السبت 2025/5/10 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
نيوز بار
قصيدة “لستُ أنا .. ولستِ أنتِ” للأديب نجمان ياسين ومعاني ما بين السطور: قراءة نقدية
قصيدة “لستُ أنا .. ولستِ أنتِ” للأديب نجمان ياسين ومعاني ما بين السطور: قراءة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

 

د. انسام المعروف

 

في ظاهر النص، تتجلى أزمة وجودية يعبر عنها الشاعر من خلال صراع داخلي حاد بين الذات وما يحيط بها. يبدأ الشاعر بإعلان تحوله عن ذاته السابقة وعن الأماكن التي ألفها، مشيرًا إلى تغير جذري طرأ على كيانه الداخلي والخارجي. تتكرر عبارات مثل “لستُ أنا الذي عرفتُ، ولا أنتِ الديار التي عهدتُ”، ما يؤكد على فقدان الهوية والاغتراب عن الماضي. يظهر الشاعر كمن يعاني من تمزق داخلي حاد، حيث يفقد القدرة على التعبير (“ولساني بلبل أخرس!”)، ويشعر بالوهن والضياع (“جسدي جثة تمشي على قدمين، وقلبي مخلوعٌ”)، مما يعكس حالة إحباط شديد واغتراب عن الذات والعالم. يطلب العون الإلهي ليتجاوز هذا الانهيار الداخلي، ويطلب القوة لمواجهة واقع مليء بالمخاطر والضلالات. ووراء الكلمات، تحمل القصيدة بعدًا فلسفيًا وجوديًا عميقًا، يتمحور حول أزمة الهوية والصراع بين الذات والتحولات التي تفرضها الحياة والظروف المحيطة. يمثل النص تجربة الإنسان في مواجهة العبثية والتغيرات القسرية التي تفقده الثبات واليقين. فالشاعر هنا ليس مجرد فرد يعاني أزمة ذاتية، بل هو صوت يمثل الإنسان في مجتمعه، حيث ينعكس التغيير في صورة “المسوخ، الطحالب، والأشنات”، التي ترمز إلى الفساد والانحراف الذي يحاصر الروح الإنسانية.

يظهر النص كصرخة احتجاج ضد واقع خانق، حيث يفقد الإنسان ذاته ويتحول إلى مجرد كائن مرعوب، مسلوب الإرادة (“رأسي منهوبٌ وكلماتي مسروقة مني، ودمي فزعٌ!”). لكن في المقابل، يظل هناك خيط من الأمل، حيث يناشد الشاعر الله أن يمنحه القوة والبأس، في محاولة لاستعادة المعنى في عالم يميل نحو العبثية والتلاشي.

تميزت لغة القصيدة بأسلوبها القوي والمشحون بالعاطفة، حيث يستخدم الشاعر مفردات تحمل ثقلًا دلاليًا قويًا، كـ “جثة تمشي”، “قلبي مخلوع”، “رأسي منهوب”، “كلماتي مسروقة”. هذه العبارات تعكس إحساسًا عميقًا بالتشظي والضياع، مما يجعل القارئ يشعر بثقل المأساة التي يعيشها الشاعر.

تتسم الجمل في النص بالقصر والسرعة، مما يعزز من إيقاعه المتوتر، كما في تكرار كلمة “الآن”. هذا التكرار يمنح النص طابعًا إيقاعيًا قويًا، حيث يعكس الشعور بالأزمة المستمرة، وكأن الشاعر محاصر في لحظة زمنية خانقة لا يستطيع الفكاك منها.

لقداستخدم الشاعر صورًا حية وقوية، مثل “لساني بلبل أخرس”, التي تجمع بين التضاد والسخرية، حيث يرمز البلبل عادة إلى التغريد والصوت الجميل، لكن هنا تحول إلى رمز للعجز والكبت.

        فالصورة “عينايَ حمامتان تائهتان” تحمل دلالة مزدوجة، فالحمام رمز للسلام والنقاء، لكنه هنا تائه، مما يعكس اضطراب الروح وفقدان الاتجاه.

والمشهد الختامي الذي يتحدث عن “المسوخ، الطحالب، والأشنات” يمثل استعارة للمجتمع الفاسد الذي يطغى على نقاء الإنسان، في إشارة إلى الصراع بين الخير والشر، النقاء والتشوه، الحب والكراهية.

لذا تعد هذه القصيدة صرخة وجودية تتحدث عن فقدان الذات في عالم متغير، حيث تتحول الحياة إلى ساحة من التهديدات والألغام التي تحتاج إلى القوة الإلهية لعبورها. عبر استخدامه للصور القوية واللغة المشحونة بالعاطفة، يعكس نجمان ياسين أزمة الإنسان في مواجهة التحولات التي تهدد هويته. القصيدة ليست مجرد انعكاس لحالة فردية، بل هي تصوير للحالة الإنسانية في عالم يميل إلى الفوضى والعبث، مما يجعلها نصًا مليئًا بالدلالات العميقة التي تدعو للتأمل.

المشـاهدات 111   تاريخ الإضافـة 08/04/2025   رقم المحتوى 61376
أضف تقييـم