
![]() |
العفّة السياسية: نحو تأسيس أخلاقي للممارسة السياسية في الدولة الحديثة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : تمثل العفّة السياسية أحد الأعمدة الأخلاقية الغائبة في التجربة السياسية الحديثة في العديد من الدول، ولا سيّما في البيئات التي تعاني من ضعف الحوكمة وغياب المساءلة. نهدف لتحليل مفهوم العفة السياسية، وبيان ضرورته، وتسليط الضوء على ملامح انعدامه، مع الإشارة إلى أبرز الوسائل الكفيلة بإعادة إحيائه في منظومة الحكم المعاصر. المقال يركّز بشكل خاص على البيئة السياسية العربية والعراقية كنموذج لواقع مأزوم.فمع تفشي الفساد، وتآكل القيم المؤسسية، وتحول السياسة من أداة لخدمة الصالح العام إلى وسيلة للتربح وتقاسم النفوذ، تبرز الحاجة إلى إعادة الاعتبار لمفهوم العفة السياسية، بوصفه قيمة أخلاقية وممارسة سياسية، لا مجرد مصطلح خطابي. وتزداد أهمية هذه القيمة في دول ما بعد النزاعات أو في الأنظمة الانتقالية التي تشهد تحوّلًا ديمقراطيًا هشًا.
أولا: تعريف العفة السياسية ومجالها المفاهيمي: العفّة في اللغة تعني التنزّه عن الفواحش، والامتناع عن المحظورات، والتورّع عمّا لا يليق بالإنسان الكريم، أما العفة السياسية، فهي سلوك سياسي قائم على الامتناع عن استغلال المنصب، أو العبث بالمال العام، أو التلاعب بالمبادئ والمواقف لقاء مكاسب شخصية أو حزبية.ويشمل نطاقها: * النزاهة المالية * الترفع عن الصفقات والمساومات * المبدئية في المواقف * احترام مؤسسات الدولة وعدم إخضاعها للأهواء وهي في جوهرها تتقاطع مع مفاهيم الحوكمة الرشيدة، وسيادة القانون، والمساءلة السياسية، ولكنها تضيف إلى كل ذلك الركيزة الأخلاقية كعنصر أصيل لا كمجرد إطار شكلي.
ثانياً: مظاهر انعدام العفة السياسية: يفضي غياب العفة السياسية إلى مجموعة من المظاهر الكارثية، أبرزها: 1. الفساد المالي والإداري: عبر سرقة المال العام أو تمرير الصفقات المشبوهة 2. المحاصصة الطائفية والحزبية: وهي تسويق الانتماء الضيق على حساب المصلحة الوطنية 3. تبدل المواقف بحسب المصالح: بما يكشف غياب الثبات القيمي 4. التبعية للجهات الخارجية: حين يُباع القرار السياسي لمصالح أجنبية 5. غياب الشفافية: وانعدام الثقة المتبادلة بين السلطة والشعب هذه المظاهر لا تؤدي فقط إلى انهيار المؤسسات، بل تهدد تماسك المجتمع والثقة العامة، وتُنتج أجيالًا فاقدة للأمل في الإصلاح.
ثالثاً: الحاجة الملحّة لإحياء العفة السياسية: إن العفة السياسية ليست قيمة مثالية فحسب، بل هي حاجة مؤسسية لضمان بقاء الدولة واستقرارها. فكل ممارسة سياسية منزوعة الأخلاق تؤدي إلى زعزعة شرعية النظام، وتفشي مشاعر الرفض، وازدياد الرغبة في التمرد أو الهجرة أو الانكفاء الفردي.وقد أكدت دراسات الحكم الرشيد على أن “الأمانة والشفافية في أداء الوظيفة العامة” هي أساس الثقة بين المواطن والدولة.
رابعاً: سبل تعزيز العفة السياسية في الواقع السياسي المعاصر: 1. إصلاح البنية القانونية لمكافحة الفساد، من خلال تجريم استغلال المنصب السياسي بشكل واضح 2. تفعيل مبدأ الشفافية والمساءلة في كل ما يتعلّق بالوظيفة العامة 3. نشر الثقافة المدنية والأخلاق السياسية في المناهج التعليمية والإعلام 4. تعديل قوانين الأحزاب والانتخابات بما يمنع استخدام المال السياسي والتلاعب بالأصوات 5. تمكين المجتمع المدني والرقابة الشعبية كضمانة لاستمرار الضغط الأخلاقي على النخب
خاتمة:إن بناء الدولة لا يكتمل بالقوانين والمؤسسات فقط، بل يحتاج إلى قيم تُشكّل الضمير السياسي لكل فاعل. والعفّة السياسية ليست دعوة رومانسية، بل ضرورة تاريخية وأخلاقية، إذا ما أردنا أن نؤسس لحكم رشيد يعيد ثقة المواطن بوطنه، ويمنح السياسة معناها النبيل الحقيقي. |
المشـاهدات 1272 تاريخ الإضافـة 21/07/2025 رقم المحتوى 64960 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |