
![]() |
حرب ضد الفايروس الكارثي المدمر في... محنة كورو دراسة نقدية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : يوسف عبود جويعد تًعد رواية "محنة كورو" للروائية رغد السهيل، واحدة من السرديات النادرة، التي توظف العلم والثقافة والتوعية، ضمن مبناها السردي، ليكون الثيمة الأولى لمتن النص، وهي تضعنا وسط ما حدث للعالم أجمع، أبان انتشار الوباء القاتل المدمر (كورونا)، الذي أخل بنظام الحياة، وجعل بلدان العالم تعلن حظر التجوال، وتطلب من الجميع البقاء في مساكنهم، وعدم الخروج للوقاية من هذا الزائر الخبيث، وفي بلدنا الذي أنتشر فيه الوباء شأنه شأن بقية دول العالم، تضافرت الجهود لمواجهة صراع غريب من نوعه، وحرب لا تشبه كل الحروب، حرب لتدمير كائن صغير لا يرى بالعين المجردة، وهو يتناسل ويتكاثر وينتشر، بمجرد أن يخترق جسم الانسان من خلال الفم والانف، ليتحول الى رذاذ، يبيد البشرية، والدكتورة رغد السهيل مؤلفة هذه الرواية، وبحكم اختصاصها في علم المناعة والاحياء المجهرية، أنبرت وهيأت كل معلوماتها لتكون واحدة من الجنود البيض، الذين يدخلون هذه الحرب، من أجل محاربة هذا الفايروس المدمر والحد من انتشاره، وايقاف نموّه، وهكذا فإن روايتها هذه هي حكايتها وحكاية شعب واجه هذا الوباء، فالدكتورة خلود بطلة هذه الرواية هي ذات المؤلفة الثانية في هذا النص، وكانت مهمتها، نشر التوعية الصحية والوقائية والتعريف بهذا الفيروس وكيفية النجاة منه، من خلال صفحة التواصل الذي جعلته غرفة لمواجهة هذه المحنة "محنة كورو"، كما تشير بنية العنونة، وتبدأ أحداث هذا النص، منذ انطلاق الشرارة الاولى أي هذا الفايروس من فم (هورشو)، لينتشر في أرجاء المعمورة، وتمتلئ المراكز الصحية بصرعى هذا الوباء. ومن الملفت للانتباه أن المؤلفة اوكلت مهمة سرد الاحداث وادارتها، لفايروس كرونا ليقدم لنا الاحداث من خلال مجهره الصغير الذي يرى البشر عمالقة، ويراهم من زاوية النظر تلك. "نظرات غير مستقرة، تراجع إلى الخلف، فلمستُ سبابته حافة المقعد الدوار، فالتصقت بإصبعه، كم كنت محظوظاً" (ص 7 ) وتكشف لنا المؤلفة خطورة عدم اللامبالاة والاهمال، في ما يخص الوقاية الصحية، ومواجهة هذا الوباء، حيث يعد عدم العناية الصحية، وكشف منافذ دخول الفايروس الفم والانف، دون ارتداء قناع الوقاية، واستخدام المطهرات ثغرة واضحة لهذا الفايروس للتسلل، ثم التناسل داخل خياشيم الانسان، ليتناسل مرة اخرى، من خلال الرذاذ المتناثر وينتشر كالنار في الهشيم: "فلقد استنسخت ذاتي لملايين النسخ في فم حبيبي الجديد خلال الليل، فأنا أفضّل العمل في الظلام، وقد اكتسبت هذا من هورشو. اختارت بعض نسخي الانتقال إلى عمالقة آخرين، فانتشروا محمولين على بساط الرذاذ المندفع من أنفاس العملاق صفر" (ص 13) وهكذا فإن الفايروس (كورو) يسر بحصوله على فريسته، ويسميه حبيبه لأنه يعده للهلاك، أما الدكتورة خلود فإنها عدوته اللدود، لأنها تحاول أن تحد من انتشاره وتوقف نموه، من خلال نشرات التوعية الصحية التي تنشرها في صفحتها على الفيس، وتطالب بضرورة ارتداء الكمامات باستمرار،ـ وعدم التلامس، والابتعاد عن المصابين، والبقاء في مساكنهم، في فترات حظر التجوال، كما تعرفهم بهذا الفايروس، وكيف يخترق جسم الانسان، وكيف يتحور، وهي لا تتوانى عن خدمة الناس ليل ونهار ودون كلل وتعب. ومع مهمة (كورو) في تدمير الانسان، الذي يسميهم العمالقة، الا أن مهمته في سرد الاحداث مستمرة، وهو يسرد ما يحدث أمامه، وكيف يصطاد فريسته، فضلاً عن الاحداث الجانبية التي تقتضيها عملية بناء الرواية. وتكشف لنا المؤلفة خطورة التجمعات في تلك المرحلة، كالأعراس والمآتم، والاحتفالات والتجمعات الاخرى، التي تكون لقمة سائغة وسهلة لهذا الفايروس للفتك بهم، وارسالهم الى الهاوية. وتكشف لنا الروائية مدى حقد وكره هذا الفايروس، لمن يواجهون الصراع معه: "هذا هو (الهاشتاك) الذي استخدمته قائدة موكب الحقراء العملاقة خلود في صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بها. متوهمة أني أمتلك قروناً كالثور الذي ينطح المخلوقات. إنها مخلوقة عُجنت باللؤم وتشربت بالحقد.. تعلن يومياً عن طرائق لإبادتي من دون رحمة، متجاهلة أن وجودي بينهم لأني أحبهم حتى أظلّ قيد البقاء، تمنيت لو أني تحورت لأتمكن من تعطيل حاسوبها الذي تعيش داخله، واوقف حملتها ضدي." (ص 81 ) وهذا هو حقيقة ما قامت المؤلفة الدكتور رغد السهيل، على أرض الواقع فقد كانت من الجنود البيض بصراع دائم وقائم ومستمر ليل ونهار من أجل القضاء على هذا الفايروس الكارثي المدمر.. وتستمر الاحداث تأخذ مسارها الصحيح في عملية بناء النص السردي، دون أن تحدث المؤلفة أي ارباك أو خلل فني في سياق الرواية ومسيرتها المطلوبة، حيث عنونت فصول روايتها بعناوين لها صلة وثيقة بمسار الاحداث وجزء منه، وهي عناوين تشير الى هذا الصراع، ومواجهته، ويظل السارد هذا الفايروس المدمر، من يدير دفة الاحداث، ليرى الناس عمالقة ويتحين الفرص للانقضاض عليهم وتدميرهم، من أجل أن يبقى ويتكاثر. وتقدم لنا المؤلفة وهي تختتم روايتها نصاً تأويلياً من خلال السارد (كورو): "وما أن طارت حتى لمحتُ من النافذة نهراً جارياً أحمر اللون على ضفته جبل ضخم مدهش من النفايات المتكدسة اخترقت قمته الغيوم... يا للفظاعة!" (ص219 ) رواية "محنة كورو" للروائية رغد السهيل، رواية نادرة وقل نظيرها لأنها سردية توعوية وتعبوية وصراع لحرب الفايروس. من اصدارات المؤسسة العربية للدراسات والنشر لعام 2023 |
المشـاهدات 25 تاريخ الإضافـة 05/05/2025 رقم المحتوى 62525 |