والده (محسن ناصر الكناني)، نتابع وبحس درامي مؤثر، واقع حياة ابناء الحي، تحت سطوة سلطة طاغية حيث يجتمع ابناء الحي لإيجاد حل لفتحة بموازاة النهر، تسببت بسقوط سيارة براكبيها الخمسة في النهر ليلاً (ص 9)، ليقترح انور بطل هذا النص، بضرورة نصب مصباح كهربائي أحمر يعلق قرب الفتحة سيكفل عدم تكرار حوادث السقوط. ونجد أن ما اختاره أنور للمصباح ذات اللون الاحمر، كان سبباً في اعتقاله وتعذيبه، لأن اللون الاحمر لدى السلطة، هو اشارة للقوى السياسية المعارضة للسلطة، وهكذا يعيش انور فترة من التعذيب، تسببت له بأضرار جسدية جعلته يسير بعكازة، وفي نهاية أحداث هذا النص:

"بعد سنة خرج من السجن يتوكأ على عصاً، وشاء القدر، أن يجد مدير الأمن يلعق بدمه قرب الفتحة خلال ثورة الجماهير وتحت الضوء الأحمر، سقاه ماء، فعاد أنور جميلاً مثل القمر" (ص 13)

وهكذا نجد أن عملية صناعة القصة لدى القاص حميد الكناني، شمولية وتستوعب كل التفاصيل المطلوبة للفن الحكائي، لتسير وفق تسلسلها المنطقي، التعريف، الحبكة، التأزم، الانفراج، ولنتفاجأ بنهاية صادمة ادهاشية.

أما القصة القصيرة "إنها شمس الأصيل" فإن أحداثها تدور حول علاقة عاطفية بين أحمد ابن الفلاح الشهيد و"شمس الاصيل" كما اطلق عليها أحمد وهي ابنة شيخ اقطاعي متسلط، وتنمو تلك العلاقة لتصل حد وصول أخبارها الى الشيخ الذي يلقي القبض عليه لمحاسبته، لكن أحمد يخبره أنه ابن شهيد، فيغير معاملته بالحسنى ويجعله يدرس ابنته، وبعد نهاية الاقطاع، يستطيع أن يظفر بحبيبته "شمس الاصيل".

وفي القصة القصيرة "نقطة مضيئة" نتابع تراكيب فنية متقنة، بين ادب المقاومة والسجون والعلاقة العاطفية، حيث نجد أن منعم الكاتب المعارض الذي اعتقل وتعذب يعيش بعزلة تامة وحده دون ان يزوره أحد بسبب خوف الناس من الاقتراب منه بسبب معارضته للسلطة واصابته بمرض معدٍ، الا أن هند تستطيع أن تخترق كل هذه الممنوعات وتدخل بيته دون خوف لتعد له الطعام وتعالجه من مرضه المعدي ليعود معافى، فتعتقلهما السلطة بتهمة اخرى، الا أن هند تستطيع اخراجه من هذا الموقف المحرج بإعلانها أنها زوجته، فينتصر الحب أخيراً.

وفي القصة القصيرة "من خطف نقودي بسبب الكورونا" وبالرغم من أن بطل هذا النص اصطدم ثلاثة مرات وتلامس معهم، ومن بينهم سيدة جميلة، الا أن الطاقة الايجابية ورغم أن داء كورونا منتشر قد انقذته  فالشعور بحب الناس والسعادة تمنع هذا المرض اللعين من التسلل، رغم خطف نقوده.

في أجواء ملبدة بالقلق والتوجس بالخوف، وفي يوم ممطر نتابع في القصة القصيرة "رجل لم يثنه الموت" حكاية المعلم المعارض للسلطة القمعية في يومه الاخير، حيث نكون مع تفاصيل حياته مع اسرته في هذا اليوم الممطر، واحساس الزوجة بأن خروجه هذا اليوم بدون عودة، وهي من النصوص السردية القصصية المميزة، في عملية بنائها وكثافة احداثها، وتمكن القاص من نقل اجواء القلق والخوف بكل صدق، حيث يعتقل المعلم المعارض:

"شمت فطومة رائحة جسد سلمان المهشم الأوصال حين وقّع أخوها على استلام جثمانه مقابل تعهّد بعدم إقامة مراسيم عزاء.. لكنه طمأن أخته معزياً

" إن سلمان رجلٌ لا يخاف، ولم يثنه الموت ابداً" (ص 47)

ضمت المجموعة القصصية "المصباح الأحمر" العديد من النصوص السردية القصصية التي تنوعت في موضاعاتها وثيماتها واحداثها، في عملية بناء قصصي متقن، تؤكد ان القاص حميد الكناني استطاع أن يعتلي صهوة الفن القصصي بكل تمكن، وان يقدم قصصاً ناضجة في تكوينها وتشكيلها ومحتواها ومضمونها وشكلها، التي تمكنه من أن يقف في مصاف كتاب القصة الذين ابدعوا في هذا الجانب .

من اصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2024