الإثنين 2025/4/21 توقيـت بغداد 05:57:05
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 17.95 مئويـة
نيوز بار
في الذكرى 34 لتغييب واستشهاد المفكر عزيز السيد جاسم (الدستور) تنشر التفاصيل الكاملة لكتاب علي (ع) سلطة الحق
في الذكرى 34 لتغييب واستشهاد المفكر عزيز السيد جاسم (الدستور) تنشر التفاصيل الكاملة لكتاب علي (ع) سلطة الحق
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

              

 

علي عزيز السيد جاسم

لن اتوسع في تفاصيل ظروف تأليف وطباعة كتاب الامام علي بن ابي طالب (ع) سلطة الحق ، ومن يريد ذلك بإمكانه العودة الى الجزء الاول من كتاب (رحلة الى البقاء) وفيه تفاصيل الاعتقال ومجريات التحقيق وما يجري في (الزنزانة) وكيف ان لون الحبر الذي يكتب به صدام يعرف من خلاله ما هو المطلوب (سجن ثلاثة او ستة اشهر او اعدام!)، وتفاصيل كثيرة كتبها الدكتور محسن جاسم الموسوي ، وساركز على ابرز المحطات التي رافقت محنة المفكر بسبب الكتاب ، فالكثير يعتقدون ان تأليف الكتاب هو سبب تغييب المؤلف ، لكنه ليس كذلك كون الكتاب طبع  عام 1988 واعتقل السيد جاسم مع شقيقه الموسوي في ذلك العام لكنه ـ اي الكتاب ـ شكل نقطة تحدٍ مكملة لما سبقه من كتاب (محمد الحقيقة العظمى) عام 1986 و كتاب (تأملات في الحضارة والاغتراب) الذي طبع في العام نفسه وفيه اشارات نقدية واضحة ضد شن الحروب وهدر دماء الشعوب وتوجيه ميزانيات الدولة المالية للترسانة العسكرية في ظل الحرمان والجوع والتخلف والبؤس الذي يعيشه الناس ، لاحظ ايها القارئ ان الكتب التي نتحدث عنها طبعت في عَقد الثمانينات والحرب على اشدها ضد ايران ، وبشكل صريح وخطير جدا وفي احد فصول كتابه عن الشريف الرضي (الاغتراب في حياة وشعر الشريف الرضي) 1987 عن دار الشؤون الثقافية وعن محنة الامام الحسين (ع) بشكل غير معهود اطلاقاً في تلك الحقبة كتب المفكر من الادانات لمعاوية بن ابي سفيان ما لا يقل اهمية نقدية (بنظر السلطة الحاكمة ورقيبها القمعي)عما كتبه في سلطة الحق ، وكان تأليف الكتابين متزامناً لكن كتاب الشريف الرضي طبع من دون ان تثار عليه الثائرة ، لنقرأ بعض ما جاء فيه : ((وكانت أحداث عاشوراء أكبر من خيانة (نبي) ، لأنها كانت محاولة لإمحاء ذرية النبي ، لكن الله أحبط مساعي الظالمين ، فجعل البلاء الذي مر بأهل البيت قوة للدين ، ونصرة لأفكار الشهداء الخالدين ، وإنما البلاء على قدر صدق الصادقين . وفي حديث نبوي : (اشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى المرء على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة إبتلي على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).ويضيف ((ومثلما توارثت سلالة الحسين العلم والمناقب الشريفة ، فانها توارثت الشعور المتجدد بقوة النكبة ، فافرد الشريف الرضي غرراً من القصائد في رثاء ابي عبد الله الحسين بن علي ومنها رثائية عاشوراء سنة (387 هـ)). كما كتب : ((فلم يروِ احد في جميع مراحل التاريخ ان بشراً يقتلون أهل بيت نبيهم وباسم خلافة الدين (!) إلا في مناسبة واحدة هي ملحمة عاشوراء)).ويتابع : ((قتل أهل بيت الرسول بأيدي أناس كانوا يدًّعون الاسلام ، وهذا ما أعطى للمأساة بعداً فجائعياً لم يتكرر في التاريخ)).ينظر (ص 13) وما بعدها في مقدمة الكتاب.

ومن المعروف ان النظام البائد كان لا يسمح بمثل هذه الكتابات بل من يجرؤ عليها يلاقي مصيره المحتوم لان يزيد بن معاوية بن ابي سفيان كانوا ممن يقال عنهم في ادبيات النظام (رض) ، فكيف لكاتب مثل عزيز السيد جاسم يكتب عن (محمد ، و علي ، والحسين ، والعباس)؟! ، ويكتب ضمناً عن الائمة وفاجعة الطف في كتاب الشريف الرضي الذي يحتوي على الكثير من النصوص ومنها عن الامام الكاظم وغيره من آل بيت رسول الله ، فهل ذلك أمر طائفي؟ ام حقائق تاريخية حاول النظام طمسها لكن السيد كتبها.ترى هل لم يكن يعلم ان النظام طائفي ، او على الاقل لايسمح بفتح هذه القصص الفجائعية ، اذن لماذا الاصرار عليها؟.

ان بعض اصحاب النظرة المحدودة وجه علناً ام سرا اتهامات لرموز عراقية كبيرة ، ظناُ منهم انها متواطئة مع النظام او تعمل ضمناً لصالحه ، مستندين بذلك على قوة طرح تلك الشخصيات (الرموز) وجرأتها في نقد الوضع القائم بشكل علني وهم تحت سطوة النظام ، أي داخل العراق ، منهم السيد الشهيد الصدر الثاني محمد محمد صادق الصدر والعلامة الدكتور علي الوردي والمفكر عزيز السيد جاسم رحمهم الله جميعاً ، وغيرهم من الاسماء المبرزة.وبدلا من ان تفتخر المجتمعات برموزها نجد غير ذلك من فهم قاصر ووعي مطمور.

 على كل حال نورد نصاً اخر قبل الانتقال الى سلطة الحق : ((ويمتد جذر العلاقة بين الزهد والبكاء في حياة الشريف الرضي الى آبائه الزهاد المعروفين بكثرة البكاء ، وبخاصة زين العابدين بن الحسين ، والباقر بن زين العابدين وسواهما. ولقد اورد لنا ابو نعيم نصاً بيّن فيه جوهَر زهد علي بن الحسين (زين العابدين) ، وذلك انه سُئِلَ (بكسر الهمزة) عن كثرة بكائه فقال : (لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطاً من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم انه مات. وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يقتلون في غزاة واحدة. أفترون حزنهم يذهب من قبلي؟!)).

ونص اخر (وكما في كل العصور فإن الشخص المتفوق ، المرهف ، المبدع ، يجد نفسه غريبا بين أوساط من الناس الذين تتجاذبهم الأطماع والأهواء ، الذين ينعقون مع كل ناعق ، ولا يعرفون للحق سبيلاً ، ويشهد التاريخ أن العوام الذين لم تشملهم الهداية وعوامل التغير الثقافي الإنساني ، هم الذين حاربوا وطاردوا الرسل والأنبياء والصالحين وذوي الكرامات والمتقدمين المبرزين على طريق الفلاح). و يستشهد بقول للرسول (أما بعد ألا ايها الناس فإنما انا بشر يوشك ان يأتي رسول ربي فأجيب ، وانا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله : فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به . ثم اهل بيتي ... أذكركم الله في اهل بيتي ... اذكركم الله في اهل بيتي .. اذكركم الله في اهل بيتي).كان النبي يقول : (استوصوا بأهل بيتي خيرا فاني أخاصمكم عنهم غداً ، ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار).

اوردت النصوص الآنفة من باب وحدة الموضوع (الديني ـ الاسلامي) على ان اتطرق لنصوص سياسية في كتب اخرى بموضع اخر ، وذلك لا يعني ان ازمة كتاب سلطة الحق مرت مرور الكرام من دون ان يُسَجَل موقفاً اخرَ على المفكر ، فتقرير اللجنة التي شكلها مدير المخابرات حينذاك فاضل البراك كاد يودي بحياة الشقيقين.

وسأذكر المفاصل الرئيسة على عجالة واضيف لها ما لم ينشر سابقاً ، فحين قدم السيد مخطوطة الكتاب الى وزارة الثقافة والاعلام لإجازته فأحالته الى وزارة الاوقاف كون علاقتها مع المفكر لم تكن جيدة كما اشرنا ، وكانت اوامر منع نشر مقالات المفكر في الصحف تتم بصورة رسمية وغير رسمية ، كان خبير الاوقاف الدكتور بشار عواد معروف (الذي اعترف مؤخرا في لقاء تلفزيوني مع د.حميد عبد الله بانه كتب تقريراً من اربعين صفحة ضد كتاب سلطة الحق واتهم مؤلفه بانه يتماشى مع الطروحات الخمينية ـ العراق في حرب ضد ايران) ، فكتب السيد مقالة في جريدة (العراق) ، في شباط 1988 يسخر فيها من الرقابة على المؤلفات وحقوق المؤلف ، لقد كانت علاقة السيد بالسلطة غير جيدة (محال الى التقاعد منذ عام 1978) ، وقائمة على اشكالية المثقف مع السلطة السياسية ، وكانت المناورة على قدم وساق ، فالسيد لا يريد ان يمنح السلطة فرصة الانقضاض عليه وتصفيته من جانب ، ويريد الاصلاح والتأثير على السلطة لتقويمها من جانب آخر.

 واضيف لها ضغينة البراك وهو مدير المخابرات  المقرب لصدام في حينها ، ومدير الامن السابق ، والشيء بالشيء يذكر ، ففي آيار 2020 سجل الاعلامي الدكتور حميد عبد الله في برنامجه (تلك الايام) على منصته الشهيرة في موقع يوتيوب نحو اربع حلقات عن البراك ، ويروي حادثة تعكس مدى تأصل العقلية البدائية لديه ، بالرغم من علميته ـ أي البراك ـ ومختصرها انه اعجب بسيدة موظفة ودرجتها مدير عام وسألها عن زوجها فقالت له انه مسافر منذ اكثر من سنة (يعمل في احدى الملحقيات او السفارات العراقية) فقام البراك بالإرسال الى القاضي المعروف (م) وطلب منه ان يطلق السيدة من زوجها غيابيا وان يزوجها له! وبعد ستة اشهر طلب القاضي نفسه مرةً ثانية ليطلقها منه ويعيدها الى زوجها السابق!.(على حد رواية د.حميد). بهذه العقلية كان مدير المخابرات العامة ، وعليه يمكن التكهن بما يمكن القيام به تجاه كاتب ومفكر ، وشقيقه.ويمكن تصور محنة الفكر في ظل عهد حكم الجهلة الذين لا يقدرون اهمية المفكر واحترام آرائه وحريته.

كان صاحب (دار الاداب) البيروتية الدكتور سهيل ادريس رحمه الله وهو من اصدقاء السيد في زيارة الى بغداد وقام الدكتور الموسوي بتكليف من المفكر بإعطائه نسخة من مخطوطة كتاب سلطة الحق ، وبعد ايام طبع الكتاب في بيروت ، وتابعه البراك ، وما ان وصلت نحو خمسة نسخ الى المؤلف بشكل سري بيد الاديب اللبناني جهاد فاضل حتى دهمت قوة من الامن العام منزله بعد منتصف الليل ، بمعنى ان السلطات الامنية كانت منشغلة بالكتاب ومؤلفه عام 1988 ، رغم الظروف التي يمر بها البلد ورغم ان الكتاب طبع خارج العراق.

ويقول المحامي محمد السيد جاسم شقيق المفكر ، كنت في المنزل ، وكنت نائماً عندما باغتتنا قوة امنية ، وإذ انسى ، فلا انسى نظرة العتب والغضب التي نظر بها السيد لي ، فلم يسعفه الوقت على سحب سلاحه الشخصي ، كان عازماً على المقاومة.

اقتيد السيد الى مبنى الامن العامة بشارع النضال مقابل القصر الابيض ، وفي الوقت نفسه من الليلة ذاتها كانت قوة اخرى قد اقتادت الدكتور الموسوي ايضا ، كان تقرير خبراء فاضل البراك ، وهم د . بشار عواد معروف ، ود. رشدي عليان ود. عرفان عبد الحميد ، سيئا ، وطائفياً ، كما كان تقرير المخابرات قد وصل الى صدام ، ومفاده ان الكتاب يضر بالأمن القومي ، ويؤجج الطائفية وينسف خلافة الخلفاء الراشدين ، وغيرها من الامور التي تم سوقها بما يكفي لإصدار امر الاعدام ، لكن صدام تريث لسبب او لآخر ، كما كانت التقارير تصله من سبعاوي ابراهيم الحسن وبرزان التكريتي ضد البراك ، لخلافات شخصية فيما بينهم ، هدفها التفرد بالتقرب اليه ـ اي الى صدام ـ ، فجاءت الاوامر بان يتم شراء جميع النسخ التي طبعتها (دار الاداب) ، ويقول مدير الدار الوطنية الراحل صباح سلمان رحمه الله في شهادة كتبها وقرأها في اول استذكار عن السيد أقمناه عام 2004 في مبنى كلية الاعلام بجامعة بغداد وكانت العميدة د. حميدة سميسم ، وتبنته جريدة (الزمان)  التي كنت اعمل فيها ، يقول : كلفني وزير الثقافة والاعلام ـ لطيف نصيف جاسم ـ  باستدعاء مدير دار الآداب البيروتية  سهيل ادريس الى بغداد وعرض شراء جميع نسخ كتاب سلطة الحق واخذ تعهد خطي منه بعدم طباعته مرة ثانية ، وبالفعل قمت بذلك وجاء الراحل سهيل ادريس على وجه السرعة والتقى به الوزير بحضوري وقد اعرب الاخير عن امتعاضه من طباعة الكتاب وتم الاتفاق على تحويل مبلغ الكتب بالعملة الصعبة رغم ظروف الحرب وصعوبة التحويل الا ان الوزير استحصل الموافقات على ذلك ، كما يروي الراحل صباح سلمان احداثاً اخرى عن محنة السيد ومواقف حصلت مع صدام عام 1976 سآتي إلى ذكرها في محلها.

 جاءت اوامر القصر ، بتأليف كتب عن الخلفاء الثلاثة ابو بكر وعمر وعثمان ، وطباعة نسخة مغايرة لكتاب سلطة الحق (مزورة) وكتاب خامس عن صدام ، هذا هو شرط الافراج عن الشقيقين ، واما ينتهيان الى ما هو معروف ، وما ان وصلت الاوامر حتى اقدم المفكر عزيز السيد جاسم على محاولة الانتحار!.

كانت الحبوب التي يحتويها الجيب الداخلي للسترة التي يرتديها جاهزة لمثل هذه المواقف فنقل الى المستشفى (العسكري) ، ليقضي ليلتين فيها ، لقد أقدم على التضحية بحياته في سبيل التخلص من هذه الصفقة. لقد قال لشقيقه وهو ينتظر عودته من المستشفى الى السجن : ( لا عليك ، كدت أرى الله).

هنا لا بد لي من القول ان ضغوط الاهل والاصدقاء وضغوط الدكتور الموسوي وعدم قدرته على تحمل الحبس جعلت المفكر في موقف لا يحسد عليه. وفي برنامج (تلك الايام) الذي اشرت له وبث في 19 / 5 / 2020 ، يقول الدكتور عبد الله : ان (السيد لم يتحمل وضعه في السجن فاقدم على الانتحار) والحقيقة انه لم يتحمل وضع شقيقه في السجن لإنه لا يتحمل ذلك ولاسيما انها التجربة الاولى له بالمعتقل على عكس عزيز السيد جاسم الذي خبرها مرات عدة طوال مسيرته النضالية ، كما تداخلت التواريخ لدى الدكتور حميد عبد الله فيما يخص عمل السيد جاسم في مجلة وعي العمال فقال انه عمل فيها بعد عام 1977 ، والحقيقة انه اقيل منها في ذلك العام ـ وانفك عام 1978 ـ كونه تولى رئاسة تحريرها كما سيأتي للمدة (1971 ـ 1977 ) وقال ان الكتاب الذي طبع عن صدام كان بعد خروج السيد من السجن وهذا غير صحيح اذ انه من ضمن شروط اطلاق سراحه ، وكما يبدو ان وقت الحلقات لم يفسح المجال للحديث عن دور مدير المخابرات الذي ادى دوراً اجرامياً في حينها. لكن بشكل عام كانتا حلقتين مهمتين للمتلقين في تسليط الضوء على جانب يسير من سيرة مناضل.

ولنعد الى حادثة قالها معاون مدير امن الرصافة  خيري جلميران (ابو فرح) : كنا نراقب السيد وشقيقه الموسوي لدى ايداعهما بزنزانتين منفردتين ، فكان الموسوي قلقاً ويتحرك باستمرار ولم يستطع النوم في الليلة الاولى من الحبس ، بينما قام السيد بتعديل فراشه ونام! فعرفنا انه معتاد على مثل هذه الاجواء وهي ليست المرة الاولى له ، بينما كان الاعتقال الاول بالنسبة لشقيقه.

 في تلك الاثناء كان ضغط المثقفين العرب قد تصاعد وكتب كثيرون بضرورة اطلاق سراح الشقيقين ورفعت مذكرات رسمية بذلك ومن بينهم ادوارد سعيد وفاروق البقيلي وجمال الغيطاني وغيرهم ، كما بدأ الحديث يتسع بين الاوساط الثقافية العراقية ، وهو ما كان يترصده نواميس السلطة او وشاتها وعسسها.

واطلق سراح الدكتور الموسوي وعاد لمزاولة عمله مديرا عاماً لدار الشؤون الثقافية ورئيساً لتحرير مجلة (آفاق عربية) وأمينا عاماً لاتحاد الادباء ، قبل الافراج عن السيد جاسم بشهرين او ثلاثة ، وصدرت الكتب المذكورة عن دار الشؤون ، ووزعت بشكل محدود وسرعان ما تم سحبها من المكتبات لأن الرأي وصل الى القصر بان الحديث كثر عن الكتب التي صدرت ومؤلفها ما يزال بالسجن ، بمعنى انها كتبت تحت تأثير وضغط السلطة ، ومنعاً للفضيحة تم سحب الكتب التي كان من المقرر توزيعها وبيعها بشكل واسع على ان تعود عائدات البيع لوزارة الثقافة وليس للمؤلف كما كتب في تقرير فاضل البراك الى صدام ، وهو ما يكشف ان واضع اغلب النصوص في تلك الكتب هو ليس المؤلف وانما اللجنة التي شكلها البراك او باشرافه ، ومنها مقدمة سلطة الحق المزيفة التي كتبت بخط يد شخص اخر غير المؤلف ، اضافة الى الكتاب الخامس عن صدام الذي (وضع) داخل المعتقل في الامن العامة بأقلام آخرين بينهم من كتب داخل المعتقل مجبراً.

وأشير الى حادثة وقعت بعد 2003 عندما جاء احد الاشخاص بملف التحقيق الكامل وفيه تنزيل للتسجيلات الهاتفية ، وقد اطلعت على بعض الاوراق التحقيقية عندما كنت اعمل في جريدة (الزمان) طبعة العراق لمنشِئها الاستاذ سعد البزاز الذي اظهر الكثير من الاهتمام بي كما اظهره رئيس التحرير الدكتور احمد عبد المجيد ، عرض هذا الشخص الغريب بيع الملف ، ولم نتفق على السعر ، كنت افاوضه لكنه اختفى فجأةً ، ويبدو انه كان يساوم جريدة (الصباح) التابعة لشبكة الاعلام العراقي وكان يرأس تحريرها وقتذاك الاستاذ الراحل جمعة الحلفي ، وقد دفعت الجريدة المبلغ المطلوب لذلك الرجل الذي سرق ملف التحقيق من دائرة الامن العامة بعد فوضى السلب والنهب التي رافقت احداث سقوط نظام صدام ، ونشرت الجريدة ملفاً غير موفق في حينها للأسف ، واعتذر عنه الحلفي لاحقاً ونشر ردوداً وردت للجريدة بذلك الشأن.

ومن تفصيلات الوثائق وسبب رفض اجازة طبع الكتاب ما كتبه الدكتور بشار في تقريره وما يراه ان الكاتب اساء إلى معاوية بن ابي سفيان ، في الفصل الخاص الذي يؤرخ للعلاقة بين الامام ومعاوية كما سيلي.

وفي تلك الوثائق عثر على تقارير رفعها رجال الامن ، تضمنت عمليات انصات على هواتف مسكن ومكتب السيد (7190602 ، 8889435) وقد بدأ التقرير بـ (ادناه حديث الزرع الحاصل في مسكن عزيز السيد جاسم هاتف 7190620 ليوم 11 / 5 / 1988 ودار الحديث بين عزيز ومجهول ، واتذكر شيئا منه ويبدو لي من احد الاصدقاء ، لكن الحديث كان اشبه بالشفرة بين الطرفين ، فيقول السيد (لكنه طويل) ويجيبه المجهول (لكنك اطول منه) بمعنى ان الكلام في الهاتف كان حذراً ، لكن يبدو ان الحذر قد جاء في وقت متأخر لان مكالمة سابقة كانت قد سجلت بين السيد واحد اصدقائه شكلت غصة لدى السيد. للاطلاع يراجع (عزيز السيد جاسم رحلة في وثائق مديرية الامن العام ، جريدة الصباح ، العدد 641 ، 30 اب 2005).

فقد عرض ضباط التحقيق في الامن على السيد تسجيلاً صوتياً لمكالمة هاتفية جرت بينه وبين احد اصدقائه المقربين الذين جاء بهم السيد من الناصرية الى بغداد للعمل في المؤسسات الصحفية والثقافية وهو (ع ـ ر) ودار الحديث عن الكتاب حيث سأله صديقه عما اذا كان يبحث عن ناشر عربي ، وعما اذا كان شقيقه د . الموسوي سيعينه على ذلك ، ويقول الموسوي : (كان ذلك الصديق قد اتصل بي لهذا الغرض واقترح عليّ ايجاد ناشر لطباعة الكتاب) ، ويبدو ان الدكتورة (ح ، س) قد اقنعت ذلك الصديق بمثل هذه الاسئلة عبر الهاتف ، وقلت لأبي خولة ـ السيد ـ ربما لم يكن الصديق يعي ما دبر وما يراد ، واخذ الامور على بساطتها.لكن هذه الحادثة لازمت السيد بعد خروجه من المعتقل واصبح اكثر حذراً عند الحديث امام الاخرين الا اذا كان راغباً ـ هو ـ في ان يسمعه الاخرون.

وفي انصات اخر ، ذكر في مكالمة مع شخص وُصِف من قبل رجال الامن بـ (الثاني) : (ان بشار عواد معروف كتب تقريرا ... ان عزيز السيد جاسم ماركسي وانسان معروف) لكنه اردف قائلا واصفا الدكتور بشار عواد بانه (رجعي معادي ... مخضرم وطائفي) ، وكان السيد ينتظر نتائج اجازة الكتاب لكن بعد ان تبين له انحراف المسار وبعد ان رفضت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية إجازة الكتاب ، وابلغت وزارة الثقافة والاعلام بذلك ، كتب في جريدة العراق كما اشرت يسخر  مما سماه بـ (دكاكين الرقابة المأجورة) ثم سلم مخطوطة الكتاب الى الراحل الدكتور سهيل ادريس كما اشرنا والذي حفظ النسخة الاصلية لديه والتي طبعت لاحقاً عن دار سينا ومؤسسة الانتشار العربي ، وطبعات اخر في بغداد وايران.

وتشير الوثائق الى ان مكتب سكرتير رئيس الجمهورية اشار في كتابه الى مديرية الامن العامة المرقم 3829 في 14 / 9 / 1988 بما يلي : (حصلت موافقة السيد الرئيس القائد على طبع المؤلفات اعلاه على ان تؤول حقوق النشر وعوائد الكتب الى وزارة الثقافة والاعلام وعلى ان يشير المؤلف في مقدمة كتابه (علي سلطة الحق) الى ظهور نسخة مطبوعة في الخارج تضمنت مفاهيم هو بريء منها).

ولا حاجة لذكر ما تعرض له المفكر في تلك الظروف فمعروفة لدى الجميع (ضيافة) مديرية الامن العامة ، كما ان الاقدام على الانتحار يخرس جميع التقولات ويعطينا الصورة الجلية الواضحة ، لكن مصير المقربين من السيد وحياتهم كانت لتتعرض الى مخاطر معاداة السلطة بما لا يستبعد قتل بعضهم ، فضغطت الاسرة على السيد للموافقة من اجل اطلاق سراحه.

وقبل الانتقال لنهاية هذه الازمة اشير الى وثيقة عثرت عليها في مكتبة السيد ، صادرة من وزارة الثقافة والاعلام / دائرة الاعلام الداخلي بتاريخ 11 / 2 / 1988 (من دون عدد) معنونة الى السيد عزيز السيد جاسم جاء فيها :

ندرج لكم ادناه الملاحظات على مسودة كتابكم الموسوم (علي سلطة الحق) راجين الاخذ بها واعادتها الينا بعد الانتهاء : ـ

1 ـ اعادة توثيق كافة الروايات وتحديد مصادرها.

 2 ـ حذف ما من شأنه اظهار وصية العهد بشكل يختلف عما تم سياقه حيث ان استرجاع مثل هذا الجدل يثير بعض الخلافات الفكرية التي هي بمستوى الطائفية ونحن في غنى عنها في هذه الظروف.

3 ـ هيمنة فكرة عصمة الامام المطلقة ساقت البحث الى نظرة غير علمية في تقويم كثير من الاحداث المؤسفة والمؤلمة في حرب الجمل وصفين والخوارج اضافة لما ورد في الصفحة (6) من المقدمة : (اشارة الى شرنقة المنافقين والمساومين والمنتفعين وحلفاء المارقين).

ــ مبحث ولادة الامام : (لم تكن هنالك قطعاً ولادة مثل ولادته).

ــ مبدأ التلقين الخاص : (لجأ الانبياء الى تلقين علومهم للأوصياء) وهي اساس الباطنية.

4 ــ تشير في مواضع عديدة في كتابك الى (ان علياً هو الوصي) وهذا يعني نسف الخلافة الراشدة وبطلانها.

5 ــ هناك تبرير للناس الذين ألّهوه من (امثال عبد الله بن سبأ) وامر الامام بالقذف بهم في النار (بأنهم أحبوه) ص5 من المقدمة. والحقيقة انهم كانوا متآمرين كاذبين في حبهم للامام ، هادفين الى تمزيق الامة تحت ستار حب الامام وهي من المخادعات اليهودية.

6 ــ ظهر في دراستك ترديد مبالغات المؤرخين في الاحداث عموماً دون تمحيص مثلاً (جملة من قتلهم علي بكفيه في يومه وليلته خمسمائة في ليلة الهرير).

7 ــ تصّور الاتجاه غير العلوي بالاتجاه السلطوي والاتجاه العلوي بالاتجاه العقائدي الاسلامي.

وقد يكون فيه بعض الصحة مبدئياً ولكن ليس من المعقول والمنقول ان يرسل معاوية ابا ذر مثلا (وهو الممثل للثورة الجماهيرية) الى قبرص.ص206.

8 ـ حين التطرق للخوارج من انهم (الاب الشرعي لكل ارهاب ديني سياسي في تاريخ الاسلام) ان يتضمن الطرح ايضاً الى الخمينية خوارج العصر.

9 ـ حذف الروايات (غير الموضوعية) والمعادية والتي تسيء الى ابن عباس ــ ومعاوية.

وقد وضع السيد جاسم اشارات وتصحيحات كتابية وعلامات تعجب واستغراب واستفهام وخطوط اسفل التدخلات السافرة من قسم الرقابة الاعلامية قبل ان يحال الكتاب الى الاوقاف وتبدأ قصة الاعتقال.

بقي السيد في المعتقل نحو ستة اشهر ، فيما بقي الدكتور الموسوي نحو اربعة اشهر ساعده فيها على اتمام الصفقة مع الرئاسة ، وقال في تصريح لاحق ـ أي الموسوي ـ انه اسهم بمساعدة بعض ضباط الامن في تأليف كتابي ابو بكر سلطة الايمان وعثمان التقي ، ويشير الكتبي نعيم الشطري رحمه الله ـ وهو صديق محب للسيد ـ في تصريح للدكتور سلمان رشيد الهلالي الى ان احد الضباط برتبة عقيد جاء وطلب منه بعض المصادر لنقلها الى السيد ، وكان خيري جلميران يحمل تلك الرتبة في وقتها قبل ان يصبح لواءً فيما بعد ، وكان من المشرفين على التحقيق العقيد فاضل حميد حميدي.

وبعد ان اكتمل تنفيذ بنود الصفقة التي اجبر السيد عليها للأسباب التي ذكرناها ، شكلت لجنة خاصة مهمتها اعادة تقييم الكتب الموضوعة بالاكراه ، ومدى صلاحيتها للنشر ، نظراً لظروف تأليفها وسرعة انجازها ، رغم ان بنود الكتاب عن صدام اغلبها جاءت شبه جاهزة واخرجت باسلوب ركيك بعيد كل البعد عن رصانة واسلوب السيد المعروفة والمسطرة في العشرات من مؤلفاته.

وضمت اللجنة سبعة من الاساتذة الجامعيين  ، يرأسها الدكتور بشار عواد معروف امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي الشعبي في العراق والدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني عميد كلية التربية الاولى (ابن رشد) نائبا والدكتور نزار الحديثي عميد معهد الدراسات القومية والاشتراكية نائبا ثانيا ، وعضوية كل من الدكتور عرفان عبد الحميد ، والدكتور لبيد ابراهيم محمد ، والدكتور حمدان الكبيسي والدكتور رشدي عليان وهؤلاء الاساتذة ـ كما يبدو ـ  قد تغلغلت صورة الحاكم الاوحد في اذهانهم ، حتى وصل الحال بهم ان تقمصوا ـ بدون وعي ـ تلك الصورة ، واصبحوا جزءاً منها ومن اطارها الامني والسياسي ، لان الحاكم الاوحد في الحكومات والدول الشمولية ، قد عمل على التغلغل داخل وعي الجماهير ، ثم اضفى صورة الدولة على شخصيته ، حتى اصبح التمايز بين الدولة والحاكم من الصعوبة بمكان واضحى الولاء للحاكم بمثابة الولاء للدولة او الوطن.(للتفاصيل ينظر ـ عزيز السيد جاسم ودوره الفكري والسياسي في العراق / للدكتور الهلالي).

وبحسب ما يرى الكاتب ـ سمير الخليل ـ وهو الاسم المستعار للدكتور كنعان مكية بحسب ما ذكره الهلالي في دراسته المذكورة آنفاً ان المفارقة هو ان تلك اللجنة قد شكلتها مديرية الامن العامة ، ولم تشكلها وزارة الاوقاف والشؤون الدينية او وزارة الثقافة والاعلام ، حتى انها تولت رفع تقاريرها وتعليقاتها الخاصة على مؤلفات السيد جاسم الى تلك المديرية مباشرة والحال ان هؤلاء الاساتذة ، وعلى راسهم الدكتور بشار عواد معروف ، يتحملون المسؤولية التاريخية والادبية لعملية الاعتقال والاعدام فيما بعد ، من خلال تلك التقارير الامنية والتوصيات غير العادلة ، مستمدين شرعيتهم من سلطة الخوف والقهر ، وليس من شرعية الحجة والدليل والفكر والحق والمبدأ.

 وعلق ناشر هذه التقارير في صحيفة (الصباح) ، على هذا الموقف الامني قائلاً : (ان تطوع الدكتور بشار عواد معروف لخدمة طائفته فهذا حقه ، ولكن ان يصادر حق الاخرين في الكتابة عن طوائفهم فهذا استبداد ، وان يتطوع لكتابة تقارير عنهم قد تودي بحياة البعض منهم فهذه ممارسة بوليسية لا اخلاقية ، كما ان الدكتور بشار كان يستغل حزب البعث في التنكيل بمن يفكر من الطوائف الاخرى ، وهذه قمة الوصولية ، والقيادات البعثية تعلم بسلوكه هذا ولكنها كما هو معروف ربطت مصيرها بمصير طائفته ، فبشار لم يكن بعثيا ، ولكنه قاد عزيز السيد جاسم الى السجن من خلال تقاريره الامنية التي كان يكتبها على ورق الامانة العامة لمنظمة المؤتمر الاسلامي الشعبي).

