
![]() |
على ورق الورد الوفاء الفني للهويّة الثقافية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : في كل مرّة أعود فيها للاستماع لمطرب عراقيّ قديم أجدني أمام سؤال جوهريّ مهم ذي دلالات عميقة وهو : لماذا نهمل رموز العراق الفنية التي تمثلت في عطاء فنانين رائعين قدموا عطاء ملفتا للنظر , وكانت تجاربهم في غاية الغنى والتوهج الوجداني والانتماء المدهش لتربة الوطن ومياهه وسمائه وقبل كل هذه لإنسانه ؟ إحياء التراث لا يتمّ بممارسات شكليّة متسرّعة يغلب عليها الارتجال واللامبالاة ,بل عن طريق التوسّع في إعادة قراءة الملامح البارزة فيه , والعمل على تخليدها , مثل ما يقدّمه أشقاؤنا المصريّون وهم يساهمون في تخليد رموز بلدهم الثقافية والحضاريّة , لمنح هويّتهم القيمة التي تستحقها , ولجعل هذه التجارب ماثلة أمام الأجيال يتعرّف عليها بحرص ووعي واحتفاء , تشعره بقيمة عطائهم , وكذلك بالجذر الحضاريّ الحقيقيّ له . يوم كتبتُ عن الفنان الراحل ,حسين السعدي الذي لا يعرفه حتى الكثير من المثقفين , وردتني رسائل عديدة , مفادها إننا يجب أن نلقي الضوء المناسب على هذا الفنان الرائع العذب الذي قدّم أنموذجا مهما للأغنية البغدادية الأصيلة , بآفاقها المحلّقة , وتراثها المشع , وكلمتها الرشيقة البسيطة المحببة , ويكفي أن هذا الفنان الراحل بصمت موجع أنه لحّن أغنية" لا خبر" للفنان الدكتور فاضل عوّاد , لتنتشر في أنحاء العراق والوطن العربيّ كالنار في الهشيم , وكذلك لحّن أغنية " يمدلولة" للفنان الراحل سعدي الحلي , كما لحن للفنان الكبير ياس خضر أطال الله تعالى في عمره ومنحه المزيد من العطاء العميق المبهر , ولا أريد هنا إحصاء ما قدمه الراحل السعدي , فقد يطول الحديث , وأنأى بهدف ما أريد قوله , وهو أننا يجب أن لا نعرّض ملامح تراثنا الإنساني والحضاري والثقافي للنسيان , وكذلك أن لا نكتفي باستذكار رموزنا التي تطول القائمة بتعداد أسمائهم , بإقامة جلسة عابرة يحضرها عدد قليل من متذوقي الفن , وينتهي كل شيء مع انتهاء الجلسة , لا ليس كذلك , وإنما بإنشاء فرق فنيّة تعيد انتاج أعمالهم وتعرّف بقيمتها , كما هو مع الفنان ناظم الغزالي والفرقة الفنية الرائعة التي حملت اسمه , وهذا الدور يجب أن تقوم فيه كليات ومعاهد الفنون الجميلة بالتعاون مع نقابة الفنانين العراقيين وفروعها في المحافظات , فمثلا في الناصرية الحبيبة , ألا يستحق داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم وحسين نعمة ووووو غيرهم , أن نحيي تراثهم بإعادة إنتاجه من خلال فرق فنية ؟ وفي البصرة الغالية , ألا يستحق فؤاد سالم ورياض أحمد وغيرهما من الرموز الثقافية والفنية أن ننشيء لهم فرقاً تعيد إنتاج عطاءهم الثري المهم , وكذلك الموصل والنجف وبابل والسماوة والديوانية وميسان وواسط وأربيل ودهوك والسليمانية والرمادي وديالى وصلاح الدين , ألا يستحق الرموز الثقافية الذين حققوا الملامح الحضارية لمدنهم , أن نعيد قراءة منجزهم وأن نعيد إحياءه ؟ وربّما يسهل الانترنت بعضا من محاولاتنا لجمع معلومات تكفينا للعمل عليها , والاستعانة بها لإثراء قدرتنا على القيام بتهيأة كل المستلزمات الكفيلة بإنشاء فرقة " فؤاد سالم" مثلا لإحياء أغنياته وتقديمها لحنا وكلمات بأصواتٍ قريبة منه , وهذا الأمر إضافة إلى مساهمته الفاعلة في تخليد تراث هذا الفنان , فهو ينمّي الذائقة الثقافية السليمة للجيل الجديد من الذين تحاول الصرعات الجديدة في الموسيقى والغناء أن تشوّه هذه الذائقة ... علينا أن نخلّد تراثنا , وعلى المعنيين أن لا ينتظروا طويلا , فالنسيان أشرس آفة في حياة الشعوب التي تحب رموزها الذين يشكلون أصالة ملامحهم الحضارية والإنسانية العظيمة . |
المشـاهدات 152 تاريخ الإضافـة 18/05/2025 رقم المحتوى 63014 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |