الخميس 2025/4/24 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 38.95 مئويـة
نيوز بار
بين حلاوة التمر ومرارة الزيتون العراق وسوريا على حقل الغام سياسية
بين حلاوة التمر ومرارة الزيتون العراق وسوريا على حقل الغام سياسية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. رائد الشرقي
النـص :

على ضفتي نهرين تاريخهما أقدم من السياسة نفسها، تتماوج العلاقة بين العراق وسوريا كرقصة شرقية إيقاعها مشوب بالقلق، وخطواتها مثقلة بعبء التاريخ والجغرافيا. بين حلاوة التمر العراقي الذي طالما عبّر عن دفء العلاقات العربية، ومرارة الزيتون السوري الذي نبت بين صخر الحرب وويلات النزاع، يحاول البلدان اليوم أن يخطّا سطرًا جديدًا في سردية العلاقات الملتبسة، لكن على حافة هاوية إقليمية مشتعلة.في خطوة سياسية لم تمر مرور الكرام، وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية المرتقبة في بغداد يوم 17 مايو/أيار. الخطوة جاءت ضمن مسعى أوسع للعراق لتثبيت موقعه كوسيط إقليمي قادر على جمع الفرقاء على طاولة واحدة، بعد سنوات من الحرب والإقصاء وسيناريوهات التباعد العربي.العراق، الذي خرج نسبيًا من عنق زجاجة أزماته الداخلية، بات يسعى إلى لعب دور أكثر فاعلية في محيطه العربي، مدفوعًا بإرادة استقرار وأمل بإعادة بناء شبكة تحالفات متوازنة. فدعوة الشرع التي تحمّل أكثر من معنى ليست مجرد حضور بروتوكولي بل هي رسالة سياسية مزدوجة إلى سوريا بأن العودة إلى الحضن العربي ممكنة وإلى العرب بأن بغداد لم تعد ملعبًا لغيرهم.لكن ما بدا كمبادرة دبلوماسية ناعمة من جهة الحكومة العراقية، قوبل بعاصفة رفض من جهة أخرى. فسرعان ما اشتعل الشارع السياسي العراقي، وتحديدًا القوى المنضوية ضمن “الإطار التنسيقي”، التي رأت في هذه الدعوة خرقًا غير مقبول، و”استفزازًا” لمشاعر طيف واسع من المجتمع العراقي، الذي لم ينسَ بعد ما تمثله الحكومة السورية من رمزية مثيرة للجدل، خصوصًا في ظل الانقسام الطائفي الحاد في المنطقة.فصائل مسلحة محسوبة على قوى سياسية مؤثرة أعربت عن غضبها الصريح، وتوالت البيانات والاعتراضات التي تُدين أي محاولة لـ”تبييض وجه النظام السوري”، على حد وصفهم. وترافق ذلك مع حراك برلماني نشط لتمرير مذكرة تطالب بمنع الشرع من دخول العراق. ومع اتساع رقعة الرفض، بدا المشهد وكأن القرار الرسمي يصطدم بجدار اجتماعي وسياسي غير متجانس داخليًا.وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، ظهرت مبادرة عربية خلف الكواليس، تقترح أن يرأس وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وفد دمشق في القمة، بدلاً من الرئيس الشرع. هذا الاقتراح بدا كحل وسط يُرضي الحكومة العراقية التي لا تريد نسف الجهد الدبلوماسي، ويُخفف في الوقت ذاته من وطأة الغضب الشعبي والسياسي الذي اشتعل كالهشيم في الداخل.المصادر الدبلوماسية التي سربت هذا المقترح أوضحت أن حضور سوريا ضروري لاستكمال مسار التطبيع العربي، لكن يجب أن يتم ذلك بـ”طريقة لا تجرح المزاج العراقي العام”، ولا تُحدث قطيعة جديدة قد تؤذي القمة قبل أن تبدأ.التقارب العراقي السوري، الذي يحاول أن يشق طريقه بين الألغام، يعكس طبيعة العلاقة المركّبة بين بلدين جمعتهما يوماً هوية قومية واحدة، وفرّقتهما الجغرافيا السياسية. فحلاوة التمر العراقي، رمز الوفادة واللين، تقابلها مرارة الزيتون السوري الذي تروي جذوره قصص صمود، لكنها لا تنسى طعم الدم والخذلان.ولعل ما يجعل هذا التقارب هشًا ومهددًا في كل لحظة هو إدراك الطرفين أن الاستقرار الإقليمي لا يُبنى فقط على النوايا، بل على واقعية سياسية تفرضها التحالفات والتوازنات الداخلية والخارجية. فالعراق لا يريد خسارة موقعه كدولة مستقلة القرار، وفي ذات الوقت لا يمكنه تجاوز وزن الشارع الرافض، وسوريا، التي تعاني من عزلة دبلوماسية منذ اندلاع الحرب، ترى في هذه الدعوة فرصة لإعادة تموضع.قد لا يحضر أحمد الشرع قمة بغداد، وربما يكون أسعد الشيباني هو من يُمثّل دمشق، لكن الحدث في ذاته يتجاوز مجرد من جلس على الكرسي. إنها لحظة اختبار كبرى لعراق ما بعد الحرب، وسوريا ما بعد العزلة، وعرب ما بعد الانقسام. إنها لحظة التمر والزيتون، لحظة تعلّم توازن الطعم، حيث لا تطغى الحلاوة ولا تهيمن المرارة، بل يلتقيان في وصفة دبلوماسية دقيقة ما زالت قيد التحضير.

المشـاهدات 35   تاريخ الإضافـة 23/04/2025   رقم المحتوى 62050
أضف تقييـم