
![]() |
المسرح العربي مطالب بالانخراط في التجريد والتخلي عن أثوابه البالية في الإخراج هايل المذابي: المسرح باق بقدر تكيفه وتأقلمه مع متغيرات العصر |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
متابعة ـ الدستور يمتلك الكاتب والناقد المسرحي اليمني هايل المذابي رؤية نقدية وتقييمية خاصة لواقع المسرح العماني والعربي عموما، حيث يرى أن الهوية العُمانية متجذرة في النصوص الأدبية والثقافية منذ أمد بعيد، وهذا ما أشارت إليه الكثير من العروض المسرحية التي جعلت المواءمة بين الموروث الشعبي والعناصر الفنية الحديثة شأنا عُمانيا بامتياز.ويذكر الكاتب نموذجا عن ذلك، فيقول “قد رأينا كيف تحقق ذلك بجمال وإدهاش لا حدود لهما في عرض المخرج المسرحي العماني يوسف البلوشي، وهو يقدم النص المسرحي ‘أسطورة شجرة اللبان’، وهو ما نحتاجه اليوم في سياق المقاومة الثقافية والفنية ضد تمثلات النيو – كولونيالية.”
ضرورة ثقافية واجتماعية
وفي شأن الحاجة إلى المسرح اليوم، والتي باتت ضرورة ثقافية واجتماعية، والأدوات التي يجب أن ينتهجها المسرح كي يستعيد مكانته كمنبر للتنوير، قال الكاتب في حوار نقلته وكالة الأنباء العُمانية “المسرح يعد تراثًا لاماديًا… والحاجة إليه لا تنتهي، ومثلما استطاع أن يثبت وجوده دائمًا من خلال الانتصار للقيمة الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، فلا شيء يلزمه من الأدوات أكثر من الحفاظ على مسار الترويج للقيم، وتعزيز حضوره إعلاميًا لاستعادة وزنه وثقله الذي فقده حين تخلّى عن التغذي على تلك القيم والترويج لها.”ويشير المذابي إلى الطفرات التكنولوجية التي باتت تلامس واقع المسرح بصورة كبيرة، قائلا “لقد فرضت التكنولوجيا الحديثة تدخل الأتمتة في كافة الصناعات، وتُسمى الصناعات التي تتدخل فيها التكنولوجيا بالصناعات الصاعدة، وما دونها بالصناعات الهابطة. وأما تدخلها في الصناعة المسرحية، فيعني استخدام الآلات التي تروّج لطريقة مبتكرة جديدة لرواية القصص المسرحية. والأتمتة ممارسة جديدة في الصناعة المسرحية، ومثيرة لرواية قصة باستخدام عناصر الآلات والتكنولوجيا التي يمكن أن تغير فضاء العرض. ويمثل استمرارها ثورة في المسرح، خصوصًا في ما يخص تقنية كسر القواعد؛ إنها تمثل دفعة بالمسرح إلى حدود جديدة.”ويوضح أنه “يمكن رصد ملامح متغيرات التكنولوجيا والأتمتة في فضاءات العرض المسرحي وتحديدها في ثلاثة اتجاهات، وهي: الاتجاه المرئي، والاتجاه السمعي (الصوت)، والاتجاه الشمي (الرائحة). لقد جعلت التكنولوجيا الحديثة وعملية الأتمتة من السهل على فضاءات العرض المسرحية ترقية المظهر المرئي لمنتجاتها، وإنجاز مجموعة متنوعة من المهام؛ من خلال صناعة التكنولوجيا المرتبطة بالسينوغرافيا، ومن خلال الأتمتة والطباعة ثلاثية الأبعاد، يمكن إنشاء العروض المسرحية بشكل أسرع، وفي نفس الوقت تحتوي على المزيد من التفاصيل والإثارة، وتجذب المشاهدين بشكل أعمق إلى فضاء العرض وقصة العرض المسرحي.”بالإضافة إلى ذلك يقول الكاتب إن التكنولوجيا الجديدة “تسمح للإنتاج المسرحي بدمج الفيديو والوسائط المتعددة الأخرى. كما أن تقنية الفيديو تضيف بُعدًا إضافيًا وتمنح المصمِّمين المعتمدين مزيدًا من اللعب أثناء صياغة الإنتاج. ولنتحدث عن الإضاءة، فهي مجال آخر أثرت فيه التكنولوجيا في سياق التجربة المسرحية وفضاءات العرض، ففي القرن التاسع عشر غيّرت الأضواء المسرح، حيث أمكن توجيهها باستخدام العدسات والعاكسات والمرايا؛ واستمر ذلك حتى تم استبدال العدسات والمرايا العاكسة والإضاءة الشمسية في القرن العشرين بالإضاءة الكهربائية التي تطورت وصولًا إلى أنظمة الإضاءة الحديثة اليوم.”وأشار المذابي إلى الكيفية التي يمكن للمسرح أن يواكب من خلالها العصر الحالي دون أن يفقد جوهره الفني والإنساني، قائلا “من الصحيح القول إن بقاء كل شيء مرهونٌ بجوهره، أما الشكل فلا يجب الاختلاف عليه أو الفزع من تغييره، لأن لكل عصر معطيات ثقافية وأدوات جديدة ينبغي مواكبتها والتكيف معها. أي إن الجوهر هو شرط بقاء وجود المباني والقوالب والأنماط الفنية والثقافية على مر الدهور دون اشتراط أي شكليات محددة لها، وخاصية التكيف وقابلية التأقلم تمثل استعدادًا فطريًا مسبقًا لدى الإنسان. أما الجوهر، فيمكن التمثيل له بالقيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، التي يقابلها في الأعراف الأنثروبولوجية ما نسميه “المعنى أو الجدوى”، وهذا المعنى مرتبط بغرائز الإنسان وفطرته. وأما قابلية التكيف والتأقلم، فهي شرط بقاء الإنسان على قيد الحياة، وهو ذاته ما يُسقَط على المعطيات الثقافية والفنية ومظاهر كل عصر جديد وأدواته.”ويُوضِّح “إذا تأملنا حالة المسارح منذ فجر التاريخ، سنجد أنها مختلفة ومتباينة في شكلها، أما تشابهها فهو في الجوهر. لذلك يمكن القول إن معطيات ومظاهر عصرنا اليوم قد تحيل الشكل المألوف للمسرح إلى شكل آخر تمامًا، والبقاء سيكون للأقدر على التكيف والتأقلم مع هذه المتغيرات والمعطيات المستحدثة، وإن كان ثمة رهان وإصرار وتعصب، فينبغي أن يكون في اتجاه الحفاظ على المعنى والجوهر فقط. إن الخوف، كل الخوف، من تسلط البنيوية الرأسمالية وتوغل مظاهرها في المشهد المسرحي العربي والعالمي.”
وجود مرتبط بالصراعات
لأن الكاتب اليمني المذابي ممارس فاعل في حركة النقد المسرحي، وله إسهامات واضحة في هذا المجال، فإنه يشير هنا إلى دور التجريد الفني في مواجهة هيمنة المسرح التجاري والفرجة السطحية، ويتساءل بوضوح عمّا إذا كان الجمهور في المنطقة العربية قد بات مهيّئًا لتلقي هذا النوع من المسرح “التجريدي”.ويؤكد “بقدر ما أتابع العروض المسرحية، أتابع أيضًا أفلامًا سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، منها القديم ومنها الجديد. وما يدهشني هو قدرات بعض المخرجين على التجريد؛ تجريد معاني النص إلى إشارات وعلامات وألوان أحيانًا، وأفعال وسلوكيات وزوايا وتقنيات تصوير وإضاءة. لكنها، رغم ذلك، تُستخدم بترشيد بالغ في الكثير من الأعمال الفنية؛ لأنها تتطلب الموهبة والاحترافية. فالتجريد للمعاني في فن الإخراج أحد أمرين: إما أن تكون موهوبًا وقادرًا باحترافية عالية على التجريد للمعنى، أو غير موهوب وغير قادر على التجريد، فتسير في طريق العاديين من المخرجين.”ويوضح أن “التجريد في الإخراج الفني هو عملية تحويل الفكرة أو القصة إلى شكل فني مجرد، بعيدًا عن التفاصيل الحقيقية، ويهدف إلى التركيز على الجوهر والفكرة الرئيسية للقصة، بدلًا من التفاصيل الثانوية. وكذلك تجسيد العواطف والانفعالات من خلال الأشكال والألوان والموسيقى، بدلًا من التعبير المباشر، بالإضافة إلى تحفيز خيال الجمهور وتفكيره من خلال تقديم أشكال مجردة ومفتوحة للتفسير، مع القدرة على تجاوز الحدود والقيود الثابتة للواقع، وتقديم رؤية فنية جديدة. ويمكن أن تظهر هذه العملية في الأشكال والمواد المستخدمة في الإخراج والألوان والمواد الضوئية والموسيقى والصوت، وكذلك الحركة والرقص.”ويؤكد أن “التجريد موهبة تتطلب الصبر على التأمل، والقدرة على التركيز، والتفكير العميق، وملاحظة علاقات الأشياء ببعضها، والمعنى الإجمالي من كل موجود. ولعل مسرحنا العربي اليوم في أمسّ الحاجة إلى استيراد مثل هذه التقنيات من عالم السينما والتلفزيون العالميين، لا لشيء إلا لتطوير المسرح وتحديث آلياته، وزيادة جمالياته. إن فن التجريد في المسرح يعني تشييء الخشبة واستثمار كل محتوياتها، بما فيها كل مكونات السينوغرافيا، لتجريد معاني العمل المسرحي. إنها موهبة أن تصنع أشياء كثيرة لقول أشياء كثيرة من أبسط الأشياء وأتفهها وجودًا على الخشبة وفي فضاء العرض. وربما نجد لها وجودًا في بعض الأعمال المسرحية العربية، لكنها ضعيفة الحضور ومقتصرة على اللونيات والإضاءة، بينما هي غائبة تمامًا عن تفاصيل الحركة.”ويفترض الكاتب المسرحي أنه “إذا كان هناك عصر لتجريد المعاني يمكن أن نطلق عليه لقب “العصر الذهبي للتجريد” فهو هذا العصر الذي نعيشه. ويجب، بالضرورة، أن ينخرط المسرح في التجريد، ويخلع عنه أثوابه البالية في الإخراج، ويمتحن من موارد التجريد قدر ما يستطيع، شأنه في ذلك شأن السينما والتلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي.”وفي ما يتعلق بتطوير الذائقة المسرحية لدى الأجيال الجديدة في ظل الفضاءات المفتوحة، يتحدث المذابي عن كيفية تحقيق ذلك قائلا “مشكلة الفضاءات المفتوحة في العصر الحالي هي أن التكنولوجيا تفرض على الأجيال الحالية ثقافة انعزالية أو انطوائية؛ لذلك تُعد الفضاءات المفتوحة إبحارًا ضد التيار وتحديًا لعادات التكنولوجيا وتقاليدها. ولنتأمل فقط حال الأطفال والناشئة قبل 20 عامًا وحالهم اليوم؛ فقبل 20 عامًا كان الآباء والأمهات يستميتون من أجل أن يلزم أبناؤهم البيوت، أما اليوم فهُم يستميتون في سبيل إقناعهم بالخروج منها! هذه الثقافة فرضتها التكنولوجيا.”لذلك يشدد الكاتب على أنه “إن كنا سنبحث في تطوير الذائقة أو النصوص المسرحية وتسخيرها للمواكبة، فيجب أن تذهب الجهود في ذلك المسار الذي يُطوِّع التكنولوجيا وثقافتها من أجل خدمة المسرح، لا من أجل تحديها أو معاكسة تيارها.”أما في واقع أزمة النصوص المسرحية والإخراج والإنتاج المسرحي، فيوضح المذابي وجهة نظره بالقول “لا أعتقد أننا نواجه أزمة نصوص مسرحية، ولكن توجد أزمة دراماتورجيا، أي ما يمكن أن نطلق عليه دراسة التكوين الدرامي وتمثيل العناصر الرئيسية للدراما على المسرح، لأن معالجة النصوص المسرحية أهم من القدرة على كتابتها.”ويقترب المذابي من مستقبل المسرح في ظل التحولات في المنطقة العربية، ويؤكد “سيبقى المسرح، في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية الراهنة، أو ما سبقها، أو ما سيأتي بعدها في المنطقة العربية، لأن وجوده مرتبط بوجود صراعات وحاجة المجتمعات إلى القيم والترويج لها. فالصراع ثابت، والقيم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية حاجة أزلية مُلحّة. وعليه، فلا يجوز بأي حال من الأحوال مقارنة المسرح بأي منتج أو قالب فني مستحدث أنتجته التحولات الثقافية والصناعية مثل السينما ووسائل التكنولوجيا الحديثة؛ لأن هذه القوالب طارئة، ستمحوها مخرجات التحولات القادمة.”
|
المشـاهدات 19 تاريخ الإضافـة 29/04/2025 رقم المحتوى 62253 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |