
![]() |
نص وقراءة دلالات الرمز في قصة (عودة الجد الكبير) |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
شاكر السامر
تبقى او تعود الفنطازينا الرمزية للقاص " المجر الكبير "في هذه القصة الوطنية الجميلة" عودة الجد الكبير" بمعانيها ورموزها ودلالالتها .. ان بيت الجد هو الوطن - العراق .. (وكان هذا البيت قبل ان يبنى من جديد هو بيت جدنا الكبير عبد الرحمن، الذي ظل يغطي اسم عائلتنا المشهورة بين الناس ) اجل هو يعني به العراق صاحب الحضارات الاولى والذي يعرف ببلاد مابين النهرين قديما . والابناء الذين ملأوا صالة البيت هم" ابناء الوطن -الشعب " الذين انحدروا من كل طبقات المجتمع ، (لقد عاشوا وكبروا دون ان يعرف أحدهم إنه إبن فلاح أو يعرف الآخر إنه إبن حمّال أو بائع خضار أو من بيت بدوي وآخر من بيت صياد أسماك أو عامل .. هكذا التئم شمل العائلة التي عاشت وراحت تتوالد وتكبر وتتوزع بين الاماكن الكثيرة التي جئتم وآباؤكم منها اليوم ..). كما اشار القاص الى وجه التشابه الذي يجمع الابناء / وكان يقصد به ( الانتماء او رابطة الوطن او الهوية العراقية التي تجمعهم . واما حبهم والتفافهم وتقبيلهم لجدهم فهو حبهم لوطنهم .اما"الاماكن " فهي مدن العراق وقراه . . والضيوف الذين قال القاص على لسان جدهم " عبد الرحمن " الغائب الحاضر هم اجيال المستقبل (وبدا في الصورة كما لو انه يستقبل ضيوفاً قادمين) .. لقد كان هذا البيت قبل ان يبنى من جديد هو بيت جدنا عبد الرحمن ) في هذه العبارة يختزل القاص تاريخ العراق او عمره منذ آلاف السنين الى يومنا هذا . فهو بعد تجديده يعني بعد تأسيسه الحديث في عام ١٩٢١ . ان كل عبارة او فقرة في هذه القصة بالنسبة لي استطيع ان أأوّلها الى ما ينطبق تماماً على واقعنا الحالي من جميع النواحي الاجتماعية والوطنية، لولا انها تأخذ مني وقتاً طويلاً ، ربما تفسد على القرّاء الاذكياء متعة التأويل والتفسير الذي لا يمكن ان يتوارى او يختفي امامي وخصوصا لما امتلكه من خبرة في النقد القصصي السليم وخصوصا " النقد النفسي " وهذا ليس اطراءً مني لذاتي وانما شهادة شفهية مباشرة من الناقد الكبير ( عباس عبد جاسم ) اعتز بها قالها لي منذ عام ١٩٧٨ . حيث قمت بتحليل ونقد ثلاث قصص في مقالة واحدة لثلاث قصاصين بعنوان ( الشخصية النضالية في القصة العراقية القصيرة ) احداها لنجمان ياسين والثانية لعلي خيون والثالثة لعباس عبد جاسم. وقد شجعني بعد انبهاره بالموضوع، وكنت في بداية مشواري الادبي، لارسالها بالبريد الى مجلة الجامعة في الموصل الذائعة الصيت في ذلك الوقت حيث الدكتور عمر الطالب، رئيس التحرير .. وفعلا تم نشرها في احد اعداد المجلة لذلك العام . علما انني لم ادرس النقد ومدارسه اكاديمياً ولستُ ناقداً . ولكن .. وما زلت .. لي رؤيتي وتحليلي الخاص . فتحية اكبار ومحبة واعتزاز على الانجازات القصصية المتتالية التي