
![]() |
زمن التفاهة.. حين تُغتال القيم وتُصنع الأوهام” |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
حين كتب المفكر الكندي آلان دونو رؤيته العميقة في كتابه “زمن التفاهة”، كان يدرك تمامًا أننا نعيش مرحلة انهيار القيم، وطغيان الزيف، وغياب المعايير. لقد وصف بدقة ظاهرة طغت في مجتمعنا الحديث ورصد كيف يتقدّم عديمو الكفاءة، ويُقصى أصحاب الخبرة، وتُمنح المراتب لا بناءً على الجدارة، بل على الولاء والضجيج والقدرة على المجاملة في زمنٍ طغت فيه التفاهة على المعنى، وارتدت الرداءة ثياب المجد والحقيقة ، تغيب القيم، وتُطمس المعايير، ويصبح كل شيء ممكنًا، حتى أكثر الأوهام فجاجة. لا لشيء، سوى لأن الأخلاق تراجعت، والذمم باتت تُشترى، وأصبحت الكفاءة في متناول من يملك الصوت العالي، لا الفعل العميق والعطاء الناجز ،صرنا نرى “المواهب” تُصنع في الغرف المغلقة، لا في معترك الإبداع الحقيقي. يُكتب لك نص شعري، فتصبح في أيام “شاعرًا” تُستدعى إلى المنصات وتصدح بصوتك في المهرجانات. تُدبّج لك رواية منسوخة من تجارب الغير، فتملأ أغلفتها واجهات المعارض والمكتبات. يُصاغ لك نص مسرحي، ويتطوّع مخرج لتغليفه برؤية فنتازية، فتصدق انك كاتب يطاول شكسبير، ويتفوّق على تشيخوف وابسن ويضاهي لوركا ودورنمات… وهكذا يُخلق نجم جديد على حساب الحقيقة والواقع ولم تتوقف فصول العبث عند الفن والثقافة. فقد امتدت إلى مؤسسات التعليم، فباتت الشهادات تُمنح بلا علم، وتُباع لمن لا يستحقون النجاح. نشهد بأم أعيننا كيف تُمنح الألقاب الأكاديمية زورًا، وتُزخرف الأسماء بلقب “دكتور” لمن لم يكتب سطرًا واحدًا في بحث اكاديمي او يعرف منهجا، أو يقرأ كتابًا خارج دائرة المصلحة. ويُمنح آخرون شهادات وهمية من جامعات لا وجود لها الا بالاسم أو في أوراق مظللة بالغش والتحايل. ومع ذلك، يُحتفى بهؤلاء، ويتحولون إلى “خبراء”، ويُستضافون في الندوات، وتتسابق وسائل الإعلام لتمنحهم الوقت على الشاشات. والأدهى من ذلك، أن هؤلاء لا يتحركون في فراغ، بل يجدون حولهم من يتحلق ويتملق، يصفّق ويمدح، ويضفي عليهم هالة من “الهيبة” المصطنعة، طمعًا في مصلحة، أو خوفًا من نفوذ زائف. وهكذا يُعاد إنتاج الرداءة في سلسلة لا تنتهي من المجاملات والانتهازية والصفقات الرخيصة، بينما تُداس الكفاءة تحت أقدام الزيف والكذب والتفاهة . وفي السياسة، لا يختلف المشهد كثيرًا، بل ربما يكون أكثر إيلامًا. فترى البعض ممن يتبوأون مواقع القرار، او يجلسون في قبة البرلمان، ويمثلون الشعب في أهم المواقف والأحداث ، الكثير منهم بلا مؤهل لا رأي له لا فكر لا مشروع مجرد وجود على كرسي لملء الفراغ ليس لديهم من الرصيد سوى الانتماء لمن رشحه من الجهات والأحزاب ، أو جاء عبر الرشاوي والعلاقات، أو القدرة على خداع الناخبين بالوعود او الادعاء . وهكذا تضيع الإرادة الشعبية، ويتحول البرلمان إلى حالة لا تمثل الواقع، ولا تعبر عن صوت المواطن الذي يظل بانتظار غودو الذي لم يصل لكن ثوب الخداع لا يدوم، ومهما تفنّن المزيفون في تلميع الباطل، لا بد أن تشرق شمس الحقيقة. ذلك الصوت الصادح النقي، الصادق النبرات الواضح المعاني والمكتنز بالدلالات ، سيعلو في النهاية. وسيُكتب للرجل المناسب أن يكون في موقعه المناسب، ولو بعد حين. فالتاريخ لا يرحم، والزيف لا يستطيع أن يصمد طويلًا أمام وهج الحق والحقيقة. الزمن كفيل بأن يفضح كل تزييف، ويهزم كل دجل وما بني على الوهم، لا بد ان يكون مصيره الانهيار. |
المشـاهدات 884 تاريخ الإضافـة 30/05/2025 رقم المحتوى 63486 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |