
![]() |
روناك .. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : يقولون المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين. السرور يملأ قلبها عندما قرات رسالة على الواتساب .. الى الدكتورة روناك تطّلب حضورك الى جامعة بغداد لغرض التعيين خلال يومين من تاريخ فتح الرسالة .. روناك وابوها يعيشان في مدينة سامسون التركية منذ خمس وعشرين سنة ، والدها قرر الهروب من الوطن قبل ان تصطاده شِباك الحاكم كونه يساريا ، المَنافي اشبه بسجون بلا قضبان ومُدن بلا انتماء، المهم لا يوجد خوف من وصول يد السلطة وذراع الحاكم لوالدها ، في مكاتب الطيران لم تجد روناك حجز الى بغداد الا بعد أسبوع لان الموسم السياحي قد انتهى من حيث بدأ فالكل يقفل راجعا الى الوطن ، لم تجد امامها الا السفر براً ! لانها محكومة بمدة يومين ! ما هو الوقت الذي تستغرقه السيارة حتى تصل الى بغداد ؟ اجابت موظفة التذاكر حوالي يوم كامل ! رجعت الى البيت وهي تحمل تذكرة سفر بالباص السياحي، نوبات من الفرح واخرى من الحزن تختلج في صدرها، عليها ان تُحضّر شنطة السفر وحقيبة اليد وان لا تنسى كل الثبوتيات و الشهادات التي تؤكد انها حاصلة على شهادة الدكتوراه في الادب الكوردي ، تسرقها لحظات تتوقف عن جمع اغراضها .. كيف ستترك والدها لتباشر العمل في بغداد! والدها يمثل الاسرة والمدرسة والوطن! الوظيفة تمثل الإرادة والطموح والمستقبل، الفرح يلامس الحزن في لحظة الوداع !! في الثامنة مساءا تحرك الباص السياحي متجها نحو الحدود العراقية ، روناك تجلس خلف السائق سعيد الذي رحّب بها وحمل حقائبها واجلسها خلفه لانها المرأة الوحيدة في الباص ، السفر براً اصبح من الماضي ،الطريق طويل ومخاطر السير كثيرة والحوادث مؤلمة جعلت من روناك قلقة بل خائفة ! ومما يزيد قلقها هو ترك والدها وحيدا في البيت ولكن لاشيئ يأتي مباحا سهلا بدون تعب وتضحية ! النجاح ، الشهادة ، الوظيفة ، الرزق، المعيشة ، الوطن الذي غادرته منذ زمن بعيد !! اعتاد سعيد السائق ان يتحدث باستمرار مع الراكب الجالس خلفه كي يذهب سلطان النوم عنه ، كما هي فرصة للتعارف مع روناك وبدأ حديثه معها بالسؤال عن معنى اسمها ؟ اجابت بكلمة مقتضبة .. الضوء ! لم يتوقف سعيد عن طرح الأسئلة الحشرية التي لامعنى لها ولا فائدة ..مااسم والدك واسم عشيرتك انت كردية لو ....!! شعرت روناك بالضجر والملل الناتج عن هذه الأسئلة التي لامبرر لها وبدأت تجري مقارنة بينها كأستاذة جامعية وبينه كسائق سيارة ! ولكي تمنع سيل الأسئلة السمجة التي انهال عليها سعيد فبادرته بالسؤال ..سعيد الى أي مرحلة دراسية انت واصل ؟! بضحكة باهته رد .. والله آني للثالث متوسط وتركت الدراسة بسبب وفاة والدي ! كان هذا السؤال بمثابة الفرامل لايقاف سعيد عن طرح الأسئلة ! توقف الاثنان عن الحديث وبعد وقفة قصيرة استدرك سعيد وقال لروناك .. دكتورة انطيني رقم تلفونك أخاف بمكتب الجوازات تحتاجين شيء ! وعلى مضض تبادلا ارقام الهواتف وهنا زاد تذمرها من سعيد لان رقم الهاتف يُعد من اسرار النساء لا يمكن البوح به لمن هب ودب ! ولكن للضرورة احكام ، شعرت روناك بالتعب الشديد ، يوم كامل لم تنم اوصلها سعيد الى فندق كورال القريب من جامعة بغداد . في الصباح تنفست روناك هواء الوطن الذي غادرته منذ خمس وعشرين سنة شعرت بالانتماء والاصالة فأزداد منسوب الاطمئنان داخلها ، وبابتسامة شفيفة قدمت روناك اوراقها الى إدارة جامعة بغداد ، رحّب بها الموظف وطلب منها ملئ استمارة التعيين وقال لها دكتورة ..مبارك عليك الوظيفة ،ولكن عليك جلب كفالة ..! تفاجأت بموضوع الكفالة !! من اين ستاتي بشخص يكفلها فهي لاتعرف احد في بغداد ! فمنذ ان غادرت الوطن غادر الأصدقاء والاقارب ذاكرتها ! وهنا خطر على بالها شخص واحد هو سعيد ! وهل سيقبل ان يكفلني ؟! اتصلت به رّن هاتف سعيد قرأ اسمها ردّ بلهفة .. الو اهلا اهلا دكتورة كيف الحال ..! سعيد ممكن اشوفك اليوم العصر في استعلامات الفندق ..؟! رد عليها .. بكل تأكيد .. بالخمسة أكون يمك .! فكر سعيد ماذا تريد دكتورة جامعية من سائق باص ؟! سوى شيء واحد هو إيصال او جلب شيئ ما من تركيا !! سعيد فرحان و متحمس للقاء روناك، وروناك خائفة من سعيد اذا رفض طلبها ماذا ستفعل ! الشباب لا يتأخرون عن مواعيد الجنس اللطيف !!، وقبل الخامسة عصرا حضر في الفندق وجلسا على الكنبة متجاورين لأول مرة يشعر سعيد بالسعادة كونه في حضرة الانثى التي طالما حلم بها ، وبعد حديث قصير مهدت له روناك بان من شروط التعيين بالجامعة هي (الكفالة ) ! وهي لاتعرف احد في بغداد غيره !! نظرت اليه باشفاق كي تسمع رده ، بينما التزم سعيد بالصمت لبرهة من الزمن ثم قال .. شنو يعني كفالة ؟! واي نوع من الكفالات ؟ كفالة مالية ! او كفالة احضار شخص !! تنبهت روناك الى المعلومة الدقيقة التي يملكها سعيد وليس كما كانت تظن شخص بسيط !! روناك لا تملك الجواب عن نوع الكفالة، واتفقا ان تتصل به غدا صباحا بعد ان تستفسر من إدارة الجامعة عن نوع الكفالة المطلوبة، في الصباح رن هاتف سعيد قرأ اسم المتصل د. روناك فأجاب. اهلا دكتورة صباح الخير ! لثواني لم يرد أحدا ثم جاء الرد .. الو انت سعيد ! تفاجئ سعيد مما سمعه فقال له باستغراب ..نعم انا سعيد وانتَ منو ؟ انا دكتور جمال ..اهلا دكتور جمال دتخابر بخصوص كفالة الدكتورة! قاطعه المتصل وقال له .. الدكتورة (لم يذكر اسمها) محتاجتك بالعجل تجي لمستشفى الشيخ زايد قسم الطوارئ !! صُدم سعيد من الخبر (قسم الطوارئ) يارب سترك شنو اشصاير ؟! طيب طيب مسافة الطريق وبعد نصف ساعة وقف سعيد مذهولا عند راس روناك المربوط بالضمادات والمشدات الطبية، انتبه الى ان احدهم يضع يده على كتفه إلتفت اليه .. اهلا سعيد انا د. جمال.. الأخت تعرضت الى حادث دهس وعندما احضروها كانت تتمتم باسم (سعيد) فقط فاتصلنا بك ثم غابت عن الوعي !! ذهول وصمت وفقدان لمعنى الحياة شعر به سعيد تلك اللحظة وهو ينظر الى وجه روناك المعصوب ولايعرف ماذا حـّل بجسدها؟ من هذه اللحظة شعر سعيد انه اصبح مسؤولا عنها ! كما يقول المثل الصيني اذا انقذ الرجل فتاة فانه يكون مسؤولا عنها طول العمر !! ثم تناسلت الأسئلة في ذهنه التي غابت عنها الأجوبة ! مَنْ سيعتني بها ؟ مَنْ سيقوم بخدمتها ؟ اين ستذهب بعد خروجها من المستشفى ؟ هل انقلها الى البيت بعد ان اخبر امي ؟! ولكن ماذا ساقول لامي اذا سالتني عن روناك ؟! من هي روناك ؟! ولكن يجب ان اتخذ القرار وبسرعة !.. تناول سعيد هاتفه وضغط على زر الاتصال رد عليه ..اهلا سعيد .. اعيوني أبو نزار الوردة ممكن ترشح سايق غيري يطلع بالسفرة لان امي مريضة وبالمستشفى ! والوالدة عزيزة علينه ! ادعيلي اخوية أبو نزار الله يخلصنا من هاي الشدة ! تأنيب الضمير بدأ يشعر به سعيد جراء الكذب !! لايوجد كذب ابيض وآخر غير لون هو الكذب .. كذب ! وافق أبو نزار مدير مكتب النقل على طلب سعيد، وهو غير سعيد بما حدث له بدءً من موضوع المستشفى و الكفالة وما تعرض له من احباطات ورزالة !! في البيت سالته امه .. يمه سعيد صارلك أسبوع تطلع الصبح وترجع متأخر وين دتروح ؟ شنوماعندك سفرة ؟! ارتبك سعيد وتلعثم بالجواب ولكن لملم قواه وتـنبه ربما تكون هذه اللحظة لحظة رحمانية مباركة من الله كي يفتح الحديث مع امه ويحدثها عن روناك ! فبدأ حديثة بالبسملة ثم سرد لها ما يحصل أحيانا مع المسافرين من احداث لا تخطر على بال احد وتشجع سعيد بان يطرق الحديد وهو ساخن فسرد لها ما حصل لروناك من واقعة !! ردت عليه باشفاق .. يمه سعيد اسم الله عليك باجر الصبح نروح نزورها بالمستشفى وانشوف !! فرح سعيد كثيرا لما وصلت اليه نتائج الجولة الأولى من التفاهمات ! وان غدا لناظره لقريب . في المستشفى جلست ام سعيد عند راس روناك التي بدات بالبكاء نتيجة الغربة التي شعرت بها وكيف احتوتها عائلة سعيد ، مسحت دموعها وقالت لها ..ابنيتي ان شاء الله تكَومين بالسلامة ، حضر الدكتور المقيم وبابتسامة عريضة قال لروناك.. ممكن (تجّـرجين) اليوم دكتورة !! نظر سعيد في وجه امه لم يفهم ماذا قال الدكتور ! وماذا تعني كلمة (تجرجين) فابتسمت روناك وقالت يعني بإمكاني مغادرة المستشفى !! ضحك سعيد وامه وانسلت ضحكة مغلفة بالالم من ثغر روناك وهي تنظر الى من حولها وتقول بصمت اين ساذهب اذا خرجت من المستشفى ؟ !! فرحت ام سعيد وقالت .. يله سعيد ناخذ الدكتورة ونجيبه للبيت علمود الوادم مايحجون ماطول اني وياكم ، الاحياء الشعبية اشبه بحمام زجاجي الكل ينظر اليك لاتستطيع ان تخفي سرا او تتخذ امرا !! فكيف من يدخل امرأة غريبة الى بيته !هلهل وجه سعيد عندما دخلت د. روناك البيت ونامت على السرير الحديدي في غرفة الخطار ذات الأثاث البسيط تنتظر ان تتحسن حالتها لتبدأ حياتها ، ام سعيد امرأة من زمن الخير اعتبرتها مثل ابنتها اعتنت بها وسهرت على راحتها ، اما روناك فقد تعرفت على عائلة سعيد بشكل عميق ،القناعة تاتي بعد التجربة ، وبعد مضي أسبوعين طلبت روناك من سعيد ان يذهب معها غدا للمحكمة فأجابها .. تمام دكتورة علمود نسوي الكفالة !! هزت راسها بالنفي ونظرت الى ام سعيد وقالت .. باجر باذن الله نروح الى قاضي الأحوال الشخصية لعقد القران بيني وبين سعيد ثم نصدر الكفالة !! زغردت ام سعيد وهلهلت لهذا الخبر ! ولا احد يعرف ان العروسة روناك قد دخلت بيت الزوجية قبل عقد القران بأسبوعين !! بعد العقد قررت دكتورة روناك ان لا تسافر ابدا بالطائرة !!وانما بالسيارة شرط ان يكون السائق هو ( سعيد ) !.. وعاشوا عيشة سعيدة . 25/5/2025 |
المشـاهدات 72 تاريخ الإضافـة 11/06/2025 رقم المحتوى 63742 |