
![]() |
عازفة البيانو في ... ينمو على يدها التفاح دراسة نقدية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
يوسف عبود جويعد
رواية "ينمو على يدها التفاح" للروائي هونر كريم، تبدو بسياقها الفني الحديث، وحسن صياغتها، ونسيجها السردي المتداخل المتراكب، ولغتها السردية الشعرية الحسية الدرامية، التي تمنحنا أكثر من معنى، حيث استخدم فيها المؤلف، عناصر مهمة وجديدة، لأنه وظف الموسيقى ضمن المسار السردي، الذي يشعر فيها القارئ، وكأنها جزء من حركة الاحداث وملازمة لها منذ بدايتها، وكذلك نجد الخطاب الانساني الشجي يلتحق ليتمم عملية السرد، كوننا نكتشف ومنذ بداية الأحداث، أن أمل بطلة الرواية، والساردة الوحيدة لأحداثها، واحدة من ضحايا الضربة الكيمياوية القاتلة والمبيدة والتي وجهت لمدينة (حلبجة) لتبيد ساكنيها عن بكرة أبيهم، وتكون واحدة من المجازر اللا إنسانية التي شهدها العصر الحديث، فقد كانت بطلة الرواية وسط مدينة حلبجة، عندما تساقطت القنابل الكيمياوية السامة عليها، وقد نجت بأعجوبة، بفضل والدها الذي طلب منها ومن أمها أن تغطي أنفها وفمها وتهرب، هي وأمها: "كنت لم أزل أضع الكمامة على فمي. قطعة قماش أسدّد ما يتغلغل من تلك الرائحة المتبقية التي تشبع جسدي بها مسبقاً، إلا إننا استطعنا أن ننجو بأنفسنا بسرعة قبل أن يتداركنا بكثافة وتحيل أجسادنا الى كتلة صماء." (ص 12 ) وهكذا تكون هجرتهم الى السويد، بعد أن تركت هذه الضربة الكيمياوية آثارها على ذراع أمل فظهرت نتوءات غريبة تشبه براعم غصن التفاح على ذراعها بشكل بشع ومخيف، الأمر الذي جعلها تغطي ذراعها بقطعة قماش، بينما تسبب هذا السم القاتل بإتلاف رئتي الأم التي ازداد إحساسها بالاختناق وضيق التنفس، ولم تنفع معها دخولها المستشفى، وكل المحاولات لعلاجها، ففارقت الحياة، ودفنت بالسويد، وبينما كان الأب متأثراً جداً بوفاة زوجته، وهائماً وسارحاً وشارد الذهن، وهو يعبر الشارع دهسته سيارة فارتطم رأسه برصيف الشارع وفقد ذاكرته، وظل يعيش للماضي فقط، ويتذكره، ولا يعرف ابنته أمل. التحقت أمل لدراسة الموسيقى، والتدريب على العزف على البيانو حصراً، للتفرغ للتدريب والعزف على البيانو، وهي تحمل في وجدانها وعقلها وذاكرتها وضميرها، حكاية شعب أبيد، وموتاً يطارد كل الكائنات في هذه المدينة المنكوبة، ليكون هذا الحس الدرامي هاجساً يحرك شجونها أثناء العزف، فيزيدها ابداعاً ويجعل من المقطوعات الموسيقية المختارة من كبار العازفين، لحناً مؤثراً وبليغاً وذا إحساس مختلف، يجعل المستمع يطوف معها ويلامس ما تضمره من ألم وحزن. كما سوف نجد أن أمل بدأت تلك البراعم التي نبتت على ذراعها، تقض مضجعها، وتؤلمها، وتمنعها من مواصلة هدفها الذي وضعته بأن تكون عازفة مشهورة: "فتحت القماش الملفوف على ذراعي، كانت بثور عديدة قد نمت على ذراعي كأنها براعم صغيرة تنفلق الآن، بدأت تنجرف من مسامات يدي وتبرز إلى السطح وتحمر أطرافها بشكل واسع. انتابني الجزع فلم يزداد ويتوسع المرض بهذه الكثافة من قبل." (ص 35 ) وهكذا نجد هذا التفاعل الغريب، قد اجتاح مبنى السرد، وفضاء الاحداث، فالموسيقى والحانه الشجية بدأت تطغى فضاء السرد، وتسير بالأحداث نحو سموها ورقيها، من خلال اللغة الشعرية الحسية الدرامية وخلطها مع المقطوعات الموسيقية، والوصف واعادة ذاكرة أمل وهي تعود الى تلك الفاجعة، وتتذكرها مع كل مقطوعة تعزفها. وتدور دورة الاحداث وتتسع، ويظل الأب لسبع سنوات فاقداً للذاكرة، بينما تصطدم، دراجة أمل مع دراجة أحد الشبان من سوريا، يعمل بالتوصيل السريع، وتتحطم دراجتها فيتكفل بتصليحها، ونتابع حكاية وليد عامل التوصيل الذي فقد عائلته برمتها أثناء القصف، في حرب سوريا، فتنمو علاقة عاطفية بينهما، مع نمو براعم ونتوءات ذراع أمل التي صارت مخيفة وبشعة، الأمر الذي جعلها تراجع طبيبها، الذي طلب منها بتر ذراعها وبأسرع وقت حتى لا يتفاقم المرض وينتشر في ارجاء جسدها. وهكا نشهد صعوداً متنامياً وكبيراً ومؤثراً للأحداث، حيث ترفض أمل اجراء العملية، كونها مشتركة في مسابقة عالمية كبيرة للعزف على البيانو، وانها لن تجري العملية الا بعد اتمام المسابقة، وكانت تواقة للفوز بها، كونها تدربت كثيراً على العزف من أجلها. نلاحظ تصاعداً واضحاً للأحداث نحو التأزم وبلوغ ذروة الاحداث، بعد اجتيازنا للحبكة المتقنة، التي اتقن صناعتها المؤلف، لنتعرف على ما حدث لوليد، حيث ان شظية اخترقت رأسه واستقرت قريبة من النخاع الشوكي، وعملية استخراجها محفوفة بالمخاطر، وعندما كان لا بدّ من اجراء العملية، يفقد وليد نظره ويعيش بقية حياته اعمى. وعند بلوغنا ذروة الأحداث، تقف أمل على خشبة المسرح مشاركة في هذه المسابقة العالمية، أمام حشد كبير من الجماهير، ولجنة التحكيم، لتعزف مقطوعتها الموسيقية المختارة، التي اضافت لها كل هذا الالم، وحكاية شعب ابيد، وحزن كبير، شعرت بألم شديد في ذراعها وبدأت براعم ذراعها تكبر لتصبح اغصاناً وشجرة كبيرة تغطيها وتغطي البيانو، وبالرغم من هذه المشاهد الفنتازية، الا أنها دخلت ضمن صميم الاحداث، لتكون دلالة رمزية واضحة، لإدانة الحرب والدمار الذي تخلفه هذه القنابل الخبيثة، اخبراً وجدت نفسها راقدة في احد المستشفيات وطبيبها الخاص يقف امامها: "أمعنت النظر في عيني الدكتور. حزن عميق يتبوأ تحتهما يخاف الانكشاف. أشعر بأنني قد ضعت في الشجرة التي نبتت على جسدي." (ص 183 ) رواية "ينمو على يدها التفاح" للروائي هونر كريم، رواية كتبت بعناية وحسن صياغة، بنسيج حكائي درامي مع إضفاء الحس الموسيقي الشجي ضمن بنى السرد، لتقدم للعالم أجمع حكاية شعب ابيد، بأسلوب فني متقن. من اصدارات آفيستا – كركوك لعام 2023 |
المشـاهدات 22 تاريخ الإضافـة 20/04/2025 رقم المحتوى 61866 |