وكانت اولى التقارير السرية الامنية التي رفعها الدكتور بشار عواد معروف الى مدير الامن العامة ، قد تضمنت بحسب وثائق الامن العامة  : (قرأت الكتاب الموسوم (التقي عثمان بن عفان) من تأليف السيد عزيز السيد جاسم فوجدته كتابا حسن الوجهة في عرضه لقضايا التاريخ العربي والاسلامي .... وعلى الرغم من السرعة التي كتب بها الكتاب مما اثر على قيمته التاريخية ، فانه يحقق الهدف المنشود .... لذا اراه صالحا للنشر في العراق وغيره ، اذ ليس فيه ما يمس الامن القومي للعراق والامة العربية) اما بشان مسودة كتاب (ابو بكر الصديق ـ سلطة الايمان) فقد اكد بانه قد اطلع عليه ووجده (كتابا جيدا يتفق مع السلامة الفكرية وليس فيه ما يمس الامن القومي للعراق والامة العربية ووحدة الشعب العراقي). فيما تضمن تقريره حول كتاب (علي سلطة الحق) والذي صدر بتاريخ 30 / 7 / 1988 ، نقاطا عديدة منها قوله : (بان عزيز السيد جاسم قد نجح في تفسير ما وقع من فتن في صدر الاسلام بروح علمي وقومي واسلامي جيد بين فيه اثر العناصر الاجنبية في اذكاء هذا الصراع ونؤكد على مبدأ الشورى في اختيار الخليفة ، وهو ما يؤدي الى نفي التأثير الفارسي على التاريخ) وهذا يعني بان المبدأ الاخر في اختيار الخليفة أو الامام وهو (النص) الذي اعتمده الشيعة الامامية هو من التأثيرات الفارسية في اعراف الدكتور بشار . واما خاتمة التقرير فقد نصت بان (الكتاب فيه فوائد كثيرة يمكن الافادة منها في خدمة الاهداف المركزية لتحقيق الامن القومي للعراق والامة العربية).

فليحيا الامن القومي للعراق والامة العربية!!! على حساب مفكر حر كاد يفقد حياته بسبب هذا الحس الامني القومي! والطريفة المضحكة المبكية انه أي الدكتور الرقيب اعتذر لاحقاً للدكتور الموسوي عن التقارير ولا سيما ما يخص سلطة الحق ، ليس بسبب ما جاء فيها من افتراءات كادت تودي بحياة المؤلف  وانما بسبب ما تعرض له الموسوي من اعتقال!.

اما الدكتور نزار الحديثي عميد معهد الدراسات القومية والاشتراكية ، فقد كانت ملاحظاته بشأن المسودات الاربع التي عرضت عليه بانها (من الناحية العلمية ـ باستثناء كتاب الامام علي ـ ضعيفة ، وغير صالحة للنشر بوضعها الحالي) وهذا يعني بان الحديثي قد يكون الاكثر نباهة من بين اعضاء اللجنة ، اذ علم ان هذه المسودات قد كتبت دونما قناعة او ايمان ، وتحت الضغط والاكراه ، ومن ثم سوف تكون ركيكة ، وغير صالحة للنشر . لكن مديرية الامن العامة لم تأخذ بهذا الرأي ، لانها لا تريد من المؤلف سوى الرضوخ والتنازل ، والاعتراف بالدور المتميزـ الذي تعتقده ـ  للخلفاء الثلاثة الاوائل ، اسوة بالخليفة الرابع . وختم الدكتور الحديثي تقريره بما يشبه خاتمة الدكتور بشار عواد معروف بالقول (ان الكتب ليس فيها تعريض بأمن العراق او الاتجاهات السياسية والثقافية فيه).ولا نعرف هل كانوا يبحثون عن زلة هنا او هناك لعودة التصعيد؟ بمعنى اصح هل كان البراك يريد ولو مؤشراً بسيطاً في تلك الكتب الموضوعة بالاكراه وتنفيذا لأوامر صدام لكي يستغلها ويشعل الموقف الى غير رجعة؟ والا مامعنى تقارير (الخبراء) في مراجعة كتب وضعت داخل معتقلات الامن العام بأنها لا يوجد فيها ما يمس الامن القومي والوحدة العربية سوى ان هناك من كان يتمنى وجود ذلك لغاية في نفسه واقصد البراك. وهل كان المفكر عزيز السيد جاسم بهذه البساطة التي تعطيهم مثل هذه التلميحات؟ ربما كان البراك يراهن على كبرياء المفكر وعله يؤدي به الى ما يمكن استغلاله ضده في ظل تلك الاجواء المرعبة والمشحونة.

وقد تابع الدكتور الهلالي في دراسته ما ذهب اليه التقرير البوليسي للدكتور رشدي عليان فيذكر : ((انه وفي معرض تقييمه لمسودة كتاب (علي سلطة الحق) فقد تلبس دور الشرطي الخبير ، وليس الاستاذ الجامعي الخبير ، اذ قدم اقتراحات امنية مجانية لمديرية الامن العامة منها (ان يبقى العنوان السابق للكتاب دون زيادة او نقصان وهو (علي سلطة الحق) حتى لا يظن احد ان هذا كتاب اخر ، وان المؤلف قد ارغم على التنقيح ، وان يطبع في المطبعة ذاتها التي طبع فيها سابقا وان يكون الغلاف بنفس الالوان حتى في حالة التخلص من الطبعة السابقة او ايقاف تداولها).وفقاً لوثائق الامن العامة ايضاً والتي ذكرت نصوص التقارير الواردة.

ثم ختم الدكتور عليان تقريره الامني بالقول : (نظرا لتوفر السلامة الفكرية في هذه المسودة وخلوها مما قد يساء فهمه او يوظف في الاثارة الطائفية فلا مانع من طبع المسودة وتداولها).

      واما تقرير الدكتور عرفان عبد الحميد ، فقد استعرض الاخطاء الاملائية والنحوية ، وطالب باستقصاء المعلومات التاريخية حصرا من المصادر التي يعتمدها رسميا حزب البعث الحاكم ، واكد ايضا السلامة الفكرية لتلك المسودات).

هنا يجب الانتباه لما كتبه الاديب والناقد شكيب كاظم لدى قراءَته مسودة اول كتاب الفه السيد بعنوان (لماذا الفلسفة؟) وكان عمره 19 عاماً فقط اي عام 1960 ، يقول الاستاذ شكيب رحمه الله ما نصُه : (تعجب لهذا الاسلوب والاطلاع الواسع على الفكر الغربي والاسلامي وعلى الثقافة الثرة ، كما لم اجد اي خطأ املائي او نحوي ولغوي حتى فيما يخص القضايا الشائكة في المدارس اللغوية .....الخ). وبعد ان نضع الفارق الزمني بين الكتاب الاول وزمن تأليف الكتب المذكورة في التقارير في حسباننا نتساءَل : هل بمكنة عرفان عبد الحميد ان يصحح الاخطاء الاملائية والنحوية ـ ان وجدت ـ للمفكر عزيز السيد جاسم ، وهل هو مؤهل لمثل هذه المهمة التي هي اكبر منه؟  بالتأكيد لا ... اذن واضع مسودات تلك الكتب المذكورة ليس عزيز السيد جاسم.

 فيما اوصى تقرير الدكتور حمدان الكبيسي  بشطب صفحات كاملة من الكتاب من اجل ان تتلاءَم مع اهداف الحزب والثورة ، اما الدكتور لبيد ابراهيم محمد فقد اثنى على نجاح الكاتب في ربط الماضي المجيد بالحاضر المنير ، من خلال المقارنة بين الخليفة ابو بكر وصدام!.

 فيما اوصى عميد كلية التربية (ابن رشد) في جامعة بغداد عبد الرحمن عبد الكريم العاني في تقريره بشطب صفحات كاملة من الكتاب ، واعادة النظر في اخرى ، ومثال ذلك التقرير الخاص بشأن كتاب (عمر بن الخطاب. سلطة العدل) اذ اوصى بإعادة النظر من الصفحة 64ـ79 ، على ان تكتب بشكل اخر ولاسيما (معارك القادسية والمدائن وجلولاء بحيث يتوضح دور قائد الامة عمر في حشد الطاقات من اجل تحرير الاراضي العربية) ، وتعليقا على احد العناوين الفرعية في الكتاب (الفتنة في بيعة السقيفة) فقد طالب بحذف كلمة (الفتنة) وقال: (ان ما حدث في السقيفة هو حوار ديمقراطي بين الصحابة يؤكد حيوية الامة وليس الفتنة) ، وطالب ايضا بحذف كلمة (الفتوحات) اينما وجدت ، على ان تحل محلها مفردة (التحرير) . وبشان مقتل عمر بن الخطاب ، علق قائلا : (انها مؤامرة فارسية يهودية محسومة لذا يجب رفع اسم احد المشاركين فيها وهو ـ عيينة بن حصن ـ  لأنه عربي ولا يمكن ان يشترك في المؤامرة الفارسية اليهودية).و....الخ وفقاً للوثائق والتقارير الواردة فيها.

    لقد عاش السيد خلال هذه المرحلة وضعا قاسيا ، فهو من جانب كان يأبى ان يكتب شيئا لا يؤمن به او ان يوضع اسمه على كتب لم يؤلفها (لكنه اسهم ببعضها مضطرا) ، ومن جانب اخر كان يعيش تحت الضغط وعطفه على المقربين منه وهم يطالبوه لانقاذ مصيره لأجلهم، كان عمري انا كاتب السطور في حينها سبع سنوات ، كنت اذهب مع الاهل لزيارته ، فقد سمحوا بذلك في الشهرين الاخيرين.

 لقد كان من تداعيات هذه القضية ، ان مُنع الدكتور الموسوي من السفر مدة عام كامل ، وحجز جواز سفره في مديرية الامن العامة ، التي اشارت في كتابها المرقم69571 الصادر في 26 / 9 / 1988 إلى ذلك مؤكدة : (ان الدكتور الموسوي كان موقوفا في شعبتنا بأمر رئاسة الجمهورية ـ السكرتير منذ 20 / 5 / 1988 واطلق سراحه حسب الامر الرئاسي يوم 14 / 9 / 1988 وباشر عمله مدير عام في وزارة الثقافة والاعلام ورئيس تحرير مجلة افاق عربية  وان سبب توقيفه هو مساعدته في طبع كتاب لشقيقه المؤلف عزيز السيد جاسم خارج القطر دون استحصال الموافقات الرسمية الاصولية . وكاجراء احترازي امر السيد العام منع سفره لمدة سنة).وخاطبت المديرية المذكورة ، مديرية الجوازات لتؤكد منع الدكتور الموسوي من السفر لمدة عام.

المشـاهدات 68   تاريخ الإضافـة 15/04/2025   رقم المحتوى 61649
أضف تقييـم
loading