الثلاثاء 2025/7/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
شكرًا لأنك تحلم معنا..نظرة لواقع فلسطيني يزداد مأساوية
شكرًا لأنك تحلم معنا..نظرة لواقع فلسطيني يزداد مأساوية
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

يوسف الشايب

 

صحيح أن فيلم "شكرًا لأنك تحلم معنا" أول روائي طويل للمخرجة الفلسطينية ليلى عبّاس، اكتمل إنتاجيًا وبات جاهزًا للعرض قبل أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وصحيح أن المخرجة كانت متردّدة في عرضه ما بعدها، خشية أن يبدو خارج السياق، لكن قرار جهات الإنتاج الفلسطينية والعالمية كان صائبًا، في رأيي، بحيث كان لعرض الفيلم الذي يمكن تصنيفه بالجريء، أو النسوي، أو حتى المُقاوم، على أكثر من مستوى، أصداء إيجابيّة للغاية، فحصد كثيرًا من الجوائز في أهم المهرجانات العربية والإقليمية والدولية، أحدثها حصوله على جائزتي أفضل فيلم، وأفضل مخرجة، ضمن جوائز النقاد للسينما العربية، التي تُمنح سنويًا على هامش مهرجان كان السينمائي الدولي.وللفيلم الذكي، الذي لا يخلو من فكاهة ساخرة في مواجهة القمع المنهجي للمُحتل، طبقات عدة، إحداها واضحة للعيان تتعلق بقضية جدلية حول الحقوق الأنثوية من الميراث مقارنة بالذكور، والأوضاع الصعبة التي تعيشها الفلسطينيات على أكثر من مستوى، وهو ما يطفو على سطح السردية السينمائية التي أبدعت عبّاس في صياغتها إخراجًا وكتابة أيضًا، على عكس غالبية الإنتاجات السينمائية الفلسطينية، في رأيي، والتي سقطت في فخ سينما المؤلف متأثرة بالسينما الأوروبية، بحيث كانت كثير من الإنتاجات السينمائية الفلسطينية ركيكة نصًّا، لغياب قدرة مخرجيها على الإبداع في التأليف وكتابة أفلامهم، ما يشي بأننا أمام مؤلفة مبدعة، وليس فقط مخرجة مبدعة فحسب.وفي الطبقات الأخرى التي تبدو خفيّة، أو شبه خفيّة، في السرد السينمائي لفيلم "شكرًا لأنك تحلم معنا"، ثمة مواجهة ما مع الاحتلال، تظهر في عبارة هنا، أو مشهد هناك، بحيث تعمدت المخرجة التخلص من الاحتلال ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وكأنها تُحرّر الفيلم من سطوته من دون استبعاده الكامل والمستحيل خارج المشهد الذي يشكل كثيرًا من تفاصيله، وهنا تبرز القدرة الفلسطينية على تحديّه بمقاومة متعددة الأشكال، والبحث عن حياة أفضل داخل البلاد التي هم أهلها الأصلانيّون.وفي طبقة أخرى، ثمة نقد لاذع، لا مبالغة فيه، حول الأداء السياسي الفلسطيني، والفساد، والضرائب، والبيروقراطية الحكومية في الضفة، وتحديدًا في مدينة رام الله، حيث تدور الأحداث، بإشارات هنا وهناك، في الفيلم الذي لا يخلو من تشويق لا على الطريقة الهوليوودية، ولا البوليوودية، ولا حتى المصرية، وغير متأثر بما سبق فلسطينيًا، ليقدم رؤية خاصة، وليست أقل من الكثير، محليًا وعربيًا وإقليميًا، ولا أبالغ إن قلت عالميًا.ويؤسس الفيلم لسينما قد تحمل وسم ليلى عباس في قادم السنوات، إن واصلت السير على خطاها، ووجدت من يدعم فكرها المتقد، مؤلفة وكاتبة سيناريو، وامتلاكها لأدواتها الفنيّة الإبداعية مخرجة، في قادم المشاريع، مع الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي ترافق إنتاج الفيلم الفلسطيني، ما يجعل الواحد منها يحتاج لسنوات عدّة حتى يخرج إلى العلن.ويعرض الفيلم حياة شقيقتين فلسطينيتين، "مريم" (كلارا خوري)، وهي ربّة بيت وأم تعاني مشاكل متكررة مع زوجها (أشرف برهوم) الذي لا يهتم بولديه، وخاصة المراهق بينهما، فتقرر الطلاق، وشقيقتها التي تصغرها "نورا" (ياسمين المصري)، خبيرة التجميل التي تعيش مع والدها المريض، وتقوم برعايته، بالاستحواذ على ميراث الأب (إدوار معلم) بعيد رحيله، الذي يبقى سرًّا لبعض الوقت حتى إتمام المهمة، لعلهما تنجوان في حرمان شقيقهما المهاجر إلى الولايات المتحدة، الغائب عنهما منذ مدّة، حتى أنه لم يزر والده طوال مرضه، والذي لا يحضر مُجَسدًا في الفيلم، ولإتمام المهمة ترسمان مخططًا لسحب أرصدة الأب كافة في البنوك، في قالب من الكوميديا الحقيقية، البعيدة عن التهريج والارتجال غير المدروس، أي كوميديا الموقف هنا، والتي باتت عملة نادرة عربيًا في العقدين الأخيرين.تتجه الشقيقتان للاستعانة تارة بالخال، وتارة أخرى بصديق ترتبط معه الصغرى بعلاقة عاطفية، لكي يقوم أحدهما بدور الأب حين يتصل به البنك، لكنهما يرفضان، بل إن الخال، الذي يجسد دوره الفنان الفلسطيني القدير كامل الباشا، يعبّر عن استهجانه من تركهما جثة الأب من دون إجراءت دفن، متبرئًا من جشعهما المادي، هما المقتنعتان، أو باتتا، بأن الأموال من حقهما بدلًا من أن يستحوذ على غالبيتها شقيقهما المهاجر، وأن أباهما كان يرى أن الأموال لهما، لكن القدر لم يمهله لتوثيق ذلك.تبدو هذه التجربة السينمائية المؤثرة واثقة تسير مزهوّة عبر المزج بين الفيلم الذي يبدو شكلانيًا أنه مزيد من الكوميديا ​​السوداء، أو البيضاء، أو الرمادية، وحتى الملونة، وتكوينات أفلام الصداقة، ويواجه بجرأةٍ الهياكل الأبوية للمجتمع الفلسطيني، مُقدّمًا نقدًا اجتماعيًا لاذعًا بحس فكاهي محبّب، بارز تارة، ومستتر تارات، لكنه في ميتا الصورة والنص السردي السينمائي، يذهب نحو مناطق أخرى، لا تبدو فيها فلسطين غائبة، في إِحداث مُقاربة مفادها أن حقوق الفلسطينيات المهضومة هي جزء من حقوق الشعب الفلسطيني المنتهكة في ظل استمرار الاحتلال وجرائمه منذ قرابة الثمانية عقود، وإن كانت أكثر تعقيدًا.ثمة إلحاح، لا تكرار، يُضفي على الفيلم شعورًا آسرًا بالتوتر، وكأننا في فيلم يحمل شيئًا من البوليسية، وشيئًا من أفلام الجريمة، وهو توتر نعيشه مع الفنانتين اللتين تألقتا في تجسيد دوريهما، أي كلارا خوري وياسمين المصري، ما شكل دافعًا تشويقيًا للمتلقي، في مزيج متقن ما بين الواقعية والكوميديا، التي تعرّي فقاعة السيادة الفلسطينية، عبر دعاية البنك، المستوحى عنوان الفيلم منها، والذي تشكل مساحته الضيقة ملعبًا رحبًا للسرد السينمائي هنا، ما بين أمل ويأس، وترقب، وبعض الارتياح الذي لا يدوم طويلًا، فيما أراه مجازًا لما يعيشه ويعايشه الفلسطيني في ظل الاحتلال والنكبات المستمرة، وفي ظل الصراعات اليومية التي وصلت حد الإبادة والتهجير والتهويد، والذي ظهر على الشاشة في شكل نظام اجتماعي صارم، ولو بدرجات، وتأويلات دينية مستقاة من نصوص يرى مفسّرون أن لا لبس فيها، لا سيما فيما يتعلق بالميراث، من دون إغفال لليوميّات الأوسع للفلسطينية، كممثل للشعب المنكوب برمّته، والعالق في عالم لا يُتيح له مساحة حتى للتنفس.في خضمّ الفوضى التي تعيشها الشقيقتان، كما البلاد، بحثًا عن مستقبل أفضل، ثمة ثقل عاطفي يبدو أنه استجابة لعلاقة جينية مجبولة بالحب العائلي ما بين "مريم" و"نورا"، ومع ذلك تصنع تناقضاتهما الفكرية والممارساتية تفاعلًا ديناميكيًا مُسلّيًا وأصيلًا في آنٍ، فيما تُضفي مشاحناتهما المستمرة لمسةً من الفكاهة، وترسم في الوقت نفسه صورةً واقعية لمفهوم الأخوة، بتوتراتها وتفاهماتها الضمنية، حتى أن إيقاع حوارهما يُشكّل متكئًا محوريًا للفيلم في لحظاته الحاسمة.بصريًا، يتكئ الفيلم، بوعي كبير، وبشكل مُدهش، على العتمة، فغالبية الأحداث، خاصة المحوريّة منها، ليليّة، أو في أجواءٍ مُظلمة، ما يشي بأن رحلة الشقيقتين تجري خارج الضوء فعلًا وتأويلًا، فيما تضيف مشاهد لقاءاتهما السريّة لمسة قاتمة لواقع أكثر قتامة على الصعيد الجمعي، فسريّة الخيارات، وما يرافقها من غموض متعدد المستويات، حد اقتحامه للجانب الأخلاقي، إن جاز التعبير، مترافقًا مع الوتيرة المتسارعة والمحكمة، تبدو جميعها عوامل تتناسب والطبيعة القلقة للأحداث، التي تبقى على مدار ما يزيد عن ساعة ونصف الساعة، مُشوّقة وجذابة، إلا من بضع دقائق لا تترك نتوءًا واضحًا في التكوين العام للفيلم الذي يشكل، في رأيي، نقطة تحوّل في مسيرة السينما الفلسطينية في الألفية الثالثة، لجهة اكتشاف مخرجة على قدر عالٍ من صياغة نص سردي بصري متميّز، ولجهة اكتساب ليلى عباس كاسم فلسطيني جديد في عالم السينما الروائية الطويلة، تمكنت، منذ "ضربتها الأولى"، في أن تُحدث أثرًا غير مسبوق.الحديث يطول عن الفيلم الذي يمكن تحليله من زوايا مختلفة، والتعمق أكثر في كل مشهد، أو مجموعة مشاهد، على حدة.وفي وقت لا يزال فيه المشاهد الفلسطيني في انتظار عرضه في بلاد المنشأ لديه يمكن القول، من دون مبالغة: إن "شكرًا لأنك تحلم معنا" يقدّم نظرة ساحرة على واقع يزداد مأساوية، كما يشكل استثمارًا مستقبليًا في السينما الفلسطينية، عبر مشروع المخرجة، الذي لو استمر بهذه الوتيرة، سيكون علامة فارقة، خلال أفلام ربّما ليست في حاجة لأن تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة.

المشـاهدات 114   تاريخ الإضافـة 23/06/2025   رقم المحتوى 64171
أضف تقييـم