
![]() |
عرضٌ هشّ |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ليست كل ضربة تُطلق للقتل، ثمة ضربات تُرسل للعرض، للتهويل، للتذكير بأن المطرقة لا تزال في اليد، وإن غاب الصوت عن السندان. الضربة الأميركية على إيران لم تكن ضربة في جوهرها، بل مشهداً، فصلًا من رواية طويلة تُكتب بحبر الاستعراض، وتُقرأ في العواصم البعيدة أكثر مما تُحسّ على الأرض. حين حلّقت قاذفات B-2، لم تكن السماء تمهّد لحرب، بل كانت تمثّل. قذائف ذكية، مجنّحة، دقيقة، هبطت على مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان كما لو أنها تقول: نحن هنا، لا من أجل الحرب، بل لنُثبت أننا قادرون عليها.
أميركا لم تُرد أن تُنهي البرنامج النووي الإيراني، بل أرادت أن تُنهي وهم الغياب، أن تُذكّر من نسي أن حضورها لا يُقاس بعدد الجنود، بل بنوع القرار. لم يكن الهدف طهران وحدها، ولا تخصيب اليورانيوم، بل بكين وموسكو، ومن يراقب المدى البعيد للذراع الأميركية. كان الضجيج موجّهاً إلى العالم، إلى من يظن أن واشنطن غارقة في الداخل، منشغلة بمشاكلها، مستنزفة أمام أوكرانيا أو تايوان.
لكن العرض، رغم شدّته، بدا هشّاً. لأن الأثر لا يوازي العنوان، والضرر لا يلغي القدرة، ولأن إيران، التي امتصّت الضربة، لم تفقد التوازن. ردّت، كما يُردّ على مشهدٍ لا على معركة. أطلقت صواريخ إلى قاعدة العديد، ثم انسحبت إلى خطابها المألوف. لا قتلى، لا تصعيد، فقط رجع صدى. الرد كان صوتاً لا طعناً، تصريحاً لا حرباً، لأن الجميع يدرك أن المدى المُتاح الآن لا يتّسع لجنائز جديدة.
طهران ليست غافلة عن قواعد النار. تعرف أن من يُشعلها اليوم قد لا يطفئها غداً. لذا ردّت بقدر ما يكفي لئلا تُتهم بالضعف، وبقدر ما يبقي الأبواب مواربة. فالحرب ليست مطلوبة، لكن الصمت أيضاً لا يُحتمل. كأنّ الردّ كان أقرب إلى تنفّس تحت الماء، إلى صوت من وراء الزجاج.
وفي الخلفية، بدت موسكو تُدندن بلحنها المعتاد: أميركا تخرق القواعد. وبكين تُشير إلى الضرر العالمي. لكن لا أحد تحرّك. الجميع شاهد العرض من مقاعده. الجميع صفّق أو صمت، لا أحد اقترب من خشبة المسرح. إنها لحظة من لحظات العالم التي يتجاور فيها التهديد والمجاملة، الخطر والبروتوكول.
الضربة، مهما قيل عنها، لم تُغلق الملف النووي، ولم تُنذر بنهاية. إنها فصلٌ جديد من فصول التذكير بالهيبة. لكن الهيبة إن لم تُرفَق بنصرٍ حقيقي، تتحوّل إلى فراغٍ فخم، إلى قنابل تُشعل الهواء لا الواقع. وإيران، بتعقيدها ومناوراتها، ليست خصماً يُطوّع بالعرض. إنها خصم يتقن لغة الحدود، ويقرأ جيداً متى يُصعّد، ومتى يبتسم من خلف القصف.
في جوف هذه اللعبة، يبدو التوازن هشّاً مثل العرض ذاته. فلا شيء يحسم، ولا شيء يُبنى. العالم يتابع بصبرٍ مُرهق. والأسواق تتحرك بلا يقين. وحين يُسأل السؤال: من المنتصر؟ لا يجد المحللون سوى كلمات مبلّلة بالتأويل. إذ لا نصر في مشهد كهذا، ولا هزيمة. فقط وهمٌ مؤجل، وشررٌ على الحواف. |
المشـاهدات 67 تاريخ الإضافـة 25/06/2025 رقم المحتوى 64242 |