
![]() |
تراب الوجع : بغداد روتردام مسقط |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ناصر أبو عون قُبيل إصدار منال الحسن ديوانها الثالث المُعنون بـ(تُراب الوجع) أرسلت لي تصميمات الغلاف لمشاركتها الاختيار من بينها؛ فكانت صورًا بائسة بلا معانٍ أو دلالات ولا واشجة قُربى بينها وبين النصوص، بل انقطع الحبل السُّريَّ الرابط بين المحتوى والغلاف مع سبق الإضرار والتقصّد؛ وما يحملني على هذا القول التغافل عن قراءة الإصدار من قِبَل الناشر الذي لم يكلّف نفسه عناء مطالعة الإطلالة النقديّة التي نحتها الشاعر منذر عبدالحر، من رؤيته وسقاها من معين تجربته ومعرفته بالشاعرة منذ حبوها الأول على بساط القصيدة؛ وفيها استطاع أن يوقظ نصوص المجموعة من أحلامها التي تغطُّ فيها على بياض الورق ليشاركها نزقها. وانطلاقا من قاعدة:(وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)؛ يمكن تفسير ما حدث في تصميم الأغلفة الأولى لديوان (تراب الوجع)، بأنها تمّت تحت ضغوطات زحمة بزنس الإصدارات التي تتقيأها المطابع يوميًا، حيث أصحابها يتعالون على الفن، ومن ثَمّ لا يولون أي اهتمام بقاعدة إعطاء المُصمم فرصة زمنية كافية لمطالعة الكتب لاكتشاف رؤية المؤلف، واستنباط اللوحة. وبناءً على ما تقدم سرده من وقائع يمكننا القول: إنّ إبداع صناعة الأغلفة بعد تجمدت أفكاره، وتيبّست الدماء في أرياشه، لقي حتفه بالسكتة الفنية إثر اكتساح تسونامي الثقافات المُعلَّبة ساحات الثقافة العربية حيث (أَعْرَضَ) الناشر العربيّ عن التعاقد مع فنانين كبار ومشاهير لارتفاع سقف مكافآتهم، والتزامهم بقوانين الإنتاج الفني والتي تستوجب قراءة الأعمال الأدبية واستنطاقها فنيا، وإعادة استقرائها وإبداعها على شكل لوحة فنية، واستمداد عناصر اللوحة من الفكرة المركزيّة التي يدور حولها محتوى العمل الإبداعي بل إنّ الناشر (نَأى بِجانِبِهِ)، – تحت بند التوفير في تكلفة النشر وقع في محظور التقليد والقصّ واللصق والتحوير والإضافة والحذف من الأعمال التي تطفح بها صفحات الميديا، وانتهك قوانين الملكية الفكرية. حقًا نحن في عصر تتقافز فيه التكنولوجيا بسرعة الضوء، بل أضحت الروباتات تنافس المبدعين، حتى وصلنا إلى شفا حفرة من الصراع بين الإنسان والآلة؛ بعد أن نجح الربوت في كتابة القصيدة ورسم اللوحة، والقيام بالأعمال المنزلية وصولا إلى ممارسة العلاقة الحميمة. في الحقيقة أيها المُبدع (ليس لك من الأمر شيء)، وليس ذنب الروبوتات التي أخذت بناصية الآداب والفنون، بُعيد استسلام صُنّاع الكتاب لـعِفْريت الاستسهال، ووقع الناشرون والمبدعون الجُدُ في ماكينة الاستنساخ، ودخلنا جميعًا دائرة القولبة والتنميط؛ وصار حالنا كـ(الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ). وللخروج من هذا المأزق قمتُ بدور الذي يوفق رأسين في الحلال، وكنت واسطة العقد ما بين السيدة منال الحسن في روتردام بمملكة هولندا والبرفسور والفنان التشكيلي د. صبيح كلش المقيم بالعاصمة العُمانية مسقط، وافتتح معرضه التشكيلي هذا الأسبوع تحت عنوان "گلگامش: رموز ودلالات"، بقاعة (ستال كليري) واللوحات المعروضة تعبير عن (مشاهد رمزية غنية من ملحمة كلكامش، وتتناول موضوعات القوة، الخلود، الصداقة، والحكمة، بأسلوب تعبيري متقن وتقنيات تشكيلية حديثة تركت أثراً عميقاً في الحضور). و - سبحان الله – وجدنا في لوحة عنوانها يماثل عنوان الديوان. والذي هو نفسه عنوان القصيدة الأولى التي تقول عنها في هامش الصفحة الأولى: (القصيدة اشتغال على فكرة أنني عند سفري إلى المهجر, أخذت حفنة من تراب بيت أهلي, وأخرى من قبر والدي الراحل، وثالثة من قبر أخي الشهيد هيثم، ورابعة من قبر أختي الراحلة أشواق. الرحمة وجنان الخلد لهم جميعا. ولي ذكرياتهم التي أتنفسها كل يوم).وعند هذه النقطة الأخيرة أترككم مع (تراب الوجع) للشاعرة منال الحسن النداوي، وهي ترتشف ملح اغترابها، وتذرف أفكارها دموعًا على خَدِّ غربتها، حين تقول:[وأنا أفتح الباب على أسئلتي/ حطّ على راحتي طائر حزين/ رسم لي خارطة/ أحاطها بخيط من دم/ قالت لي عيناه:خبئي أوراقك/ واحتفظي بدموع/ أخذتِها ذات هلع/ من صدى وصية لأبيك/ وهو يغرس في وجدانك/ وردة الروح/ كنتُ على جناح غيمة أضمّد ذاكرتي/ وأنا أختار تراباً/ استنشقُ منه تاريخاً/ من العبرات/ والشجن/ والمحطّات التي شهدت/ وداعاتٍ/ وشموعاً/ وباقاتِ آسٍ تخضبت بالحنّاء/ أيها الدم... أيها الاسم الذي حملناه على أكتافنا/ لم نبخل به على جنوبنا/ ولاعلى شحوب أمّهاتنا/ ها نحنُ نشمُّ عبير طينك/ وها أنا ذي... أجوب مواسم الحيرة/ وأحمل حفنة من تراب حلمي/ أخذتُها من ربوع أهلي/ وأخفيتها في حقيبة أمنياتي/ وهي تضمُّ حفنات من راحلين في قلبي/أبي...أخي هيثم/ أختي أشواق / لكلٍّ منهم تراب ينبض معي/ أطلّ عليه كل عيد/ أقبله.. فتختلط دموعي به/ لتفصحَ اللحظة عن أقمار تبتسم/ ودموع تسيل/ ولهفة شاهقة/ لكل حقيبة رافقت خطوات غربتي/ لسان وجع/ كلّ مطار رفع علامة تعجب/ وهو يبحث في التراب عن معنى ممنوع/ كل دمعة نزلت على انتظاري/ صارت شتلة حب/ في حقل الروح../ أيها التراب...النابض/ أيها الجرح المسالم/ أيها الصمت الفاضح لأسرارنا/ دعني أدمنك/ فأنت أهلي وناسي وتاريخ بوحي/ سأضعك على جبيني/ وأحني منك رأسي/ وأضعك كحلاً في عينيّ/ يا أغنيتي العصية على النسيان/ أحبُّك]. |
المشـاهدات 22 تاريخ الإضافـة 20/04/2025 رقم المحتوى 61804 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |