
![]() |
خالد محمود قصيدة تمشي على الأرض |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ناصر أبو عون خالد محمود شاعر مصري علاقتي به لا تتعدى إطارات شاشة الفضاء الأزرق (نداّهة الذكاء الاصطناعي) التي سرقت الأوقات الغضة الطرية من أعمارنا، وسَطَتْ على الواقع الاجتماعي الذي يتكامل فيه القبح مع الجمالي، وأبدلتنا حياة افتراضية ممسوخة؛ أولها كذب، ووسطها خداع، وآخرها انسلاخ من التاريخ والقيم.. خالد محمود خلاصة شاعر يكتب نفسه قصائد؛ تنضح بالشعر، وتنزّ بالفلسفة، ويبتدع صورا فنية بسيطة لا تتقصّد الإغراب، ولا تتوسل بالذهنيّ، إنها صور بصرية مدهشة وصادمة في آن واحد تعتمد الحسيّ، وترتكز على مفارقة الانزياحات اللغوية، وابتكار تراكيب بسيطة في مبناها مدهشة في معناها، تتولّد منها إدهاشات تحرك مخيلة المتلقي، وهذا ما يجعلها قصيدة تواصلية بامتياز، وصورة كلية واحدة يمكن تفكيكها إلى مجموعات جزئية من الصور التي تتكامل فيما بينها لتصنع مشهدا شعريا واحدا؛ كما في هذا النموذج[لمّينى لاحسن بنفرط/ من دا الخرس/ رُطب السُكوت/ مش مَهر مُهرّه/ بتشتهى يظهر فرس/ يرمح معاها../ لمُنتهى السفر الأخير/ مُرغم ياطير ع الزقزقه/ على عش غير العش/ ووش خالى من البراح/ وسماه حدودها ضيّقه]. وإذا كان التشبية التمثيلي يعتبر أقصى امتداد للصورة البلاغية الذي وصفه شيخ النقاد (عبد القاهر الجرجاني) بقوله:"إن المعني إذا أتاك ممثلا فهو في الأكثر يتجلي لك بعد أن يحوجك إلي طلبه بالفكرة وتحريك الهمّة في طلبه وما كان منه ألطف كان امتناعه عليك أكثر وإباؤه أظهر و احتجاجه أشد؛ فإن المعاني الشريفة اللطيفة لابد فيها من بناء ثانٍ على أول و رَدُّ تالٍ إلي سابق" وهذا ما نقرأه ونستشفه من هذا المشهد التصويريّ:[وبقالك عِند.. قادر يتحمل صهد البُعد.. قادر ع الليل من غير صوتي/ ولا عاد يشتاق لليالي الصُلح/ لو عدى اليوم بين جذر ومدّ/ ولا بقى مستعجل ييجي الصُبح/ علشان يتلقى حنان ع الخد/ وشفايفي بتعلن عن شوقي/ لّلَمسه اللي بتحيينى بجد/ مابقتش خلاص مستنيني/ ولا قلبك مشتاق لحنيني/ ملعون العِند]. وتختال الصورة في قصائد خالد محمود، جمالا وتيهًا، وتثقب أشعتها روح المتلقي؛ فقوسها الخيال، وقناتها الجمال، وسهمها الدهشة؛ إنها صورة حسيّة محضة يمكنك أن تلتذ بجمالياتها، وتتعرّف عليها بحواسك الخمس؛ فبِنْيتها الألفاظ البهيّة، وعمودها الفقريّ المعاني المبتكرة، ووسيلتها الفاعلة الإغواء والابتكار لمشاهد خارج المتوقّع والمألوف؛ عناصرها البديع والبيان، وترتكز على التشبيه، وتدور في فلك الاستعارة، ولاتخرج عن المُدركات الحسية؛ كما في هذا المشهد الذي رغم فانتازيته إلا أنه يقف بقدمين على أرض الواقع:[وأقوم من نومي على صوتي/ بيندهلك وماترديش/ ماكانش ضروري قدامهم/ تفر دموعى من قلبي/ واتنهد بصوت عالى/ ف صهد حريقي يلسعهم/ يبصوا لبعض بستغراب/ وتملا وشوشهم الدهشه/ منين موجوع.. ومش قادر على بعادها/ وقاعد لسه ويانا/ ومش واقف على بابها]. خالد محمود شاعر غير متكلّف؛ لكنه بارع في نقل تجاربه الحياتية عبر صور شعرية، بعد أن يلتقطها بكاميرا العقل الواعي (التصوّر)، ثم يقوم بتحميضها في معمل الروح في شكل بهيّ فاتن (التصوير) بفكر ناضج، ولسان حكيم، ولغة إبداعية راقية؛ لكن الأجمل في إبداعه هو قدرة صوره الشعرية على نقل انفعالاته الطازجة غير المتكلّفة إلى المتلقي.. تفضّل واقرأ معي هذا المقطع لتكتشف بنفسك:[على بابك ولا بحيا ولا بموت/ وسنين بتعدي و عُمر يفوت/ فى كفوفك حنَّه بريحة الجنَّه/ فى شفايفك جنَّه بطعم التوت].وغالبا ما تنطوي وظيفة صوره الشعرية على رؤية استنهاضية وتحريضية تسعى إلى تثوير القاريء على ذاته، وإشعال حطب التمرّد على نمطية حياته الزائفة. إذن الصورة الشعرية عند خالد محمود هي التي تقود الألفاظ، وتتسع مدارات المعاني في دوائرها، وكلما أمعنا التأمل في بِنيتها، أفاءت علينا فيضًا من الإشعاعات والطاقات والرؤى، وكلما عاودنا قراءتها تجددت مشاعر الدهشة دواخلنا. وهذا النوع من الصور يشكل الأعم الأغلب من الإنتاج الإبداعي لدى الإنسان خالد محمود؛ الذي يقاوم السطحية والابتذال واقعا وشعرا كمبدأ ثابت يعيش من أجله:[أهو بنعافر/ جايز يقبل يؤمن بينا/ الزمن الكافر/ ويصدق إن الأحلام/ بتحلِّي مرار الأيام/ وتخلِّي الأحزان تتاخر] ولكنها صور شعرية حداثويّة تخاصم التقريرية، وتقاطع المباشرة(التسجيلية والسطحية)، وترفض التنميط والقوالب سابقة التجهيز المروثة من الشعر العربي القديم، وتنتقل بنا إلى العصر الحديث وتحدد هدفها في إنجاز هدفين لا ثالث لهما؛ أمّا الهدف الأول فيتمثل في: اختراق ذهنية وذات المتلقي، وأمّا الهدف الآخر فهو الوسوسة للمتلقي لتثويره على ذاته وهي في المقام الأول صورٌ إيحائية تتخطى الدلالات الظاهرية والباهتة، وتنفذ إلى ما وراء المعاني. [تعالى نودّع امبارح/ ونستقبل جمال اليوم/ وننسى كل شئ جارح/ مافيش ابداً وجع بيدوم/ ونحلم بالحياة بكره/ ويصبح حلمنا فكره/ تنوّر سكة التايهين/ وانا وانت نكون حبيبين/ بيتباهوا..بقوة عقلهم فى الحب] وإجمالا لما تقدم يمكننا القول: إن الصور الشعرية في قصائد الشاعر المصري خالد محمود تحقق الانزياح اللغوي، وتتجاوز المألوف، وتحقق الدهشة، وتكسر أفق التوقّع:[شجر التوت/ ياشجر التوت/ لما السنين بتفوت/ بيحدّفُوك بالحجر/ وانت تسقَّط ثمر/ وتحلِّي بُق القمر]. |
المشـاهدات 17 تاريخ الإضافـة 11/05/2025 رقم المحتوى 62728 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |