الثلاثاء 2025/7/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
إذا ارتجف قلبك، لا تُكذّبه
إذا ارتجف قلبك، لا تُكذّبه
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

مروان ياسين الدليمي

في آخر الليل،

حين نامت المدينة كقطةٍ ملّت التعب،

جلستُ أمام مِرآتي

أسأل وجهي عن آخر مرة صدقتُ فيها إحساسي.

 

كان الصمت يردّ عليّ

بهديرٍ خافت يشبه ارتطام قلبٍ بحقيقة،

فهمتُ أنني لم أُخطئ،

لكنّني فقط كنت أبحث عن دليلٍ

لما لا يحتاج إلى إثبات.

 

العفويّة،

ذلك الطفل الأخرس الذي يركض في صدري

حين يقترب منّي أحدهم،

يشدّ قميصي،

يركل عقلي،

ويشير بأصابعه المرتبكة نحو الخطر.

 

نعم، لم أكن أعرفهم،

لكنّني رأيت في وجوههم

تعرجاتِ الندم القادم،

ورأيتني،

وأنا أهرب من نفسي إليّ.

 

الملامح لا تكذب،

إنها كالأشجار القديمة،

كلّ عقدة فيها تحكي صفعة ريح،

وكل انحناءة ظل،

تحمل شهادة وفاة لرغبةٍ كانت تظنها خالدة.

 

الوجه لا يخدع،

بل نحن من نغلق أعيننا،

نرفض أن نقرأ الحزن الواضح

كما نرفض أن نرى دمعةً

تتسلل من ابتسامة.

 

الوجوه لا تكذب،

إنها رسائل تُكتب بالحروق،

بالخطوط الخفيفة التي تشبه أنهاراً جافة

سافَرَت طويلاً

ثم ماتت عند بابٍ مغلق.

 

ما عاد فيّ شيء يحتاج إلى برهان،

الصدق في الحواس،

في الرعشة التي تعبر ظهري

حين يبتسم أحدهم دون سبب،

في الطريقة التي يختنق بها الهواء

حين يكون القرب أكثر من اللازم.

 

لقد تعبتُ من الشك.

بعضنا يرى بالعين،

وبعضنا يشمّ بالذاكرة،

والبعض،

تُنذرهم الأرضُ نفسها،

حين تصير صلبة تحت أقدام الزيف.

 

كل ما أعرفه الآن،

أنني حين شعرت، صدقت،

وحين صدقت،

نجوت.

 

لم أكن أملك دليلاً،

لكن شيئًا ما بداخلي

كان يصرخ: "احذر من اليد التي لا ترتجف."

 

الحدس

ربما هو كلبٌ ضال

ينبح حين يشعر بالخطر

حتى لو كان الباب مواربًا والمطر دافئًا.

 

صوت خافت

كان يمشي في رأسي حافيًا،

يهمس: "هذا ليس عابرًا،

بل نهرٌ مريض

يحمل في جوفه جثثًا باسمك."

أحيانًا...

يكفي ظلُّ شخصٍ على الرصيف

كي تعرف كيف ستنتهي الحكاية.

 

المنطقُ كان يتثاءب،

يسألني بأدبٍ مصطنع:

"هل تحكم على الناس من وجوههم؟"

لكن عيني كانت تتشمم ملامحه

ككلبٍ شمّ رائحة الحريق في يد الجار.

 

بعض الناس،

يمرون بنا

كما تمر رائحة الموتى في المستشفيات:

لا تراهم،

لكنّك تنسى التنفس فجأة.

 

هناك وجوه،

حين تراها،

تشعر أن عمرك صار فجأةً ثقيلاً،

كأنّك مشيت ألف سنة

في جملةٍ واحدة لا تنتهي.

 

الذين يخبئون نواياهم خلف ابتسامات ناعمة

يشبهون وسادةً مبللة بالعطر،

ناعمة،

لكنها تحمل أثر الدم.

 

الحدس لا يشرح،

ولا يستأذن،

يصفعك ويغادر

ثم يترك لك مهمة التفسير.

 

أنا صدّقته.

كما أصدق ارتجافَ الستارة

حتى لو لم يكن في الغرفة ريح،

وكما أصدق أنّ الوردة تموت فجأة

حين تنظر في عيون لا تحب.

 

وكلما حاولتُ أن أطمئن،

أن أقول: "ربما أتوهم"،

جاءني ذلك الصوت مجددًا

وهو يلبس قناع جدتي :

"إذا ارتجف قلبك، لا تُكذّبه."

المشـاهدات 20   تاريخ الإضافـة 30/06/2025   رقم المحتوى 64392
أضف تقييـم