النـص :
كانت الأمم التي سبقت بزوغ الإسلام تتفنن في صناعة الأصنام من الحجر والخشب والتمر ثم تلبسها لبوس القداسة والتعظيم، وكانت العرب من الأمم التي عُرفت بذلك فكانوا يصنعون الأصنام ويتقربون بها إلى الله تعالى، مع العلم أنه لم يكونوا يعبدونها من دون الله وإنما كانوا يرون أنها تقربهم إلى الله، وقد قال تعالى ذلك مخبراً عن حالهم: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"(الزمر: 3). ومع أن الإسلام حرر العقول من الاعوجاج الفكري والاعتقاد المغلوط فترك المسلمون الأصنام وعبادتها أو التقرب بها إلى الله، لكن عاد العرب والمسلمون إلى صناعة الأصنام وعبادتها ولكن هذه المرة ليست لأغراض دينية وإنما لأغراض دنيوية، فظهرت لنا أصنام سياسية، مادتها سياسيين وأصحاب مناصب ونفوذ. حيث أبى الذين لا مبدأ لهم ولا كرامة إلا أن يعيدوا الأصنام في حياة الناس، من خلال اسباغ التعظيم والتقديس والتبجيل المبالغ فيه على البشر، مع أن البعض من البشر يستحق التعظيم من خلال دورهم في أممهم وشعوبهم، فالأنبياء والمصلحون على مر التاريخ يستحقون هذا التعظيم والتبجيل والتوقير، وإن كانت العظمة لله وحده أولاً وآخراً. لقد حظي اليوم البعض من السياسيين وأصحاب المناصب من تعظيم وتقديس وتبجيل لا نظير له مع أن الكثير منهم تاريخهم وملفاتهم وثرواتهم وأموالهم شاهد حي على فسادهم ونهبهم لأموال الشعب، وإذا أردنا أن نُحسن الظن بالبعض منهم على الأقل نقول: انهم في موضع شبهة؛ نظراً للفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، والذي لم يسلم من الوقوع فيه أحد إلا ما ندر، وقد صدق أحدهم حين قال: في القانون المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أما في قانون المناصب والمسؤوليات في العراق فإن المسؤول متهم حتى تثبت براءته! إن هذا التعظيم لهؤلاء السياسيين وأصحاب المناصب لم يعد يقتصر على التملق باللسان والأقوال وإنما صار بالأفعال والأعمال، حيث ظهرت وبشكل كبير ظاهرة نصب صور وجداريات لهؤلاء السياسيين وأصحاب المناصب من قبل أناس متبرعين بنصبها في الطرق والأماكن العامة وقرب البيوت، فهل إقدام هؤلاء الذين يتبرعون بنصب هذه الصور والجداريات هي عن محبة وولاء؟ أشك في ذلك، بل أقوال وأنا جازم أن الذين ينصبون هذه الصور والجداريات مدفوعين بمصالحهم ومنافعهم، ويقودهم لذلك تملقهم ونفاقهم لهذا السياسي أو ذاك المسؤول. أقول لهؤلاء المتملقين والمنافقين أربعوا على أنفسكم، واجعلوا كرامة لأنفسكم إن كانت لكم كرامة، فالملك والمنصب لا يدوم لأحد، فهذا السياسي أو المسؤول لا يستطيع أن يقدم لكم خير أو يدفع عنكم شر إلا إذا شاء الله، فالله وحده بيده مقاليد كل شيء فهو الذي يعز ويذل، يرفع ويخفض، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء.
|