الخميس 2025/7/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
نيوز بار
الشعوب ما بعد الصدمات والكوارث العراق نموذجًا لأزمة نفسية صامتة
الشعوب ما بعد الصدمات والكوارث العراق نموذجًا لأزمة نفسية صامتة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب اسيل عبدالامير
النـص :

في دولٍ عديدة خرجت من حروب مدمّرة وصراعات طويلة، باتت مسألة الصحة النفسية واحدة من أولويات الحكومات لإعادة بناء الإنسان قبل المكان. فالتجارب العالمية تؤكّد أن آثار الحروب لا تنتهي بتوقّف القتال، بل تترك جروحًا غائرة في النفوس قد تنتقل عبر الأجيال إن لم يُعالَج المجتمع بوعي وحكمة.غير أنّ الواقع في العراق يروي حكاية مختلفة؛ فعلى الرغم من مرور عقود من الصراعات والحروب والحصار، ظل الاهتمام بالصحة النفسية محدودًا، وكأنّ غبار الأزمات استقرّ في العقول والقلوب لينتقل كإرث ثقيل من الآباء إلى الأبناء. هذا الغبار ــ الذي يتمثّل في الأمراض النفسية ــ صار اليوم ينتشر بشكل مقلق داخل مجتمع يفتقر إلى ثقافة الطب النفسي، وإلى مؤسسات كافية لمعالجة هذه الأزمات المتراكمة.

 

قنبلة موقوتة

 

مع تحسّن الأوضاع الأمنية نسبيًا في السنوات الأخيرة، توقّع العراقيون أن يتنفّسوا الصعداء، لكنهم تجاهلوا قنبلة موقوتة كانت مدفونة في النفوس. فما لبثت أن انفجرت هذه الأزمة بصمتٍ لتظهر على شكل جرائم أسرية تهزّ المجتمع من حين إلى آخر: أبٌ يقتل زوجته، ابنٌ يقتل عائلته، أخٌ يقتل شقيقته، زوجةٌ تقتل زوجها… جرائم مروّعة تتكرّر وسط بيئة أمنية تعاني من ثغرات وقوانين رادعة غير صارمة، وفسادٍ إداري ورشاوى أضعفت هيبة القانون في عيون بعض الناس.

 

الضغوط تقود إلى القتل

 

إنّ الضغوط الهائلة داخل الأسرة والمجتمع، مع الفقر وانتشار المخدرات، تحوّل الإنسان الضعيف نفسيًا إلى ضحية سهلة لهذه الظروف. وفي غياب الوعي والدعم النفسي، قد يفقد المرء السيطرة على ذاته ليصبح قاتلًا بدمٍ بارد، دون أن يدرك أنّه كان ضحية قبل أن يصبح مجرمًا. المؤسف أنّ وعي المجتمع العراقي بطب النفس ما زال بدائيًا، إذ يختزل الكثيرون الطبيب النفسي بالمختل عقليًا أو المجنون، ولا يدركون أنّ العلاج النفسي ضرورة حياتية.

 

نقصٌ فادح في الأطباء

 

بحسب تقرير لمجلس النواب العراقي، يبلغ عدد الأطباء النفسيين الفعليين في البلاد 178 فقط، بينما تشير المعايير العالمية إلى أن العراق بحاجة إلى ما لا يقل عن 1507 أطباء نفسيين (بمعدل 4.15 طبيبًا لكل 100,000 نسمة). وفي دول أخرى، يتراوح هذا المعدل بين 9 إلى 40 طبيبًا لكل 100,000 نسمة. وإلى جانب هذا النقص، يتحمّل المواطن جزءًا كبيرًا من تكاليف الرعاية النفسية، ما يشكّل عبئًا ثقيلًا على الفقراء.

 

ظاهرة الانتحار… ناقوس خطر

 

تُظهر الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية ارتفاعًا متواصلًا في معدّلات الانتحار في العراق، وهو ما يعكس خطورة الأزمات النفسية التي تعصف بالمجتمع في غياب الدعم المهني والوعي الأسري.

 

الحاجة إلى تدخل عاجل

 

إنّ مسؤولية التصدي لهذه الأزمة تقع على عاتق الدولة أولًا، ووزارة الصحة على وجه الخصوص، من خلال زيادة أعداد الأطباء النفسيين، وافتتاح مراكز علاج نفسي متخصصة، وإطلاق حملات توعية شاملة تكسر الحواجز الاجتماعية تجاه الطب النفسي، وتشجّع الناس على اللجوء إليه دون خوف أو خجل.إنّ شعبًا عانى ما عاناه العراقيون يستحق أن يحيا بسلام، ووعي، وصحة نفسية مستقرة، بعيدًا عن كوابيس الماضي وجرائم الحاضر.

المشـاهدات 26   تاريخ الإضافـة 03/07/2025   رقم المحتوى 64519
أضف تقييـم