الأربعاء 2025/5/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.14 مئويـة
نيوز بار
نتنياهو الذي لم يعد حليفاً
نتنياهو الذي لم يعد حليفاً
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

 

 

كان يُقال إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقوى من أن تمسّها التحوّلات السياسية أو تهزّها النزاعات العابرة، لكن يبدو أن هذه المقولة، التي طالما رُدّدت في أروقة البيت الأبيض وتل أبيب، بدأت تفقد صلاحيتها. ففي قلب المشهد، يقف الكاتب الأميركي البارز توماس فريدمان، المؤيد لإسرائيل والعارف بدهاليز سياساتها، موجّهاً رسالة إلى الرئيس دونالد ترامب، لا تحمل مديحاً بقدر ما تحمل تحذيراً: هذه الحكومة الإسرائيلية لم تعد حليفاً لأميركا.

 

في مقاله الأخير بصحيفة نيويورك تايمز، بدا فريدمان كما لو أنه يسحب الغطاء عن شريكٍ طالما اعتُبر استراتيجياً. كتب للرئيس الأميركي السابق بلغةٍ صريحة وقوية، مشيداً بخطوته المتعمّدة بتجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جولته المقبلة إلى الشرق الأوسط، حيث سيلتقي قادة السعودية والإمارات وقطر، دون أن تطأ قدمه أرض تل أبيب. رسالة التجاهل لم تمرّ مرور الكرام؛ فقد فهمها نتنياهو جيّداً، وارتعدت لها فرائص حكومته.

 

لم يكن فريدمان يكتب هذه المرة من منطلق النقد الليبرالي المعتاد للسياسات الإسرائيلية، بل كان يُوجّه اتهاماً مباشراً لحكومة نتنياهو بأنها تتصرّف بطريقة تُقوّض الهيكل الأمني الذي بنته الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي، حين أعاد ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر تشكيل ميزان القوى في المنطقة بعد حرب 1973، وأسسّا لتحالف أميركي–عربي–إسرائيلي متين، يقوم على تقليص النفوذ السوفيتي وبناء منظومة توازن بين الأمن والسلام.

 

اليوم، حسب فريدمان، تأتي حكومة إسرائيل الحالية لتنسف هذه البنية من أساسها. لم تعد الأولوية لإحلال السلام، ولا لخلق مناخات تطبيع آمنة، بل لضم الضفة الغربية، وفرض واقع دائم من الاحتلال في غزة، يُفضي – في جوهره – إلى تهجير الفلسطينيين قسراً. هذا المشروع، الذي يتبنّاه نتنياهو وحلفاؤه من المتطرفين، لا يستهدف حماس فقط، بل يهدف إلى سحق أي إمكانية لبديل معتدل، بما في ذلك السلطة الفلسطينية نفسها، لصالح احتلال دائم يذكّر فريدمان بـ"فيتنام جديدة على ضفاف المتوسط".

 

الأخطر من ذلك، أن فريدمان لا يرى في هذه التحوّلات نزوة داخلية إسرائيلية، بل مساراً يهدّد المصالح الأميركية الجوهرية. فبينما تسعى واشنطن للحفاظ على توازن إقليمي يُبقيها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، ويُتيح لها مواجهة التحديين الإيراني والصيني بأقل كلفة، تمضي حكومة نتنياهو في تقويض هذا التوازن من خلال سياسات أحادية، عنصرية، ومغامِرة. في هذا السياق، يُعدّ رفض نتنياهو التفاوض مع السلطة الفلسطينية – حتى كتكتيك لفتح أبواب التطبيع مع السعودية – خيانة صريحة للفرصة التاريخية التي كانت قد تمنح إسرائيل نافذة للاندماج مع العالم الإسلامي.

 

من وجهة نظر فريدمان، فإن ما يُحسب لترامب، في خضم كل الفوضى التي أحاطت بسياساته، أنه لم يسمح لنتنياهو بأن يتحكم به كما فعل مع أسلافه. لم يكن أداة طيّعة بين يدي رجلٍ يُقدّم مصالحه السياسية والشخصية – بما فيها التهرب من محاكم الفساد – على أمن إسرائيل، فضلًا عن مصالح أميركا. لقد أدرك ترامب، بحسب المقال، أن نتنياهو لم يعد يمثل شريكًا موثوقًا، بل عبئًا استراتيجياً يحاول تمرير أجندة مدمّرة، معتمداً على الدعم الأميركي الأعمى.

 

إن مجرّد الحديث عن حكومة إسرائيلية لم تعد تُعدّ حليفة للولايات المتحدة، ليس تفصيلًا عابراً، بل تحوّلًا دراماتيكياً في وعي النخبة السياسية الأميركية. فحين يُصرّح فريدمان، المعروف بولائه لإسرائيل، أن هذه الحكومة لم تعد تستحق صفة "الحليف"، فإن الأمر لا بد أن يُؤخذ بمنتهى الجدية. بل إنه يذهب أبعد من ذلك، محذّراً ترامب من أن خطط نتنياهو – إذا تُركت دون رادع – ستقود إلى فقدان كل المكاسب الاستراتيجية التي جنتها أميركا منذ السبعينات، وستشعل تمرداً لا نهاية له في غزة والضفة، وتهز استقرار الأردن ومصر ولبنان، وتغلق الباب أمام أي تكامل إقليمي فعّال لمواجهة التهديدات الكبرى.

 

ليست هذه قراءة عاطفية، بل تحليل مدعوم بالوقائع والاتجاهات. ففريدمان يستند إلى تصريحات مسؤولين أميركيين سابقين، مثل لي هانز فيكسل، الذي حذّر من أن ازدياد يأس الفلسطينيين سيُعطّل تمامًا مشروع التحالف الأمني الثلاثي (العربي–الإسرائيلي–الأميركي) الذي كان يعِد بنقلة نوعية في خريطة النفوذ العالمي. بدلًا من ذلك، يجد العالم نفسه اليوم أمام حكومة تتحدّى حتى أقرب أصدقائها، ولا ترى في شركائها الإقليميين سوى حلفاء ظرفيين، يجب استغلالهم سياسياً ثم تجاوزهم.

 

يبقى أن ما لم يقله فريدمان بصراحة، لكنه أشار إليه ضمناً، هو أن نتنياهو – بما يمثله من توجهات دينية وقومية متطرّفة – قد يكون أحد أخطر الزعماء الإسرائيليين في تاريخ الدولة العبرية، لأنه لا يُحارب العرب فقط، بل يُهدّد بتقويض علاقة إسرائيل نفسها بأميركا، العلاقة التي لطالما اعتُبرت حجر الزاوية لبقاء الدولة العبرية واستمرارها.

 

في نهاية رسالته، وجّه فريدمان إنذاراً خافتاً لكنه عميق التأثير، حين قال لترامب: "اتبع غرائزك المستقلة بشأن الشرق الأوسط، وإلا فاستعد لهذا الواقع: أن يكبر أحفادك اليهود في عالم تُعتبر فيه الدولة اليهودية منبوذة".

 

إنه إنذار لا يوجَّه فقط لترامب، بل للغرب كله، الذي بات مضطراً اليوم إلى مراجعة مفهوم "التحالف" في ضوء الوقائع الجديدة، لأن الصديق الذي لا يرى فيك سوى غطاء لأطماعه، لا يعود صديقاً، مهما طال عمر العلاقة.

المشـاهدات 25   تاريخ الإضافـة 14/05/2025   رقم المحتوى 62878
أضف تقييـم