حمدي العطار

 مقدمة:

رحلة "بحث عن شخصية روائية" ليست مجرد رحلة سياحية أو مغامرة اعتيادية، بل هي تجربة فكرية وثقافية تحمل طابعًا فلسفيًا وإنسانيًا، قام بها الكاتب والمترجم سعيد الروضان، الذي قرر أن يذهب إلى الهند بحثًا عن شخصية غامضة، "ف. سوامي"، التي شكلت حلقة تأثير محورية في نشأة الرواية العراقية الحديثة، وتحديدًا في رواية "جلال خالد" لمحمود أحمد السيد.

الرحلة  مزجت بين الواقع والمتخيل، وبين البحث عن أثر فكري وبين الاستكشاف الميداني لثقافات الهند المتعددة. هي رحلة تسعى لتجسير الماضي بالحاضر عبر البحث عن شخصية أدبية ساهمت في تشكيل الوعي العربي في بدايات القرن العشرين.

 *ثيمة البحث والمعنى:

الغاية من رحلة الروضان تتجاوز حدود الاستقصاء الأكاديمي أو الفضول الثقافي. فالسفر إلى الهند، بحثًا عن شخصية قد تكون منسية أو مغمورة في الأدب العالمي، هو نوع من إعادة الاعتبار لدور المثقف الشرقي في تشكيل وعي المثقف العراقي. الروضان يبحث عن "ف. سوامي" بوصفه رمزًا للتأثير والنهضة الفكرية، حيث كان هذا الأخير قد ألهم محمود أحمد السيد لكتابة أول رواية عراقية "جلال خالد" سنة 1928، والتي مهدت لولادة الرواية العراقية.

في هذا المعنى، يصبح البحث عن شخصية روائية رحلة بحث عن الهوية الثقافية العراقية وعن الجذور الأولى للحداثة الأدبية في العراق. إنه استحضار للتاريخ المغيب وإعادة بناء الحكاية الأدبية من جديد.

 *بين الفشل والنجاح:

الكاتب كاد يفشل في الوصول إلى مبتغاه، في إشارة إلى صعوبة تحقيق الأهداف الفكرية في عالم متغير ومعقد. ولكنه، رغم كونه رجلًا كبيرًا في السن، أصر على الاستمرار بمفرده في رحلة وصفت بالخطيرة، ليثبت أن البحث عن الحقيقة لا يعرف عمرًا ولا يهاب المخاطر.

التحول من هدف البحث إلى الكتابة الصحفية كان بديلًا منطقيًا في حالة الإخفاق، مما يكشف عن وعي الروضان بدوره كمثقف ملتزم بتقديم المعرفة حتى في ظل الظروف الصعبة. ولكنه نجح أخيرًا في الوصول إلى معلومات حاسمة عن "ف. سوامي"، رغم الالتباس في الحرف الأول من الاسم بين "F" و"V".

 *المكان ودلالاته الثقافية:

تنقل الروضان بين ثلاث ولايات هندية رئيسة، كل واحدة منها تقدم صورة عن الهند المتنوعة ثقافيًا واجتماعيًا.

1. كيرلا

 مزيج من الطبيعة البكر والانتماء السياسي اليساري، حيث يسيطر الشيوعيون، ما ينسجم مع طبيعة شخصية "ف. سوامي" الاشتراكية الفكر.

 الأعلام الحمراء بالمنجل والمطرقة، مظاهرات الشبيبة، ولقاءاته مع المثقفين الشيوعيين تؤكد أن بحث الروضان لم يكن فقط عن شخصية بل عن بيئة ثقافية وفكرية تنتمي إليها هذه الشخصية.

 زيارة المتاحف والمقابر والمعابد تعكس سعي الروضان إلى التوغل في عمق التاريخ والفكر الهندي وليس مجرد السياحة السطحية.

2. كشمير

 وصف شاعري للطبيعة (زهرة الزعفران، بحيرة دال، شلالات الهيملايا) يعكس رومانسية المكان، ولكن أيضًا حالة القلق وعدم الاستقرار بسبب الصراع الإقليمي.

 حوارات الروضان مع السكان المحليين توضح الفجوة بين الحياة البسيطة التي يعيشها الناس وتاريخ المكان العريق.

 الزيارات للمساجد والمزارات، تعكس احترامه للثقافة الدينية في المنطقة، مما يجعل من الرحلة تجربة حوار حضاري.

3. كلكتا (البنغال الغربية)

 مركز البحث الحقيقي، حيث المكتبات ودار النشر "براتكشن" التي قادته لاكتشاف الحقيقة عن "ف. سوامي".

 ملاحظة أن الفقراء يشترون الكتب دليل على تعطش المجتمع للمعرفة رغم ظروفهم القاسية، وهو ما جعل الروضان يعقد مقارنة ضمنية مع القارئ العراقي.

 *الرمزية في الشخصية "ف. سوامي":

 ف. سوامي ليس مجرد شخص بل هو تجسيد لفكرة التلاقح الثقافي بين الشرق العربي والشرق الآسيوي، بين بغداد وكلكتا.

 العلاقة بين سوامي ومحمود أحمد السيد تبرز صورة المثقف المنفتح الذي لا يتردد في الاستفادة من الآخر، ما جعل الرواية العراقية تولد من رحم التأثيرات العالمية.

 *الأسلوب الأدبي:

* اعتمد الروضان على أسلوب السرد التوثيقي المدعوم بالمشاهدات الحية، والحوار مع شخصيات محلية، ما أعطى النص بعدًا واقعيًا وشعورًا بالمصداقية.

 هناك توظيف للصور الحسية والوصف التفصيلي للطبيعة والمدن والشخصيات، ما يجعل القارئ يشعر وكأنه في قلب الحدث.

 اللغة تجمع بين البساطة والعمق، وبين المعلوماتية والجمالية، ما يعكس خبرة الروضان ككاتب ومترجم وناقد.

ملاحظات إضافية:

* الكتاب فاز بجائزة جواد الساعاتي 2024، وتبرع الروضان بقيمتها لأطفال غزة، في لمسة إنسانية تعكس التزامه الأخلاقي والفكري.