الثلاثاء 2025/7/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 40.2 مئويـة
نيوز بار
المكاتب الانتخابية خارج موعد الحملة: إشكالية التنظيم وازدواجية المشروعية
المكاتب الانتخابية خارج موعد الحملة: إشكالية التنظيم وازدواجية المشروعية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. سيف هادي عبدالله الزويني
النـص :

يُعد الحق في الترشح للانتخابات من الحقوق الدستورية المكفولة لكل مواطن عراقي تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في القوانين النافذة، وبموجب ذلك يبرز التساؤل عن مدى مشروعية قيام المرشح بفتح “مكاتب انتخابية” أو “مكاتب لخدمة المواطنين” قبل أو أثناء الحملة الانتخابية، وما إذا كان ذلك يدخل في إطار الممارسة المشروعة للحق، أم أنه قد ينطوي على إخلال بسلامة العملية الانتخابية أو خروج عن الضوابط القانونية.

 

أولًا: الأساس الدستوري والقانوني للترشح والعمل السياسي

 

نص الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة (20) منه على أن “للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح”. ويستفاد من هذا النص أن الترشح حق مكفول، غير أن ممارسته لا بد أن تكون مقيدة بضوابط يحددها القانون لضمان النزاهة والشفافية. وقد نظم قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020 (المعدل) و نظام الحملات الانتخابية رقم ٥ لسنة ٢٠٢٠ مراحل الترشح والحملة الانتخابية وشروطها بدقة.وبالعودة إلى هذه النصوص، نجد أنه لم يرد فيه نص صريح يمنع المرشح من فتح مكتب انتخابي أو مدني قبل الانتخابات، ما دام لا يمارس فيه دعاية انتخابية قبل الموعد المحدد رسميًا. غير أن السماح الضمني لا يعني الإطلاق، بل يجب أن يخضع لضوابط تحمي العملية الديمقراطية من التوظيف غير المشروع للنفوذ أو المال السياسي.

 

ثانيًا: ضوابط المفوضية العليا المستقلة للانتخابات

 

تُصدر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بوصفها الجهة المنظمة للعملية الانتخابية، مجموعة من التعليمات لكل دورة انتخابية، منها تعليمات الحملة الانتخابية، التي تتضمن قيودًا على النشاطات السياسية للمرشحين. ومن أبرز تلك القيود:* عدم بدء أي دعاية أو نشاط انتخابي إلا بعد إعلان القوائم النهائية للمرشحين.* حظر استخدام وسائل الدولة أو دوائرها أو ممتلكاتها لأي غرض انتخابي.* منع تقديم الهدايا أو الخدمات مقابل الدعم السياسي.بموجب هذه الضوابط، فإن فتح مكتب يحمل صفة “مكتب المرشح لخدمة المواطنين” قبل بدء الحملة الرسمية، قد يُعد مخالفة إذا تضمن دعاية مبكرة أو توزيع خدمات ترتبط بعملية التصويت.وهذا موافق لنصّ نظام الحملات الانتخابية رقم (5) لسنة 2020 على أن مدة الحملة تبدأ بعد المصادقة على القوائم الانتخابية وتنتهي قبل 24 ساعة من يوم الاقتراع، وهو ما يعني أن أي نشاط انتخابي قبل هذا التاريخ يُعد خارج السياق القانوني، ولا سيما فتح المكاتب أو إقامة الفعاليات ذات الطابع الترويجي. إلا أن النظام لم يحدد بشكل صريح عقوبة قانونية مباشرة لهذا النوع من المخالفات، مما أوجد فراغًا تنظيميًا يتيح لبعض المرشحين ممارسة الدعاية المبكرة تحت غطاء “الخدمة العامة” أو “العمل المجتمعي”.”ويُلاحظ أن النظام أغفل النص على سقوف مالية محددة أو آليات رقابية دقيقة على مصادر التمويل، مما يثير تساؤلات عن تكافؤ الفرص بين المرشحين، خصوصًا حين يُستخدم فتح المكاتب في وقت مبكر لأغراض انتخابية مغلّفة بغطاء مدني.

 

ثالثًا: الفارق بين العمل السياسي والخدمة العامة

 

تطرح بعض الحملات الانتخابية نفسها على أنها تواصل مباشر مع المواطنين عبر فتح مكاتب لاستقبال الشكاوى ومتابعة المعاملات وتقديم الخدمات، في محاولة لكسب التأييد الشعبي. وهنا تبرز إشكالية قانونية وأخلاقية في آنٍ معًا، تتمثل في أن المرشح – وهو لم يكتسب بعد صفة رسمية – يمارس دورًا أقرب إلى ممثل الدولة أو المسؤول المحلي.إن قيام المرشح بتقديم خدمات اجتماعية أو قانونية للمواطنين قد لا يكون مخالفة بذاته، لكنه يتحول إلى شبهة قانونية إذا اقترن بعبارات انتخابية صريحة أو تلميحات ترتبط بالتصويت، خاصة إذا كان ذلك يتم تمويله من مصادر غير معلنة أو باستغلال نفوذ وظيفي أو سياسي.

 

رابعًا: مخاطر فتح المكاتب خارج الإطار التنظيمي

 

فتح المرشح مكتبًا باسم “خدمة المواطنين” قد يثير التساؤلات الآتية:1. هل تم تمويل المكتب من أموال خاصة أم من جهات سياسية؟ 2. هل يتم استقبال المواطنين لتقديم خدمات مشروعة أم للترويج الانتخابي المبكر؟ 3. هل يخضع نشاط المكتب لرقابة المفوضية أو الهيئات الرقابية؟غياب الإجابات الشفافة على هذه التساؤلات قد يجعل من فتح مثل هذه المكاتب ثغرة تُستغل للتأثير على الناخبين، أو لجمع قواعد بيانات تُستخدم لاحقًا في الحملات بطريقة غير قانونية، كما يمكن أن تثير مسؤولية جنائية إذا ثبت وجود عمليات شراء أصوات أو تقديم رشى مقنّعة.

 

خامسًا: الواقع السياسي والاجتماعي في العراق

 

في الممارسة العملية، لا يكاد يخلو شارع في مواسم الانتخابات من مكاتب لمرشحين يرفعون شعارات “خدمة الناس أولًا” أو “نستقبل شكاواكم”، وتصبح هذه المكاتب واجهات للتواصل الجماهيري، لكن كثيرًا منها يتحول بعد انتهاء الانتخابات إلى مكاتب مغلقة، ما يعكس النية المرتبطة بالمصلحة الانتخابية فقط.هذا السلوك لا يُجرّم دائمًا، لكنه يشير إلى إشكالية أخلاقية تتعلق بثقافة الأداء السياسي، وعدم وجود إطار قانوني صارم يحدّد طبيعة هذه المكاتب، وآليات تمويلها، وسبل رقابتها، وهو ما يوجب إعادة النظر في القواعد التنظيمية المتعلقة بالحملات الانتخابية.

 

سادسًا: التوصيات التشريعية

 

انطلاقًا من المعطيات أعلاه، يُقترح الآتي:1. وضع نصوص قانونية واضحة في قانون الانتخابات تنظم مسألة فتح المكاتب من قبل المرشحين.2. إلزام المرشح بالإفصاح عن مصادر تمويل نشاطه، بما في ذلك أجور المكاتب وحملات التواصل.3. توسيع صلاحيات المفوضية في الرقابة الميدانية على نشاط المرشحين قبل وأثناء الحملة الانتخابية.4. تجريم صريح لأي نشاط يوظف تقديم الخدمات مقابل وعود انتخابية.

 

الخاتمة

 

يمكن القول إن فتح مكاتب من قبل المرشحين لمتابعة شؤون المواطنين ليس مخالفًا للقانون من حيث المبدأ، لكنه يصبح كذلك إذا انطوى على دعاية مبكرة أو استغلال غير مشروع للمال أو النفوذ. والضابط الحاسم هو احترام حدود القانون، وتقديم نموذج سلوكي أخلاقي ينسجم مع مبادئ التنافس الشريف والمصلحة العامة، وليس مجرد وسيلة للتأثير على الإرادة الحرة للناخب.إن تطوير الإطار القانوني المنظم للحملات الانتخابية في العراق لم يعد ترفًا تشريعيًا، بل هو ضرورة لضمان التحول الديمقراطي السليم، وتحصين إرادة المواطن من الضغوط والأساليب غير النزيهة، بما يرسّخ ثقة الشارع بالعملية الانتخابية كمؤسسة، لا كموسم عابر.

 

المشـاهدات 25   تاريخ الإضافـة 15/07/2025   رقم المحتوى 64780
أضف تقييـم