الأربعاء 2025/7/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
مهارة الذات وملامسة الواقع في (بكاء النوارس)
مهارة الذات وملامسة الواقع في (بكاء النوارس)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حسين راضي الشمري

المجموعة القصصية الموسومة (بكاء النوارس) للكاتبة رجاء الجابري تعتبر من الاعمال الوجدانية حيث تتداخل فيه التجربة الشخصية مع الهمّ الجمعي، وتتشكل (عبرة ذاتٌ أنثوية) تحاول أن تكتب وتتكلم وتتحرر في عالم لا يرحب كثيرًا بصوتها. اما العنوان فيضعنا أمام ثنائية الحرية والحزن ... النوارس كرمز للطيران والانطلاق حين تبكي فإنها تعلن عن اختلال التوازن عن قيدٍ غير مرئي يربك هذا الكائن الحر وهو تمامًا ما تعيشه البطلة في رحلتها النفسية والاجتماعية.

في هذه المجموعة المتنوعة نعثر على حبكة تقليدية متصاعدة بقدر ما نواجه سيلًا داخليًا من البوح يعتمد على تدفق الوعي والمونولوج النفسي. على سبيل المثال شخصية فاطمة بطلة أحدى القصص... لا تسرد أحداثًا بالمعنى الزمني الصارم، بل تلتقط لحظات متفرقة، مشاهد من طفولتها، مواقف من شبابها، حوارات مع الأم، مع الذات، مع الخيبة. كل هذه الشذرات تتراكم لتصنع صورة كاملة عن امرأة تبحث عن نفسها وسط ضجيج التقاليد وأحكام المجتمع الصارمة.

كما ان اللغة في"بكاء النوارس" تتنوع بين الشعر والنثر؛ بين السرد والوصف بين الصراخ والهمس. هي لغة مشبعة بالإحساس، مليئة بالتشبيهات والاستعارات، قادرة في أحيان على الإدهاش والتأثير، لكنها قد تُثقل أحيانًا بانفعالٍ زائد أو تكرار لبعض الصور. ومع ذلك، تبقى الكاتبة مخلصة للتجربة التي تكتبها، لا تتجمّل، ولا تحاول التزييف أو التنميق، بل تترك الكلمات تتداعى كما تنفجر المشاعر في دواخل المهمومين.

ان ما يميز النصوص أيضًا هو رسمها لشخصية حية، تعاني، تحتار، ترفض، تنهار، ثم تعود لتقف مجددًا. هذه البطلة لا تُقدَّم كضحية سلبية، بل كشخص يرفض أن يُستهلك أو يُختزل في أدوار نمطية. تحلم بالكتابة، تحاول الانعتاق، وتدرك، في لحظات قاسية، أن رفض الواقع ليس سهلًا، وأن الطريق إلى الذات قد يكون محفوفًا بالخذلان.

ان قصص الكاتبة رجاء الجابري "بكاء النوارس" قد تناولت ـ بجرأة ـ قضايا المرأة في مجتمعات يغلب عليها الصوت الذكوري. تسلط الضوء على الكبت العاطفي، وعلى النظرة النفعية للمرأة كأداة تزويج وإنجاب، لا ككيان حالم ومبدع. لكن قوة القصص لا تكمن فقط في الطرح المباشر لهذه القضايا، بل في الطريقة التي تُروى بها ، عبر صوت داخلي ناعم وموجِع ، يحفر عميقًا في النفس، ويجعل من الألم نصًا مفتوحًا للتأمل والمراجعة.

من الجنبة الفنية ، يمكن ان توصف (نصوص الجابري) بأنها أقرب إلى القصص الواقعية أو السيرة الذاتية المتخيلة، التي تقترب من أدب الاعتراف واليوميات ، فضلا عن وجود مسحة فلسفية خفيفة تظهر في تأملات أبطال القصص الخاصة بالحياة، والموت، والحب، والكتابة.

ومع أن النص لا يحوي على ذروات درامية تقليدية ، فإنه يحافظ على توتر شعوري عالٍ، يجعل القارئ في حالة إنصات دائم. وربما يكون هذا التوتر الصامت هو أكثر ما يميز  (بكاء النوارس) ، إذ ان قصص المجموعة لا تصرخ كثيرًا، لكنها توجع بصمتها.

وعلى مستوى التأثير؛ يصعب على القارئ أن يغلق هذه الصفحات دون أن يشعر بشيء من التعاطف مع الشخصيات ، ولعل ابرزهذه الشخصيات شخصية "فاطمة". وهناك ثمة مواقف وحوارات تبدو مألوفة لدرجة الألم ، وكأن الكاتبة تنقل ما نعجز عن قوله. إنها تكتب لا لتروي قصة بطلتها فقط،            بل لتفتح بابًا يطل منه القارئ على ذاته هو، على حزنه الشخصي ، على خيباته المؤجلة.

وفي المحصلة ، فإن "بكاء النوارس" ليست فقط حكاية امرأة ضد العالم ، بل هي أيضًا حكاية الكتابة كفعل مقاومة، وكنافذة أخيرة للبقاء... ان المجموعة القصصية الابداعية تلامس القلب بلغة ناعمة شجاعة، تتطلب قارئًا يُنصت لا بعينيه فقط ، بل وبحساسيته الرهيفة وإنسانيته الفطرية السليمة أيضًا.

المشـاهدات 35   تاريخ الإضافـة 02/07/2025   رقم المحتوى 64469
أضف تقييـم