ابدع فيها القاص عبد الامير المجر كما يحلو له ان يسمي نفسه ، واصر على تسميته ب المجر الكبير . لعلو منزلته الادبية والشخصية والاخلاقية في نفسي . القصة عودةُ الجدِّ الكبيرِ عبد الأمير المجر امتلأت بنا الصالة الكبيرة لبيت عميد عائلتنا (رحيم) الذي فاجأتنا دعوته بغرابتها.. وعلى الرغم من عدم قناعة أغلبنا بما قاله، وجدْنا من التأدّب ألّا نُكذّبه أو نُشكّك في كلامه.. لقد أعادنا إلى زمن المعجزات الذي ولىّ.. كُنّا أكثر من مئة وخمسين من أرومة واحدة، وكان هذا البيت قبل أن يُبنى من جديد هو بيت جدّنا الكبير (عبد الرحمن)، الذي ظلّ يُغطّي اسم عائلتنا المشهورة بين الناس بـ(آل رحمن).. واليوم يجتمعون في العشّ الذي جمعهم قبل أن تتفرّق بهم سبل العيش، ولم يعد أغلبهم يعرف أخبار الآخر... حين اتّصل بي أبي عند الضحى وقال: أخبرْ أخوتك جميعا بأن جدّنا الكبير (عبد الرحمن) قد عاد الى الحياة، وهو ينتظرنا في صالة استقبال عميد العائلة (رحيم) التي كانت سابقا مضيف الجد، صعقتني الصدمة وكنت أعتقد أنّه يمزح، لكنّه أكد على ضرورة أن نكون هناك عند الساعة الرابعة عصر اليوم.. حين وصلنا أنا وأبي وأخوتي الثلاثة، وجدنا الصالة شبه مكتظة.. أخذ أبي يُعرّفنا بأعمامنا الكبار الذين راحوا بدورهم يعرّفوننا، نحن الشباب، على بعضنا البعض.. في البداية كان الحديث بيننا همسا، ومناخ التشكيك في رواية عودة الجد يُضفي على مجلسنا مسحة من سخرية مكبوتة غطّتها طقوس اللّقاء بالأعمام وأولادهم الذين نتعرّف إلى أغلبهم للمرة الأولى... جلسنا ننتظر إطلالة عميد العائلة أو كبير أرومتنا (رحيم) وهو يصحب جدّنا (عبد الرحمن) لنستقبله في الصالة أو في مضيفه الكبير الذي كان ذات يوم عامرا بنيران موقده المحيطة بدِلال القهوة ومن حوله يتوزّع السمّار وهم يتجاذبون أطراف الحديث.. طال انتظارنا لساعة وأكثر فتذمّر بعضنا وصرنا نهمس: أين هو جدّنا (عبد الرحمن)؟ أو: هل يعقل أنه عاد من الموت لكي يرى أحوالنا ويعود كما قال عميدنا وهو يبلغنا بفحوى اللقاء؟ تُرى ما الذي سيقوله لنا بعد أن تركنا قبل أكثر من قرن وغاص في عالم الموت حتى ابتعد كثيرا ولم نعد قادرين حتى على استحضار ملامحه؟! قارَب الليل أن ينتصف ونحن في الصالة الكبيرة ننتظر جدّنا الذي قيل لنا إنه يستعد للقائنا وعلينا أن نستعد للقائه بأحسن ما يكون، لكي يعود مسرورا.. كانت صورته الكبيرة المعلقة في أعلى الصالة مؤطَّرة بخشب الساج ومغطّاة بزجاج صقيل قديم ظلّ يعاند السنين، لكنها أيضا تعكس ضعف تقنيات التصوير في تلك السنين البعيدة.. الشيء اللّافت إن ملامح جدّنا الكبير (عبد الرحمن) تتوزّع وجوهنا بشكل مدهش.. حتى بدوْنا كأننا بلا أخوال أو لم تتسلّل لأحدنا طفرة وراثية تجعله يتميز كثيرا عن الآخر.. لقد كنا متشابهين ولعلّنا اكتشفنا ذلك في هذا اللقاء.. تجاوزنا منتصف الليل بكثير وأخذ منا الضجر والنعاس، ما جعل بعضنا ينام على كتف الآخر، فيما بقي آخرون يقاومون خشية الحرج الذي يتسبّب به منظرنا إذا ما دخل علينا الجد الكبير صحبة عميد عائلتنا.. لكنّ سلطان النوم تغلّب أخيرا على الجميع وغرقنا في صمت الليل، يحتضن بعضنا الآخر، ولأن رؤوسنا مسكونة بصورة الجد وانتظارنا الطويل له، هبط هو إلينا مثل صقر كبير بعد أن جعل من عباءته جناحين وحطّ وسطنا.. تحلّقنا حوله نتقافز مثل طيور صغيرة، نقبّل يديه ورجليه ونبكي بحرقة، فيما تنحّى عميدنا (رحيم) جانبا ووقف ينظر إلينا بصمت.. لقد كان جدّنا (عبد الرحمن) فخرنا الذي نباهي به الناس ونحن نتحدث عن نسبنا إليه بمناسبة أو من دونها.. مسح على رؤوسنا جميعا وقد سرّه كثيرا أننا كُلّنا نشبهه.. ثم أمرنا بأنْ نُبقي حبل الوصل بيننا ولا نقطعه، وكلام آخر كنا نشعر بعذوبته وهو يخرج من فمه، قبل أن تنزل الدموع من عينيه وتسقي لحيته التي أحاطت وجهه الحنطي الوسيم.. لقد بدا متردّدا بعض الشيء وهو يستعد ليخبرنا بسرٍّ سقط كالصاعقة وسط مجلسنا وجعل بعضنا يتلفّت مشدوها للبعض الآخر.. يا إلهي ما هذا الذي نسمعه؟ قال جدنا: لقد كنت عقيما يا أحفادي.. نعم، كنت عقيما.. لقد تزوجت بأكثر من امرأة ولكن بلا جدوى.. حتى عرفت أخيرا أنني عقيم.. وأردف: نعم هذه هي الحقيقة التي جئت لأخبركم بها وأعود.. مرّت سنوات على زواجي ولم أرَ طفلا يحبو في فناء داري، وعشبها راح يصفرّ، وصار القلق يأكل روحي، فأنا وريث اسم جدّكم الكبير الذي كان يملأ الدنيا.. ولم أجد سوى وسيلة وحيدة، تُبقي جذوة الحياة متّقدة في داري وتحفظ لي هيبتي أمام الناس، لقد تبنّيت أجدادكم أطفالا رضّعا، وترعرعوا بين ثنايا هذه الدار وكبروا أمام عينيّ وصرت أفخر بهم.. لقد عاشوا وكبروا دون أن يعرف أحدهم أنه ابن فلّاح أو يعرف الآخر أنه ابن حمّال أو بائع خضار أو من بيت بدوي وآخر من بيت صياد أسماك أو عامل.. هكذا التأم شمل العائلة التي عاشت وراحت تتوالد وتكبر وتتوزع بين الأماكن الكثيرة التي جئتم وآباؤكم منها اليوم... كان عليّ أن أخبركم بأن هذا بيتكم الذي جمعكم به مصيركم أو ما رسمته لكم الأقدار فيه.. هذا كل ما عندي.. والآن سأعود وأنا مرتاح الضمير بعد أن أخبرتكم بالحقيقة.. أشعر بالسعادة وأنا أراكم جميعا تملؤونه أمامي. حين انبلج الصباح صحونا من نومنا أو من حلمنا المشترك واحدا بعد الآخر، لكن من دون أن نكلّم بعضنا.. لقد كانت صورة جدّنا (عبد الرحمن) تعلو رؤوسنا، فوقفنا جميعا نتأمّلها بصمت وقد ترك السهاد أثره على وجوهنا، فيما كان هو ينظر إلى البعيد، وبدا في الصورة كما لو أنه يستقبل ضيوفا قادمين.. ثم اتّفقنا على أن نجعل هذا اليوم موعدا للقاء سنوي نحتفل فيه بجدّنا ونتبارى على مسح الغبار عن صورته التي تركناها شاخصة وسط صالة الاستقبال!
|
المشـاهدات 30 تاريخ الإضافـة 12/04/2025 رقم المحتوى 61503 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |