
![]() |
موني بوعلام: تكوين الممثل ضرورة توازي بالأهمية تكوين المخرج |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
الجزائر ـ سارة جقريف في الجزائر، يبدو أن الخشبة لا تصنع الممثلين فقط، بل تصنع المخرجين أيضًا، فغالبية المخرجين المسرحيين لم يتلقوا تكوينًا أكاديميًا متخصصًا في الإخراج، بل انتقلوا إلى هذا الدور بعد سنوات طويلة من التمثيل، اعتمادًا على التجربة والملاحظة والتعلّم الذاتي. هذا المسار يحمل غنى ميدانيًا، ويبرز مخرجين مسرحيين بالخبرة، ولكنه يثير نقاشًا واسعًا حول التكوين الأكاديمي ودوره في احتراف الإخراج المسرحي، في ظل نقص المعاهد والمدارس المتخصصة في هذا الفن بالجزائر. وإذا كانت تجربة الإخراج بعد التمثيل تمنح المخرج فهمًا أعمق للجمهور وللاحتياجات الدرامية للممثلين، فإنها قد تصبح عائقًا حين لا تترافق بمعرفة تقنية ومنهجية، وتكوين أكاديمي قوي في الإخراج المسرحي ما يسمح للمخرج ببناء عمله على أسس علمية. في ظل كل ما سبق، يظهر اسم الممثلة الجزائرية موني بوعلام، التي قررت دراسة الإخراج المسرحي في فرنسا، وتقدم أول عمل إخراجي لها مؤخرًا بعنوان "كرنفال روماني"، لتعبّر عن جيل جديد من المخرجين المسرحيين، يمزجون بين التجربة، الخبرة في التمثيل والتكوين الأكاديمي.
دراسة الإخراج المسرحي
موني بوعلام من الأصوات المسرحية النسوية البارزة في الجزائر، خاضت أولى تجاربها الإخراجية على خشبة المسرح الجهوي لقسنطينة، بعد إنهاء دراسة الماجستير في الإخراج المسرحي بجامعة "ايكس مرسيليا" في فرنسا، في تخصص "الإخراج المسرحي المعاصر".وكشفت المخرجة والممثلة الجزائرية موني بوعلام، في حديثها مع "ضفة ثالثة"، أن توجهها إلى الإخراج المسرحي لم يكن مجرد خطوة فنية، بل كان خيارًا وجوديًا نابعًا من حاجتها إلى التعبير بصوتها الخاص، بعيدًا عن توجيه مخرجين آخرين. توضح: "كنت بحاجة لقول أشياء لم أكن أستطيع التعبير عنها تحت إشراف مخرجين آخرين. كنت أبحث عن مساحة حرة لسرد المواضيع بطريقتي، من خلال نظرتي كامرأة وفنانة. لم أتمكن كممثلة من تناول القضايا التي أردت الحديث عنها، ولهذا اخترت التوجه لدراسة الإخراج كوسيلة للتعبير عن مواضيع تلمسني". هكذا توجهت موني لدراسة الإخراج المسرحي في فرنسا لإيمانها الراسخ بأهمية التكوين الأكاديمي، الذي تعتبره عنصرًا أساسيًا في تكوين مخرج واعٍ بأدوات وتقنيات عمله. وتقول في هذا السياق: "العلم والتكوين يساعدان الفنان على الإلمام بكل تفاصيل العمل المسرحي، لأن الممثل كالعجينة بين يدي المخرج، والتكوين يمنحك القدرة على توجيهه بطريقة واعية وجمالية. المسرح مثل حقل تجارب، دائمًا هناك أشكال جديدة ورؤى متجددة تتطلب منا البحث فيها".خلال دراستها في فرنسا، خاضت بوعلام في إطار مشروع التخرج، تجربة إخراجية بمسرحية "هنّ"، التي جمعتها مع ممثلتين، الأولى جزائرية فرنسية والثانية برازيلية، تناولت فيها قضايا النساء من منظور متعدد الثقافات، قبل أن تخوض تجربتها الأولى في الجزائر بمسرحية "كرنفال روماني" التي احتضنها المسرح الجهوي لقسنطينة مؤخرًا.ورغم إشادتها بالتجارب السابقة التي خاضتها مع مخرجين عملوا بالخبرة، تؤكد موني أن الدراسة أعطتها بُعدًا آخر في التعامل مع التفاصيل الإخراجية، موضحة: "الدراسة تجعلك تقترب من العمل وكأنه قطعة نحت، تمنحك أدوات دقيقة لخلق عرض متكامل من حيث الإضاءة، الإيقاع، البناء البصري، النص وغيرها". وتضيف أن التكوين الأكاديمي يساعدها على التعامل مع التحديات أثناء الإخراج، فيصبح كل قرار إخراجي مبنيًّا على أسس، لا على الحدس فقط.
النص قبل كل شيء
أول شيء يعمل عليه المخرج المسرحي "النص" وربما أكبر تحدّ يواجهه هو كيف يتعامل مع هذا "النص". وعن تجربتها، توضح موني بوعلام أن "النص" لفت انتباهها خلال تلقي عرض إخراج مسرحية "كرنفال روماني" وأحبته رغم أنه بدا لها كلاسيكيًا كتبه المؤلف المجري ميكلوس هوباي سنة 1969 في إطار الحرب الباردة، لكنه يحمل في طياته قضية إنسانية عميقة. تدور أحداث مسرحية "كرنفال روماني" حول شخصية "مارجيت"، ممثلة مسرحية كانت نجمة وتحظى بشهرة واسعة، لكن بعد انطفاء أضواء المجد، وجدت نفسها وحيدة، تعيش في قبو مسرح وتواجه قسوة النسيان ومديرها الانتهازي الذي يسعى لاستغلال ماضيها الفني لخدمة مصالحه الشخصية، وسط زيف العلاقات الإنسانية في ظل تقلبات الحياة. اعتمدت موني في المسرحية أسلوبًا فنيًا جمعت فيه بين الكوميديا والتراجيديا، وتخللتها مشاهد رقص وموسيقى، لتقدمها كتجربة فنية تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها المرأة في عالم الفن. وتوضح المخرجة: "ما شدّني هو صدق المعاناة التي تعكس نكران الجميل، خاصة تجاه تضحيات النساء في مجال الفن والتمثيل، وأنا واحدة منهن وأفهم حجم التضحيات وعايشت قصصًا واقعية لزميلات ممثلات ووقفت على حجم تضحياتهن عن قرب"... وتضيف: "إذا لم يخاطبك النص فإنك لن تنجح في إخراجه".
تشكل الرؤية الاخراجية
أعادت موني بوعلام معالجة النص برؤية عصرية ولغة جزائرية، وأضافت إليه أربع شخصيات جديدة لإعادة تشكيل الفضاء المسرحي، ما أتاح لها تقديم العرض في صيغة تمزج بين التراجيديا والكوميديا، وتلامس المتلقي بأسلوب حديث. وتصف تجربتها الإخراجية الأولى بأنها كانت "صعبة ولكن مميزة"، مؤكدة أن الشغف وحب العمل هما ما دفعاها إلى تجاوز التحديات. تقول: "لم تكن تجربتي الأولى في الإخراج سهلة. خلال إقامتي في فرنسا، خضعت للعديد من التدريبات حول تقديم المشاهد في الفضاءات العامة، ودرست على مدى سنتين تخصص الإخراج المعاصر، حيث كان تركيزي على التحليل الدرامي للنصوص. من خلال مذكرة التخرج، اكتسبت أدوات جديدة في التعامل مع الفن المعاصر، ما ساعدني لاحقًا في ملامسة النصوص الكلاسيكية من منظور مختلف".وتضيف: "حين عُرض عليّ هذا النص في الجزائر، كان كلاسيكيًا جدًا، وهو ما شكّل التحدي الأول بالنسبة لي. بذلت جهدًا كبيرًا في إعادة الاشتغال على بنيته الدرامية، حيث أضفت شخصيات وحالات جديدة، وكتبت مشاهد وأغاني خاصة بالعرض. كانت هذه أول مرة أخوض فيها تجربة كتابة وتلحين الأغاني، وهو ما أعتبره جزءًا من مسؤولية المخرج، الذي عليه أن يكون ملمًّا بكل عناصر عمله".وتؤكد بوعلام أن لحظة الانتهاء من إعداد النص كانت حاسمة: "بمجرد أن أغلقت النسخة النهائية من النص، بدأت ملامح الرؤية الإخراجية تتضح تدريجيًا، وبدأت بالتخطيط التفصيلي للعمل، مع فريق تقني وفني متكامل يشاركني نفس الشغف".
