الإثنين 2025/5/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 41.24 مئويـة
نيوز بار
القراءة والكتابة .. انموذجا ..
القراءة والكتابة .. انموذجا ..
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

محمود آل جمعة المياحي

 

     تُعتبر القراءة والكتابة احد اهم مفاتيح الثقافة ومصاديق الوعي عند البشر، وهي الوسيلة المثلى لنقل الأفكار وتلاقح الثقافات وتجاذب الحضارات، وكانت القراءة العنصر الجوهري في حياة العلماء والمفكرين والباحثين، ويحدثنا السلف الصالح اذ يروي احد تلامذة الخليل بن احمد الفراهيدي عندما كان يحتضر على فراش الموت فقال لشيخه .. ماذا تشتهي في هذه اللحظة وانت تفارق الدنيا ...؟ فرد عليه الشيخ الفراهيدي .. اشتهي ان اقرأ حواشي الكتب ..! جواب عتيد ترك ومضة كبيرة لشغف القراءة عند العلماء تتعدى لحظات الاحتضار عند الموت ..! فبعد ان كان (الكتاب) خير جليس و(القراءة) خير انيس أصبح اليوم (الهاتف المحمول) هو الانيس والجليس والونيس! متحديا بذلك ما جاء به السلف الصالح من شغف القراءة و الكتابة ، فالقراءة لم تعد هي صاحبة القدح المُعلى في العلم والمعرفة والثقافات العامة ، واصبح ذلك جليا مع دخول الالفية الثالثة وهيمنة الحواسيب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية على محور الثقافات العامة ، فتغيرت طرق القراءة والكتابة واصبح (الكتاب ) مرحوما مركونا على رفوف الزمن الغابر ، والقارئ اختار الذهاب الى اقصر الطرق في البحث والاستدلال والمتابعة عن طريق الدخول الى الشبكة العنكبوتية ( الانترنيت ) وقنوات التواصل الاجتماعي ومحركات كَوكَـل العملاقة ، ولم تكتف التكنلوجيا من تحجيم عقولنا وقدراتنا حتى جاء الذكاء الاصطناعي _ Artificial Intelligence)) ليصبح بديلا معتمدا عن الدماغ البشري في التفكير والتحليل والاستنتاج وكتابة المقالات والاشعار.... الخ، وبذلك تراجع مستوى النشاط الفكري والابداعي لدى الانسان مما جعل كثير من المنظمات في العالم تُجري مسوحا عن عدد الأشخاص الذين يمارسون القراءة التقليدية في مختلف بلدان العالم ! لذا قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمهارات القراءة والكتابة والحساب بأخذ عينات من 31 دولة شملت 160 الف شخص من البالغين بين سن ( 16-65) فكانت النتائج تؤشر هبوط في مستوى القراءة بشكل كبير في 13 دولة منها كوريا الجنوبية ونيوزلندا وليتوانيا مع بقية الدول ، وتحسنت فقط في دولتين هي فنلندا والدنمارك اللتان اعتمدتا القراءة والكتابة التقليدية والتركيز على التعليم عالي الجودة  كواحدة من الأعراف الاجتماعية لدى العائلة والتأكيد على فن القراءة والمتابعة لاكثرية السكان وبالأخص الذين تتراوح أعمارهم بين 16- 24 سنة معتمدين على أهمية النص المكتوب الذي يزيد من التركيز والتقصي والادراك والفهم  مبتعدين عن النصوص المرسلة عبر وسائل الاتصال المنتشرة حاليا والتي تجعلهم مستهلكين للثقافة غير منتجين لها! اما في أمريكا صاحبة الشأن الكبير في التقدم التكنلوجي فقد انخفض مستوى القراءة الى دون 50% ، وقد تباين بين القراء الحاصلين على مستوى عالي بالدراسة وآخر متدني دون الثانوية ، وتشير الإحصاءات الى ان واحد من ثلاثة أمريكيين من الصنف الثاني يقرأ بمستوى طالب في الابتدائية ! ولا يبتعد الحال في إنكلترا التي افَـلت فيها القراءة مثلما افـلت الشمس عن مستعمراتها اذ اشارت الحكومة البريطانية ان خُمس البريطانيين لم يقرأوا كتابا واحدا خلال السنة ! وان نسبة الامية مرتفعة في المجتمع الإنكليزي نتيجة الازمات الاقتصادية والبطالة مع ازدياد هجرة الشباب للبحث عن عمل!! اما السبب الحقيقي للعزوف عن القراءة التقليدية هو انتشار الحواسيب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية التي تُرسل ثقافات جاهزة مليئة بالتفاهات والتجاذبات الهزيلة ...الخ ، اما في العراق فالحال لا يختلف كثيرا، فبعد ان كان للكتاب شانٌ كبير وللقراءة ميزة واضحة على المواطن العراقي جاء الطوفان التكنلوجي ليغرق الجميع في دوامة محركات البحث ومواقع التواصل المختلفة وانشطة الذكاء الاصطناعي ، كلها وضعتهم في فضاء مفتوح لا حدود له يضيف لهم التجهيل والكسل والمعرفة السطحية ، ويظهر ذلك واضحا مع صعود الذكاء الاصطناعي ( Ai ) الذي ازهق روح الابداع المتدفقة عبر اوردة الكتابة ،فتغيرت طريقة التعامل والفهم للنصوص وآلية البحث عن المعلومة لاسيما ان هذه الاداة (Ai ) قوية ومغرية ترغم المتلقي للانصياع لها، وقد حذر العالم ستيفن هوكينغ عام 2014 من كثرة الافراط في استخدام ( Ai) وبكل انواعه وانه سيتجاوز على الدماغ البشري ويتفوق عليه ويجب فرض الحوكمة عليه للحد منه ! فهل اصبحنا  في مجتمعات ما بعد القراءة والكتابة بفعل الثقافة الجاهزة ! والآلة متفوقة علينا بكل نواحي الحياة تقريبا، وهذا يعني ان التطور التكنلوجي زاد من جهل البشر لوجود مَنْ يفكر عنه دون عناء او تعب او القلق ، وهذه أسباب عزوف القارئ عن تناول الكتاب المطبوع هو وجود البديل الذي يتمتع بسهولة التصفح و البحث مع الاحتواء الواسع للمعلومة دون الاكتراث الى حقيقتها مِن زيفها ..!

     ويبقى موضوع الكتاب قائما يتحدى كل الوسائل التي تريد زواله واستبداله بالوسائل الحديثة وخير دليل هو شارع المتنبي ومعارض الكتب المُقامة في عموم العراق والحضور البهي للجمهور العراقي الذي يكتظ به شارع المتنبي ومعارض الكتب دليل على حب المواطن للقراءة ! رغم هبوط نسب بيع الكتب الى مستوى متدني وصل الى 10% من مجموع عناوين الكتب المعروضة في المكانين ، ونلاحظ ان  الذين يتوجهون لشراء الكتب بشكل لافت هم القراء النهمون ( Bookish ) لانهم مستمرون بالقراءة ونسبتهم لا تتعدى 5% ، اما الباقون فيتجهون الى الوسائل الانفة الذكر في القراءة ، وعالميا تأثرت مبيعات الكتب الورقية على حساب الكتب الرقمية فسجلت الرقمية مبيعا وصل الى 20 مليار دولار لسنة2024  ، كما تراجعت المطبوعات الجادة في معظم دول العالم ضمن كشوفات معرض لندن للكتاب .

    اذن نحتاج اليوم الى ادوات التحفيز لزيادة فعل القراءة والى مبادرات جذب المواطن الى حُب القراءة، وأول ما نستذكر هو قول رب العزة عندما خاطب رسوله الأعظم بأول فعل أمر هو ( اقرأ )..! فكم هي عظيمة ( القراءة ) ! وهناك عدة  مبادرات تشجع القراءة مثل (ارفع صوتك بالقراءة ) ومبادرة (كلنا نقرأ) إضافة الى قيام إدارات المدارس التوجه بسفرات الى معارض الكتب والمكتبات العامة لزيادة الرغبة في الاطلاع والقراءة ، ومن وسائل التحفيز على القراءة هو ما ذكرته الكاتبة الروائية ميسلون هادي في كتابها ( المُـتيم ) الذي يتحدث عن زوجها الدكتور( نجم عبد الله كاظم) أستاذ في كلية اللغات جامعة بغداد كان يحفز طلابه على القراءة بإضافة درجتين على المادة التي يدرسها اذا رآهم يدخلون مكتبة الجامعة مما جعل الطلبة يتواجدون بشكل كبير داخلها ، فالتأكيد على القراءة بحد ذاتها تساعد في القضاء على الجهل والخرافة والمعتقد الخاطئ لانها تمكن صاحبها من فهم المتغيرات في المحيط الذي يعيشه بتحليل المعلومة  وزيادة المدارك للاطلاع على ما يكتبه الاخرون ، ولتصبح القراءة التقليدية أداة معرفية أساسية تتفاعل مع النصوص بشكل وجداني عميق وهي كفيلة بحماية التنوع الثقافي ..! فهل سيحل الدماغ الاصطناعي محل دماغ القارئ المفكر.

المشـاهدات 50   تاريخ الإضافـة 11/05/2025   رقم المحتوى 62782
أضف تقييـم