الجمعة 2025/4/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
الإمام الصدر وسقوط الطاغية: شهادة الدم في مواجهة الاستبداد
الإمام الصدر وسقوط الطاغية: شهادة الدم في مواجهة الاستبداد
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

في مثل هذه الأيام التي تصادف سقوط نظام البعث البائد، لا يسع العراقيين إلا أن يستحضروا الألم المركب الذي نكأه هذا النظام في جسد الوطن، فجرّده من كرامته، وحقه في الحياة، وزرع الخوف في كل بيت، والخراب في كل زاوية، والموت في كل طريق. لقد كان سقوط نظام صدام المجرم في التاسع من نيسان 2003 حدثاً مفصلياً في تاريخ العراق، لا لأنه أسقط نظاماً سياسياً فحسب، بل لأنه فضح عمق الجراح التي تركها حكم الاستبداد والحديد والنار الذي حكم العراق لعقود.غير أن هذا السقوط لم يكن مجرد لحظة سياسية، بل كشف حساب تاريخي مع نظام دموي لم يعرف سوى لغة القتل والتجويع والإقصاء. نظام حوّل العراق الغني بثرواته، العظيم بتاريخه، إلى مقبرة جماعية للأحلام والكرامة، ومنصة حروب عبثية لا يُعرف لها مبرر سوى جنون العظمة الذي تلبّس شخص الطاغية صدام حسين.

 

دمٌ في الذاكرة

 

ولعل أبرز فصول الإجرام الذي مارسه نظام البعث، هو الجريمة التي ستبقى محفورة في الوجدان الإسلامي والعراقي: اغتيال آية الله العظمى، الإمام الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، مع شقيقته العالمة المجاهدة العلوية بنت الهدى، عام 1980. لقد كان استشهاد الإمام الصدر ليس فقط فقداً لمرجعية دينية وفكرية فذة، بل كان تمزيقاً متعمداً لعقل الأمة وضميرها الحي.الإمام الصدر لم يكن عالماً تقليدياً، بل كان مشروع نهضة كامل، مزج بين الأصالة والاجتهاد، والفكر الثوري، والفقه المتحرك، الذي يسعى لتحرير الإنسان من قيود الطغيان، سواء كانت سياسية أو فكرية أو اقتصادية. حمل همّ الأمة، وفَضَحَ النظام البعثي بلا مواربة، ووقف في وجه الظلم وهو يعلم تماماً أن الثمن سيكون حياته. لكن لم يتراجع، لأنه كان يعرف أن الدم الطاهر أبلغ من ألف خطاب، وأن الشهادة أصدق من كل بيان.لم يطلب الإمام الصدر منصباً، ولم يسعَ إلى سلطة، بل أراد للعراق أن يكون وطناً للكرامة والعدالة والحرية. ولذلك كان يجب أن يُقتل. فهكذا تفكر الأنظمة المستبدة: كل عقل حر هو خطر، وكل كلمة صدق هي مؤامرة، وكل فكرة تنوير هي خيانة.

 

سنوات الرعب

 

لعل من لم يعش تحت حكم صدام، لا يستطيع أن يتخيل حجم العنف الممنهج الذي عاشه العراقيون. كان النظام البعثي آلة قمع لا تتوقف:* أعدم الآلاف من المعارضين في السجون أو في حملات التصفية الجماعية.* خاض حروباً دموية، أكلت أجيالاً كاملة، من الحرب مع إيران إلى غزو الكويت، إلى الحصار الذي أفقر الشعب وقتل أطفاله.* نهب الثروات الوطنية لصالح مشاريع عسكرية عبثية، وبنى القصور، وترك المدارس تنهار، والمستشفيات تفرغ من الدواء.* قسّم الشعب على أسس طائفية وعرقية، واضطهد الأكراد، وأبادهم في الأنفال، وهجّر الشيعة، وقتلهم في الانتفاضات، وأذلّ حتى السنّة الذين لم يخضعوا له.* حول العراق إلى سجن كبير، حيث الخوف يسكن الوجوه، والصمت هو النجاة الوحيدة، والنفاق هو الوسيلة للبقاء على قيد الحياة.

 

الصدر شهيداً- صدام سقوطاً

 

ما بين استشهاد الإمام محمد باقر الصدر عام 1980 وسقوط النظام عام 2003، 23 عاماً من الترويع والقمع وسفك الدماء. لكن دم الصدر، الذي أراد صدام أن يطمره تحت سياط التعذيب والوحشية، كان له الصوت الأقوى في النهاية. لقد سقط صدام، وسقط حزبه، وتمزقت راياته، وبقي صوت الشهيد الصدر يهتف من قبره:“إنني أؤمن أن الإسلام، كفكر، قادر على قيادة البشرية نحو العدالة، وإن لم يكن اليوم، فغداً قريباً”.دم الشهيد لم يكن هزيمة، بل بذرة نهضة. واليوم، ونحن نستذكر تلك اللحظة المروعة من تاريخ العراق، لحظة استشهاد هذا المفكر الرباني، نُدرك كم كلفتنا الحرية. ندرك أن الأنظمة لا تسقط فقط بالجيوش، بل بالأفكار، والدماء الطاهرة، والمواقف التي تُضحّي بكل شيء من أجل أن يبقى الحق قائمًا.وفي ذكرى استشهاد الإمام محمد باقر الصدر، نقول:دمك لم يُهدر. كلماتك لم تمت. مشروعك لم يضِع. وسيبقى العراق، ما دام فيه أحرار، ينهلون من مدرستك، ويرفعون راية: “لن نُبايع الطغاة، حتى وإن قُطّعت أجسادنا بالسياط”.سلامٌ عليك أيها الإمام الشهيد، وعلى أختك العلوية الفاضلة، وعلى كل من رفض الظلم، ومشى في درب النور… حتى النهاية.

 

المشـاهدات 77   تاريخ الإضافـة 09/04/2025   رقم المحتوى 61439
أضف تقييـم