النـص :
لم تكن الليلة كما سواها من الليالي ولم يكن الليل ليلًا حين خيّم على الطفوف بعد أن سفكت الدماء الزكية وسكنت الأرواح الطاهرة في أرض كربلاء... إنها ليلة الحادي عشر حين لف الحزن خيام الهاشميين وغاص القمر في دمه وانحنت النجوم تودع رجال الطهر وهم جثامين على الرمضاء.ما أثقل هذا الليل على قلب زينب !كل نجم كان يلمع في السماء تراه شبيهاً بنجمٍ في ظهر يوم عاشوراء... هذا علي الأكبر وذاك القاسم وهناك العباس وقلبها معلّق بجسدٍ ممدد بلا رأس... الحسين !كانت ليلة وداع أخرى ولكن من نوع مختلف وداع بلا همس بلا أيدٍ تلوح ولا كلمات تُسند الجراح... كانت زينب صلوات الله عليها تودع بصرخةٍ مكتومة بصمتٍ يوجع بخطى حائرة بين الجثث وبكاء مخنوق يذيب القلب .الليلة نامت الطفلة رقيّة على صوت صهيل الخيل لا على صدر أبيها ...الليلة باتت سكينة تفتش بين الأجساد عن نَفَس أبيها الأخير...الليلة اشتعلت خيام الحسين وتحلّق الأطفال حول زينب لا ماء لا دفء لا وطن !أكثر اللحظات قسوةً لم تكن سيوف الأعداء بل كانت سكين الوحشة التي ذبحت نياط القلوب في تلك الليلة.كل وداعٍ يبكى فيه بحرقة لكن وداع زينب كان بالحريق والصبر والعزم بل كانت الليلة مدرسة للثبات لا مثيل له.أطلت زينب من قلب النار تحمل ما تبقى من آل محمد وأمامها رؤوس الأهل والأحبة ترتفع على الرماح وسبي النساء خلفها يزف في درب الذل. لكنها كانت " أعظم من المصيبة " وكانت "العين التي لا تنكسر" وكانت صوت الحسين الباقي حين قطع صوته .ليلة الحادي عشر من محرم هي المرآة التي تعكس وجع عاشوراء والامتداد الذي يظهر معدن الطهر والصبر... هي ليلة لا يطفئها الزمن لأنها محفورة في ذاكرة كل حر تشعل فيه نار الرفض وتعلّمه كيف يكون الولاء وكيف يكون الفخر في البكاء .
|