
![]() |
(قاتل ابيه ) والصراع القائم مجتمعيا |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : علوان السلمان
الابداع..مزاوجة الحياة باللغة.. مزاوجة المعنى في المبنى.. التي يلعب فيها كل من التنقيح والطبع دورهما الذي يعد الخطوة الاولى للنقد..الذي هو عملية وصفية تستهدف الاثر وتعيد بنائه بالتفسير والتحليل والتقويم.. ...وفن السرد تمثيل واقعي لارقى شكل من اشكال الوعي الاجتماعي .. الباحث عن حرية تبث في داخله.. وحريته هذه لاتستقيم الا بمعرفة القوانين الطبيعية والاجتماعية.. فتسجل موقفها الفكري ازاء التحديات والقهر والتخلف..باعثة روح التمرد من اجل حياة.. تضمن للانسان انسانيته ووجوده..
وباستحضار النص السردي المفتوح بدلالة نهايته التنقيطية المشكلة لنص صامت.. والقائم على اربعة اقسام تجمعها وحدة موضوعية نسجتها انامل منتجها الروائي زيد الشهيد واسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق على نشره وانتشاره/2024.. كونها كيان يجمع ما بين الذاتي والموضوع الثنائية الجدلية التي تشكل بمحتواها الهام المنتج الذي يمتلك قدرة على فهم الحياة بمكوناتها وقوانينها للتعبير عن مشكلات الانسان الكونية من جهة..وتحقيق عوالم تتجاوز المألوف ومقصديتها الذاتية لتسهم في تعدد الرؤى النصية المتفاعلة ومعطيات الحداثة التي زحزحت النص من ثوابته واعتمدت مسارات جمالية ورموز مستفزة للذاكرة من جهة اخرى..
(اعلمتني ابتداءات عتمة دخلتها بسماء تشبه عباءة سوداء فاحمة لولا النجوم المتلألئة تسفح نورا يشي بصنع مشاعر فيها رومانسية تجعل الناظر اليها يستدعي الابتهاج(من اين تاتي البهجة وانا مقرون بقلب عليل) كي يقول بضع كلمات تنسج شعرا: يتمنى حبيبا يحضر ليرفلا على خميلة الوداد بلسان العشق العسلي..ويقول ما قاله قيس بن الملوح يوما لليلى( ولو كنت ليلا كنت ليل تواصلي // ولو كنت نجما كنت بدر الدجى يسري).. فضلا عن استرجاعه العادة الخالدة(على يميني تمثلت بساتين الخزاعل تنام متدثرة بظلام ثقيل كانها في همود ازلي لا تنهض منه ولا تستقبل شمس النهار القادم كما هي العادة الخالدة (ان البساتين حزام المدينة..نخلها جيوش من فتيات سمر الهمن الشعراء فراح احد المهتمين منهم يعرض لوعته على لسان هاتيك النخيل ويقول علته بما يشبه الشجن الابدي او المعلقة الرثائية(سعف او كرب ظليت ما بي تمرة) ص12.. فالنص يكشف عن (ان العمل الادبي سلسلة من الاصوات التي ينبعث منها المعنى)..فضلا عن انه يعلن عن العلاقة بين الادب والواقع بوصفه كيان يجمع ما بين الذاتي والموضوعي..الثنائية الجدلية التي تشكل بمحتواها الهام المنتج الذي يمتلك قدرة على فهم الحياة بمكوناتها وقوانينها للتعبير عن مشكلات الانسان الكونية..بتوظيف.. الحوار الذاتي(المونولوجي) للاعلان عن دواخل الشخصية المأزومة والمغتربة عن واقعها الانساني(تصورت صوت الناي يدعوني ضمن دعوته لمخلوقات الليل..أخذ دورها في مشاركته كي تعيش بعيدا عن ضغائن اليشر وديدنهم في التصارع والاقتتال.. بشر يدركون.. وبتماد..ان رحلتهم الدنيوية نهايتها الموت..)..ص11.. فالسرد مغامرة فكرية يخوضها(ساجد روضان) الذي يتخذ من شارع كورنيش القشلة مسارا له في وقت متاخر من الليل لانه يرغب في اصدار كتاب على غلافه اسمه ويطلع القراء على سرده..)ص9.. لاكتشاف مكنونات الوجود بتغيراته الزمكانية المندرجة في خانة الحدث..باعتماد التمازج بين الواقعي والتخييلي لتحقيق عوالم تتجاوز المألوف عبر مسارات جمالية ورموز مستفزة للذاكرة..
(كان نوفل بعمر العاشرة عندما عرف من خلال الاحاديث التي تدور بين امه وابيه ان ادارة المملحة اصبحت كاملة منوطة بابيه..وشهد مع الاعوام تطور عملها من خلال وجود شفلين وثلاثة سبارات حمل كبيرة وعدد عمال زادوا من العشرة الى العشرين..وصار الاب من عداد الاغنياء والمتنفذين..غنى ليس لصالح الاسرة وتطويرها وتحديثها انما لتحقيق نزوات وتكريس متعة فردية للاب مقابل حرمان ومعاناة من قبل الام وابنيها نوفل وسهيلة )ص62
فالنص يهتم بالوصف كما في (استقبلتني سهيلة في بيتها المتواضع وقد تجلت ملامح وجهها بعمر الخامسة والخمسين لها عينان سوداوان وجبهة كالمرآة وخدان اسمران يتمتعان بحيوية من ارتوت بماء السماء وشفتان ملمومتان تعرضان اسنانا بيض عند انفراجهما..) ص115..وتحدد طبيعة العلاقات الاجتماعية والصراع القائم داخل المجتمع الذي تشكل عائلة عرفان بؤرته.. التي تكشف عن قدرة فنية في التقاط المشاهد الحياتية عبر لغة حوارية تستخدم المنولوج الداخلي للكشف عن دخيلة الشخصية السردية ومدى تفاعلها والخارج..وتداخلها مع الخيال لتشكيل وظيفتها الايحائية.. ومن ثم تحقيق المتعة والمنفعة في نفس المتلقي.. وبذا تحقق القصدية التي تتمثل في كون السرد حافزا لاساسات واقع جديد.. اضافة الى تحقيق وظيفة جمالية من خلال قدرة السارد على تحريك الواقع وتفجيره من خلال الوعي والخزين المعرفي...(انا رافض لسلوك ابي (تطبعه بلعب القمار)..امقت فعله ..كيف اغض النظر دون اعلان اعتراضي عليه(لانه وامه واخته يلفهم العوز).. (ولقد تاكد لنوفل كلام الجارات وهن ينقلن عن ازواجهن انغماس ابيه في لعب القمار..) ص64..هذا يعني ان السارد يركز على الهم الاجتماعي كمحرك فاعل ومؤثر في الواقع الاجتماعي داخل بنية النص والذي يحدد الوعي الاجتماعي.. الناتج من الواقع الاجتماعي..
فالمنتج (السارد) يتمتع بقدرة فنية على بلورة الاحداث وما يحيط به بانسيابية تعتمد التحليل والتشخيص عبر رؤية تنطلق من الذات الى الموضوع بسردية توصيفية مشبعة بالقلق والخوف والغرابة..فضلا عن اتصاف الخط السيري بدقة التصميم الفني والعقلانية باعتماده التوازن ما بين النظرة العلمية والواقعية والعقلانية وبين الخيالية والحسية والحدسية..بالاتكاء على ذاكرة زاخرة بالصور والاحداث منسوجة بلغة يومية ومديوفة بخيال شفيف وقائمة على اسلوبية سردية تعتمد عناصر التشويق والجذب..هذا يعني ان السرد تميز ببراعته البنائية وواقعيته مع سهولة في الطرح والحكي..اضافة الى اتصافه بعمقه الدلالي والنفسي ولغته اليومية المختزلة بالفاظ موحية ووصف دال تمكن من ايصال الفكرة المضمونية الى ذهن المستهلك(المتلقي)..وهو يصور ما آلت اليه الحياة واختلاط القيم وهيمنة المتناقضات في تصوير عصر المفارقات..فضلا عن اعتمادها التكنيك الفني المتحرك ما بين الزمكانية وحركة الشخوص والكشف عما يدور بدواخلها باستخدام اسلوب الحوار بشقيه (الداخلي ـ المونولوجي ـ ) (ياااااه.هذه غرفة نوفل..هذا مكانه..تمتم لساني كأنه ينطق دواخلي..ان مكان الانسان هويته..) ص116.. والخارجي حوار الشخصيات..(ما رايك لو نلتقي؟ قلت بشيء من التضرع: ولم لا.. اجاب بترحاب..متى يعجبك؟..غدا ان رغبت.. وهو كذلك..سجل رقم هاتفي.اتصا بي متى رغبت. قال ذلك ونهض ملقيا تحية الوداع ومؤكدا على موعد اللقاء.. اتخذ الدرجات الثلاث التي تنزله الى رصيف الشارع وغاب.. عاد فايق وفي عينيه بريق تساؤل:هل اتفقت معه؟ نعم وكان اريجيا..لم يعتذر هل اعلمك بانه قاتل ابيه ماذا ؟؟..نوفل عرفان قاتل ابيه ؟..هتفت مندهشا ومصعوقا.ز لاترفع صوتك سيسخر منك الجلاس لجهلك انه قاتل ابيه؟ هل تقصد انا الوحيد الذي لايعرف ذلك الظاهر هكذا.. فالحوارات تكشف عن دخيلة الشخصيات التي تجري عميقا في تاريخها الشخصي عبر نهر طويل من المشاهدات, والتداعيات..
(من وراء الاكمة..من كثافة العتمة..من فضولي الجامح للرسو عند مرفأ اليقين شاهدته..هوه..هوه..نوفل عرفان وليس غيره..ليس بالقامة المحدودبة..ليس المنكفىء المتهالك..كان المنتصب بيقين..المتحدث بصواب..يتكلم موجها النظرات الى الجميع كأنه يعدهم فردا فردا..
ـ كانت تموجات الضوء المنبعث من هامات شموع يجلبونها معهم فيشعلونها يوميا بعدما يجلسون بهيئة حرف نون وتروح تنعكس راقصة على الوجوه او تتلاصف في العيون..وكان هو يقف كالنقطة يتحرك قليلا او يتمايل ليحكم اتزانه على نديف الرمل.. تمر نظراته على الوجوه فيتلمس عيونا محدقة به باهتمام وافواها شبه مفتوخة تترحم الجهش ومسامع مستعذبة بما تسمع..وذائقة معيدة ما يقول بتلقين خرافي نرغوب بوله..تفتح الاذهان ابوابها تستقبل مل مفردة يقولها او عبارة يرددها..مجمل ما يسمعون افكارا تثير اهتمامهم قيخمنوها الشفاء لقلوبهم الظامئة للنور..والبلسم الشافي لجملة الجراح المتتالية لاعوام حياتهم..حياة يرونها آيلة الى التبعثر والهباء ان لم يضعوا الخطو على سكة الضوء والتحرك صوب مرافىء تحقيق الحلم بصفتهم شبابا لابد ان يحلموا وليس غير الحلم قطارا يقلهم الى المدن المرتجاة..مدن الصحو على شمس تغدق عليهم نورها الوضاء..) ص133ـ ص134..
فالتص في تراكيبه يحاول التقاط انموذج انساني للتحدث عن الواقع مبتعدا عن اسلوب السرد والحديث الدعائي مع انفعالية بالحدث واهتمام بالبعد الاجتماعي والواقع السياسي.. لذا فالمنتج يعي الاحداث ويلتقطها ويفلسفها ويكون لها نهجا فكريا في التعامل مع الواقع..فيوظف (التراث الشعبي والحكاية والعوالم الشعرية المتداخلة مع الواقع من جهة.. والاستعاضة عن النقص في جانبها الحدثي وتطعيمه بالوجدان الشعري ضمن اطار المنولوج كي يزيد من حدة لغته عندما يتهاوى الواقع....من جهة اخرى) والتعبير عن دلالات فنية تطمح الى تحقيقها وهي اما كرمز او اغناء تجربة او منح السردية ابعادا نفسية وجمالية مؤثرة ومحاولة ايجاد معادلها الموضوعي لاختراق الواقع الاجتماعي واضفاء نبضا جاذبا على الاسلوب السردي الكاشف عن تسجيلية وقدرة على التقاط اللحظة العيانية بلغة موحية مؤثرة باسلوبها الاشاري والتصوير السريع.. وبهذا يوازن الروائي بين الحركة الفنية(شعرا او سردا) داخل مسيرة النص تصاعديا والتي تتحقق بقدرة السارد على السرد الواقعي وتسجيل الاحداث المرتكزة حول همها وهاجسها الانساني المنبثق من واقع معاش ومتجسد في الوجود..وليس حول البحث عن بنية لاستقراء هموم ذاتية .. وبذلك قدم المنتج(السارد)نصا ساهمت تراكمات ذهنية وتاريخية في خلق عوالمه المستفزة للذاكرة ..فضلا عن انه كشف عن منتج امتلك القدرة على معايشة الواقع وبلورة مفهوم واضح يكشف عن نفسه من خلال رؤية مبصرة للحقل الاجتماعي مع تواصل مستمر مرتبط بالعالم الداخلي والذهني للشخصيات كاشفا عن البعد الدافيء للعلاقة الانسانية وهموم الفرد الذي يعيش ضغط الاضطهاد باعتماد الحوار الداخلي ليزيد من كثافة الموقف المأساوي..اضافة الى تجسيد المشاعر الخفية التي اباح بها لحظة الامتلاء الذاكراتي مسجلا موقفا مؤطرا باطار الحياة يكاد يكون مرئيا مخترقا الاضواء .. منسوجا بنسيج فني يكشف عن ادق الدلالات النفسية والعلاقات الاجتماعية..كونه عالم مبني على استلهام الوقائع والاحداث التي يقتنصها سارد بارع يمتلك قدرة على استبطانها والخروج بها من دائرة الحدث الطبيعية الى عوالم الشمولية.. بتوظيفه تقنيات فنية واسلوبية كـ (الاستباق والاسترجاع والتذكر..).. مع اعتماد الروح الشعبية ضمن حركة التجذير والارتباط المجتمعي واللجوء الى مداخلة الاحداث والازمان والامكنة من خلال شريط التذكر بتفعيل الذاكرة....
فائدة الرواية توثيق واقعي للحرب ونتائجها المتمثلة بانهيار القيم نتيجة الاضطهاد والاستخفاف بالانسان عموما والمثقف خصوصا وما عملية اعتيال ساجد روضان الا اغتيال للثقافة والمثقف..
فائدة
التنقيط الذي انتهى به السرد يعني انفتاح النص واستمرارالتحري للوقوف على مصير (نوفل عرفان) واكمال سيرة حياته وتسليط الضوء عليها . |
المشـاهدات 181 تاريخ الإضافـة 23/06/2025 رقم المحتوى 64184 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |