الأحد 2025/7/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 41.95 مئويـة
نيوز بار
الغذاميُّ و قصيدة النثر
الغذاميُّ و قصيدة النثر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

توطئة:

( عالمك الشعري فضاءات حالمة وأخاذة، وفي لغتك موسيقى شفيفة، عرفت فيك الناقد،

 ولكن ناقدك لم يقتل شاعرك، هذه معادلة صعبة وليس من اليسير تحقيقها)

د -عبد الله الغذامي  مخاطباً  د- رسول عدنان

 

مخترع قصيدة النثر

ألويسيوس برتران (1807ـ 1841)

 و منهم من يلفظ أسمَه بزيادة حرف الدال اي برتراند و هو لويس جاك نابليون برتراند ، المعروف ب اسم مستعار ألويسيوس برتراند، هو شاعر ومسرحي وصحافي فرنسي الأب و أمه إيطالية، قضى حياته بين ديجون وباريس، هو مخترع قصيدة النثر الحديثة، من خلال نصّه او ديوانه جاسبار الليل، في هذا الكتاب ستة أقسام، في كلّ قسم، عدد من القطع النثرية تحتوي على الشحنة الشعريّة، وفي القطعة عدد من الفقرات بين الواحدة والأخرى فراغ واسع أبيض، ترك ( برتران) تعليمات للمطبعة أن تحافظ على هذا الفراغ، بعد وفاة برتران بعام واحد، تم طبع هذا الديوان و قد أخذ صاحب دار النشر بالتوصيات التي تركها له برتران و طبع الديوان عام 1842 في باريس، وكان قد شرع فيه عام 1835، عندما سُئل برتران عن هذا الديوان وصفه بأنه (فانتازيا متحررة من القيود التقليدية على طريقة رمبراندت ودو غالو)

يبدو أن بودلير كان أول المعجبين بكتاب برتران الذي أطلق عليه اسم (قصيدة نثر) poème en prose وحاول أن يسير على نهجه، ففي رسالة بعث بها إلى رئيس تحرير مجلة باريسية، يبدي فيها إعجابه بعمل برتران، يصف قصيدة النثر بأنها عمل لا رأس له ولا ذَنَب لكنه (نثر شعري فيه موسيقى دون إيقاع أو قافية، يتكيّف مع حركات النفس وتقلّبات أحلام اليقظة )

و في هذا يقول بودلير (

 ، "عند تصفحي - للمرة العشرين، على الأقل لـ "جاسبار الليلي" الشهير لآلويزيوس بوتران... واتتني فكرة محاولة شيء على مثاله، وأن أطبق على وصف الحياة الحديثة، أو - بالأحرى - على حياة واحدة حديثة وأكثر تجريدا، النهج -التصويري بشكل غريب - الذي استخدمه في رسم الحياة القديمة "؛ ذلك ما كتبه "بودلير" في إهداء Dédicace الى "أرسين هوسايي"، الذي نشر في "لا بريس La , Presse ) كما ذكرت سوزان برنار"، عام 1862-

و هكذا كتب بودلير ديوانه سأم باريس على غرار جاسبار الليل لبرتران و تبعه رامبو في إشراقات رامبو ثم مالارميه في قصيدته رمية نرد و هكذا إنطلقت قصيدة النثر الفرنسية من فرنسا الى اوروبا الى العالم و هي تحمل ستة شروط او سمات او ميزات، المهم هنالك ستة نقاط يجب ان تتوفر في النص حتى يكون قصيدة نثر و هذه الشروط او سمّها ما تشاء هي :

1- تكتب على شكل مقال او كتلة و قد تنزلق بعض أجزائها الى التشطير

2- تستخدم اللاغرضية اي لا تتحدد بأغراض معينة و العشوائية من حيث اختيار الألفاظ و الصور بشكل غير انسيابي

3- المجانيّة بمعنى اللازميّة 

4- المجازية و التكثيف الصوري و قصر الجمل  بلا استرسال او اسهاب

5- استخدام الأقواس و الفراغات و علامات التنقيط اي كل ما يتعلق بسيميائية الشكل

6- تكتب بلا وزن و لا قافية

 هكذا بدأت قصيدة النثر بنسختها الفرنسية، و هكذا يجب ان تكون و ان تكتب، و في هذا يقول د فاضل العزاوي منظر جماعة كركوك ( فما دُمنا نعيشُ في زمن تنهدم فيه الحدود باستمرار بين الثقافات وما دمنا قد اقتبسنا مصطلحيّ الشعر الحر و قصيدة النثر من الثقافة الأوروبيّة ولم نستخرجهما من تراثنا الخاص مثلاً، فإنّه يصبح ضرورياً الإلتزام بمعناهما المحدد شعرياًّ وثقافياً بدل مواصلة المزيد من الإلتباس وسوء الفهم )

لكن الدور التخريبي الذي قامت به جماعة مجلة شعر و على رأسها أدونيس إنّهم لم يقتفوا الطريقة الفرنسية الأصلية في كتابة هذا الوليد الجديد في الشعر العربي بل كتبوها بشكل خاطئ و بعيدٍ كل البعد على النسخة الفرنسية، و ممّا أدى الى تعميق هذه الإنتكاسة هو إطلاقهم مسمى خاطئ تماما حول طريقة كتابتهم الجديدة فأطلقوا تسمية قصيدة النثر على النوع الذي كتبوه و هو لا يمتّ بأيّ صلة الى النسخة الفرنسية من قصيدة النثر، و هكذا شاعت التسمية الخطأ و الصياغة الخطأ بسبب أدونيس و جماعة مجلة شعر و الذين أعطوا لأنفسهم حق إعلان إنطلاق قصيدة النثر الخاطئة في بيانهم الشوفيني عام 1960، و هنا استعين بتعريف سكرتير مجلة شعر نجيب الريّس في كتابه آخر الخوارج إذ يقول ( يبقى دور مجلة شعر في الثقافة العربية، وهو في رأيي دور مبالغ فيه، دور اخترعه الذين كانوا خارج مجلة شعر، ودور عززّه أعداؤها لتكبير دورهم، ودورٌ ضخّمه الجيل الذي لم يعاصرها، دورٌ اصطُنع لها في عصر خَبَتْ فيه أنوار ثقافية كثيرة ، مع نمو حركة الشعر الحديث، وتكاثر الشعراء الجدد، اصطُنع لمجلة شعر هالة لم تكن لها، ولا أعتقد أنّ مؤسسها طمح إليها أو أرادها، إنما أرادها شعراء الحداثة الجدد)؛ انّ ما يكتب الآن من كتابات على أنّها قصيدة نثر في الحقيقة ما هي الا خاطرة او نستطيع ان نضع لها مسمى (الخاطرة الجديدة ) لا أكثر، و ليس لها أية علاقة بقصيدة النثر مطلقا بل لم تلامس حتى قشرها الخارجي، و إنني لأعزو إشاعة هذه المفاهيم الخاطئة في كتابة قصيدة النثر الى ثلاثة أسباب :

1- جماعة مجلة شعر وعلى رأسهم أدونيس

2- أميّة مَن يتعاطون كتابة الشعر

3- أميّة هواة النقد وهم ليسوا نقادا و هم الغالبية التي تتسيّد المشهد النقدي

هذه الأسباب التي قادت الى استفحال المفاهيم الخاطئة لكل ما يتعلّق بقصيدة النثر، فأصبحت هذه الأخطاء المتراكمة عبارة عن سرطان في جسد الشعر العربي الحديث، إنّ من كتب قصيدة النثر على الطريقة الفرنسية عربيّا هم ثلاثة أشخاص فقط : ( حسين مردان في الأرجوحة هادئة الحبال، أنسي الحاج في الوليمة، رسول عدنان في الى ملكة بابلية )

أمّا جماعة كركوك فإنّهم قد طوّورا مشروع حسين مردان الذي بدأه في قصيدة النثرعربيّا لكن ثقافتهم الإنكليزية جعلتهم يبتعدون الى الشعر الحر على غرار جبرا إبراهيم جبرا و توفيق صايغ، فجأء شعرهم بين قصيدة النثر مستوفيا بعض شروطها و بين الشعر الحر في بعضه الآخر، حتى  ألتبس عليهم  الأمر، ففي  إتصال أجراه الشاعر الكبير صلاح فائق بي- و هو واحد من أربعة ابرز اسماء في هذه الجماعة- قال لي ( إنّني أخشى أنّني لا أكتب قصيدة نثر)

و في ضوء ما تقدم نخلص، الى أنّ كتابة قصيدة النثر بنسختها الأصلية، كتابة صعبة، و ليست سهلة كما يعتقد بعضهم، و ما يتوهمون كتابتها هي ليست قصائد نثر، لكن في الحقيقة هم لا يكتبون الا الخاطرة الجديدة فقط ،و مَن كرّس هذه المفاهيم الخاطئة في عقولهم هم جماعة مجلة شعر و هواة النقد؟ الذين لا يعرفون شيئاً عن النقد، لكن نراهم قد أصبحوا متصدرين للكتابات النقدية في الصحف و المهرجانات و الندوات و منصات الزووم، و هم ليسوا نقاداً، و لا يعرفون شيئاً عن النقد او عن نظرياته او الطريقة العلميّة المنهجيّة التي يجب ان تتبع في تحليل النصوص، و من هنا جاء موقف الدكتور عبد الله الغذاميُّ حول صعوبة قصيدة النثر؛

 

الغذاميُّ و قصيدة النثر

في لقاء تلفازي في برنامج سؤال مباشرعلى فضائية العربية، تطرق الدكتور الغذامي الى قصيدة النثر، حيث قال ( إنّني أقرأها و أتذوقها و أقدر كتابها’ لكنّني لم أكتب عنها ابداً، إنّ قصيدة النثر أصعب أنواع الشعر، لكنّي لم أدخل إليها لأنّني أخشى ان أظلمها، سمعت بعض قصائد نثر من النوع الجيد، لكن أكتب عن قصيدة النثر ام لا أكتب، الى الآن لم أقرر ان اكتب، لأنّ هيبة النصّ و وجود غثاء كثير، و إمّا أن تدقنها جدا او في الحضيض)، هذا الرأي قاد الى ردّة فعل وصلت الى إتهامه بالتوتر بين الذائقة الحداثية و بين المرجعية التقليدية، على أنّني أرجعُ هذا الأمتناع - على الأقل الى الآن- الى سببين أساسيين هما :

اولاً : صعوبة قصيدة النثر و التي وضحنّاها في شروطها او سماتها الستة

ثانياً : وجود غثاء كثير لا علاقة له بقصيدة النثر و هذا أيضا يتفّق مع ما ذهبنا إليه في هذا المقال

و بما إنّ الرجل قد ترك الباب مفتوحا بقوله ( أكتب ام لا أكتب الى الآن لم أقرر) فهذا يبعد عنه تهمة التردد النقدي بسبب فلسفته للنسق الثقافي، كما ذهب بعضهم، و لا أرى في امتناعه عن الكتابة عنها- على الأقل الى الان- بسبب النزعة بين الحداثوي و المرجعيات التقليدية، حيث صوّروا الرجل و كأنّه بدا في صراع ثقافي أدبي نفسي، بينما لا أرى في تردده هذا غير ما أسميّه انتظار انحسار هذه الموجة من اللا شعر و اللا قصيدة نثر و التي سمّاها الغذامي ( بالغثاء الكثير)، حتى يفرز الغثّ من السمين، فليس من المنطق و لا من المعقول، أنّ ناقدا بثقل الدكتور عبد الله الغذامي يكون مترددا في تحليل نص من قصيدة النثر، لكنّ مفهوم الأزمة في الخطاب النقدي مرّده الى أنّ الكثير من الباحثين في النقد الذين تورطوا في الكتابة عن الغثِّ و الركيك من النصوص و عرّضوا أسماءهم و سيرتهم العلمية و تأريخهم الأدبي الى عدم المصداقية، و من هنا يأتي التوّجس او مفهوم الظلم الذي تحدّث عنه الغذامي بقوله ( أخشى أن أظلمها )، الغذاميّ ناقد حداثوي و قصيدة النثر هي شعر حداثوي، فلا أرى ايّ سبب يدعو ناقدا بثقله الى التردد، و ما أظنّه الا الإنتظار،

انّ تجارباً نقدية قريبة من تجربة الغذاميّ قد تورطوا في الكتابة عن الكثير من الغثاء، بسبب المجاملات، فظلّت كتبهم مركونة على الرفوف و بلا قيمة، لأنّها لم تنصرف الى النص، بل الى صاحبه، و هذا ما لا يمكن ان ينزلق اليه الناقد العربي الوحيد و صاحب نظرية النقد الثقافي الدكتور عبد الله الغذامي، لذلك اختار الإنتظار والوقت المناسب حتى يقرر، و عندما يقرر الغذاميّ أن يكتب، سيكتب عن النص و ليس عن صاحبه، و يكتب عن الشعري فيه و ليس عن الغثاء، و أليكم هذا الدليل العملي على رأي  الغذامي، لقد قرأ الرجل بعض من قصائد النثر التي أكتبُها، و التي أتوخى كتابتها على الطريقة الفرنسية اي على غرارالأصل على طريقة برتران و بودلير و حسين مردان، فهزّت هذه القصائد ذائقة الغذامي النقدية فكتب إليّ قائلاً ( عالمك الشعري فضاءات حالمة وأخاذة، وفي لغتك موسيقى شفيفة، عرفت فيك الناقد، ولكن ناقدك لم يقتل شاعرك، هذه معادلة صعبة وليس من اليسير تحقيقها)، أ ليس هذا رأي نقدي و في قصيدة نثر؟ فمن هنا أدعو كل مَن كتب مقالا او مدوّنة إلى إعادة النظر فيما كتب حول موقف الدكتور عبد الله الغذامي من قصيدة النثر؟

المشـاهدات 416   تاريخ الإضافـة 09/07/2025   رقم المحتوى 64631
أضف تقييـم