الثلاثاء 2025/5/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 30.95 مئويـة
نيوز بار
ميسان تعيد تشكيلها الحضاري بقيادة محافظها حبيب ظاهر الفرطوسي
ميسان تعيد تشكيلها الحضاري بقيادة محافظها حبيب ظاهر الفرطوسي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب سالم رحيم عبد الحسن
النـص :

 

 

 

ميسان، أو "ميشان" كما ورد اسمها في النقوش التاريخية، محافظةٌ تقع في جنوب العراق، يعود أصلها إلى مملكةٍ ضاربة في عمق الحضارة، ازدهرت في القرن الثاني قبل الميلاد (141 ق.م). كانت منارةً تجارية وثقافية كبرى على ضفاف نهر دجلة، محاطة بالمستنقعات وغابات القصب والبردي، التي شكّلت نظاماً بيئياً فريداً وكانت ملاذاً آمناً للهاربين من بطش الحكّام، ومعقلاً للثورات والحركات الشعبية. على مدى قرون، عانت ميسان من التهميش والإهمال، نتيجة تعاقب الاحتلالات وانتهاءً بسنوات حكم البعث القمعي. غير أن المحافظة تشهد اليوم تحولاً نوعياً غير مسبوق، بقيادة محافظها الحالي حبيب ظاهر الفرطوسي، الذي وضع نصب عينيه استعادة الوجه الحضاري والثقافي لميسان، والعمل على تطوير الجانب الاقتصادي مستنداً إلى إرثها الغني وموقعها الجغرافي الاستراتيجي وما تملكه من خيرات حباها الله بها. 

 

نهضة عمرانية وثقافية شاملة 

 

في عهد الفرطوسي، يشهد الواقع الميساني تغيّراً ملموساً عبر مشاريع تنموية متعددة تهدف إلى إحياء الهوية الثقافية للمنطقة. فقد بدأ العمل بإعادة تأهيل المواقع الأثرية والتنقيب عن الكنوز التاريخية المدفونة، إلى جانب دعم المشهد الثقافي من خلال تنظيم مهرجانات شعرية، وندوات فكرية، وفعاليات فنية تعكس ثراء التراث المحلي. 

 

الاقتصاد: عصب التطوير 

 

يمثل الاقتصاد حجر الأساس في هذه النهضة، حيث تحتضن ميسان أحد أغنى الحقول النفطية في العراق، ما يجعلها رافداً مهماً في دعم الاقتصاد الوطني. وإلى جانب النفط، انتعشت مشاريع الزراعة وصيد الأسماك، مستفيدة من بيئة الأهوار الغنية. على الرغم من أزمة المياه التي يعاني منها العراق، تحرص الحكومة المحلية على تعزيز مناخ الاستثمار، وتطوير الصناعات التحويلية، وخلق فرص عمل من خلال دعم ريادة الأعمال وتمكين الشباب. 

 

السياحة: تاريخ وطبيعة وثقافة 

 

تُعد ميسان من أبرز الوجهات السياحية العراقية، بفضل تنوعها الطبيعي والثقافي. أهوارها المُدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو تمثل جوهرة بيئية نادرة، إلى جانب المواقع الأثرية التي تعود إلى العصور السحيقة. وتضم المحافظة مرقد النبي العزير الذي تُقدّسه الديانات الإبراهيمية، ومرقد السيد أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية الصوفية، إضافة إلى العديد من مراقد الأولياء الصالحين، ما يعزز مكانتها الدينية والثقافية. ومع تحسّن البنية التحتية، باتت ميسان تستقطب الزوار من داخل العراق وخارجه في رحلات ثقافية وسياحية متكاملة. 

 

الثقافة والفن: هوية تتجدد 

 

عُرفت ميسان عبر التاريخ بأنها منبعٌ للشعر والموسيقى والفنون الشعبية. فقد أنجبت المحافظة نخبة من الأدباء والفنانين الذين تركوا بصمة واضحة في الثقافة العراقية. واليوم، تشهد حركة ثقافية نابضة بالحياة، عبر مهرجانات أدبية وملتقيات فنية تُسهم في ترسيخ الهوية الميسانية وتعزيز دورها في المشهد الوطني. 

 

النسيج الاجتماعي: توازن بين الأصالة والانفتاح 

 

يتميّز المجتمع الميساني ببنية اجتماعية قائمة على تقاليد قبلية عريقة، أسهمت في حفظ السلم الأهلي والتماسك المجتمعي. وتلعب العشائر دوراً فاعلاً في حل النزاعات وتحقيق الاستقرار، ما يجعل من ميسان نموذجاً فريداً في الجمع بين القيم التقليدية وروح الانفتاح والتطور المدني. 

 

نحو المستقبل: حضارة تنبض بالوعي والإرادة 

 

ما يميز ميسان في رحلتها الراهنة هو وعي أبنائها المتزايد بأهمية تاريخهم، وسعيهم لإعادة موضعة محافظتهم في الخارطة الثقافية والاقتصادية للعراق. فقد بدأت الجامعات والمراكز البحثية المحلية بإعادة دراسة تاريخ المنطقة، فيما بات الفن والأدب وسيلة حيّة للتعبير عن تطلعات الشباب.  إن ميسان، وهي تعيد تشكيل ذاتها، لا تسعى فقط لاستعادة أمجاد الماضي، بل تتطلع إلى المستقبل بثقة، مؤمنةً أن الحضارة ليست مجرد أطلال، بل هي مشروع متجدد من الإرادة والوعي، يسكن الإنسان قبل أن يسكن الأرض.

المشـاهدات 47   تاريخ الإضافـة 03/05/2025   رقم المحتوى 62453
أضف تقييـم