النـص : في زوايا منصات التواصل الاجتماعي، حيث تتداخل المعلومات مع الإعلانات، وتختلط النصائح بالوعود، يجد كثير من العراقيين أنفسهم أمام إغراءات "الثراء السريع" عبر التداول في البورصات العربية. يروّج لها عبر حسابات وهمية أو حتى عبر وجوه مألوفة من مؤثرين استُدرجوا أو تورطوا عن قصد، فتُعرض منصاتٌ تَعِدُ بأرباح خيالية خلال أيام، وتدعو المواطنين للانخراط فيما يبدو "فرصة استثمار"، لكنه في الحقيقة فخ مالي محكم.لا يكاد يمر أسبوع دون ورود شكاوى من مواطنين خسروا مدخراتهم بعد أن أودعوها لدى جهات تدعي التعامل في أسواق المال والبورصات الخليجية أو العالمية. تبدأ القصة بإعلانات براقة، ثم باتصالٍ "احترافي" من رقم دولي أو محلي، يتبعه إغراءٌ بأرباح سريعة من خلال تطبيقات تداول "آمنة" ومواقع إلكترونية مصممة باحتراف لتقليد واجهات الشركات العالمية، لتنتهي القصة بعد أسابيع بانقطاع التواصل واختفاء المال.هؤلاء الضحايا ليسوا فقط من البسطاء، بل بينهم موظفون، متقاعدون، وحتى أصحاب خبرات تقنية، لكنهم وقعوا تحت سطوة التسويق النفسي والإغراء المادي، متأثرين بأرقام لا تُقاوَم وأحلام بالتحول إلى رجال أعمال من خلف الشاشة.الظاهرة لم تعد فردية ولا محدودة، بل تطورت إلى أنماط متشعبة تشمل ما يُعرف بـ"التداول عبر البوتات"، أو "استثمار العملات الرقمية عبر وسطاء عرب"، أو حتى "التوصيات الحصرية"، وكلها في النهاية تصب في مشروع احتيالي يسلب الضحايا أموالهم ثم يختفي دون أثر قانوني.صمت الجهات الرقابية المعنية أمام هذا النزيف الرقمي يثير القلق. فالبنك المركزي العراقي، وهيئة الأوراق المالية، ووزارة الاتصالات، جميعهم معنيون بشكل مباشر بوضع أطر واضحة للرقابة على نشاطات التداول المالي الإلكتروني، ومنع الجهات الوهمية من الترويج لأنشطتها داخل البلاد.كما أن دور القضاء مهم في تفعيل مواد القانون التي تجرّم الاحتيال الإلكتروني، وتغليظ العقوبات على من يثبت تورطه، سواء بإنشاء هذه الشبكات أو الترويج لها. كذلك فإن على الإعلام الوطني والمؤسسات التعليمية أن تلعب دورًا توعويًا متقدماً في تحصين المجتمع من هذه الحملات، عبر حملات توعية مركّزة تكشف أساليب الخداع وآلياته.إنّ حماية المواطن العراقي من هذا الخطر لا تتطلب فقط إجراءات قانونية، بل استجابة وطنية شاملة، تبدأ من الاعتراف بحجم الظاهرة، وتمر بملاحقة المجرمين ومواقعهم، وتنتهي ببناء وعي مالي حقيقي لدى المجتمع.ختامًا، يجب أن نعي أن الطموح نحو تحسين الوضع المعيشي لا ينبغي أن يكون على حساب العقل والمنطق. فكلما كانت الأرباح المعروضة غير منطقية، كانت الخسارة أقرب مما نتصور. وقد آن الأوان لنقول : كفى عبثًا بأحلام العراقيين.
|