الرهان على التجديد في الإخراج
الانتهاء من النص يعني بداية الإخراج، فقد كان عليها اختيار الممثلين، وهنا فضلت بوعلام الاشتغال مع طاقم شبابي بالكامل، رغم الصعوبات التي واجهتها في ظل نقص الممثلين. وحرصت على تقديم عرض متكامل جماليًا، جمع بين الغناء، الرقص، الأداء الجسدي، في تجربة متجددة. باستخدام طرق حديثة والأشياء التي تعلمتها من دراستها في فرنسا وعملها كمساعدة مخرج هناك.وفي هذا السياق، توضح: "تعلمت كيف أستخدم الأقنعة للتعبير عن كل ما هو هش. فعندما تمر البطلة "مارجيت" بحالات من الهلوسة والخرف وتسترجع ذكرياتها المؤلمة، وتذكر القطط قائلة بأن القطط تخدشني، استخدمت الأقنعة لتجسيد فكرة "القطط البشرية". طلبت من السينوغرافيا تصميم أقنعة للقطط، وقد تم استخدامها لأول مرة في الجزائر كوسيلة معاصرة للتعبير الفني عن الهشاشة والضعف".أما عن وصف الغرف، الذي كُتب بأسلوب سينمائي، فقد تطلّب منها إيجاد ترجمة مسرحية مناسبة له، فاختارت توظيف تقنية "المسرح داخل المسرح". وتوضح: "كان الممثلون يشاركون في تغيير الديكور بأنفسهم؛ نبني ونهدم أمام أعين الجمهور. ركّزنا بشكل كبير على تدريبات الإحماء التي تعتمد على اللياقة البدنية، فاعتمدنا على التنفس العميق، وتوظيف الطاقة الجسدية، وحرصنا على أن يظهر الممثلون ككتلة بشرية واحدة، لا تعرف التعب".وتقول بوعلام: "في بداية مسيرتي، درست التمثيل والإخراج السينمائي في الجزائر، إلى جانب العمل مع مخرجين سينمائيين وتلفزيونيين. لكنني كنت دائمًا مؤمنة بأن الإخراج لا يُبنى فقط على الموهبة أو الخبرة، بل يحتاج إلى قاعدة نظرية متينة، وإلمام عميق بتاريخ المسرح ومدارسه وتقنياته، من المسرح الإغريقي إلى المسرح المعاصر".وتضيف: "المخرج هو قائد العمل من البداية إلى النهاية، عليه أن يكون ملمًا بالتمثيل، السينوغرافيا، الموسيقى، الرقص، وأن يدمج بين كل هذه العناصر داخل رؤية إخراجية متكاملة. الإخراج صار بالنسبة لي هوسًا، لأنه مساحة تخلق فيها عالمك، وتعيش فيه مع شخصياتك لحظة بلحظة".بعد أول تجربة في الإخراج، تتطلع موني إلى مواصلة المسيرة، وطرح مواضيع من تجربتها الشخصية كامرأة، حتى وإن بدت هذه المواضيع مستهلكة، لأن طريقة التناول تختلف من مخرج لآخر، وكل عمل يحمل بالضرورة بصمة مخرجه، سواء في التعبير عن الغضب، الحنين، الألم أو الأمل. وتطمح لأن تكون حاضرة في كل عمل تقدمه، من خلال رؤيتها الفردية وصوتها الخاص.وتختم حديثها بنبرة طموحة وواقعية في آن واحد: "أنا أم وممثلة ومخرجة، وأسير بخطى ثقيلة، ولكن ثابتة. الجميل حتى الآن هو أنني أمتلك حرية التعبير الكاملة، أما التحدي الأكبر فهو قلة الممثلين الشباب القادرين على التحكم في الجسد والصوت والتعبير المركب، خاصة في النصوص التي تعتمد على الأداء الجسدي المكثف. ولهذا، أرى أن تكوين الممثل ضرورة لا تقل أهمية عن تكوين المخرج". |
المشـاهدات 249 تاريخ الإضافـة 16/06/2025 رقم المحتوى 63967 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |