الثلاثاء 2025/8/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
نيوز بار
تحريك الغواصات النووية الأمريكية نحو روسيا... ما وراء الاستعراض النووي؟
تحريك الغواصات النووية الأمريكية نحو روسيا... ما وراء الاستعراض النووي؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

في لحظة دولية مثقلة بالتوترات النووية وانهيار الثقة بين القوى العظمى، كتب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يوم الجمعة 1 آب/أغسطس 2025، على منصة "تروث سوشيال"، أنه أمر بنشر غواصتين نوويتين أميركيتين، رداً على ما اعتبره "تصريحات حمقاء واستفزازية" أدلى بها دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق لروسيا.هذا التحرك الأميركي، الذي وصفه ترامب بأنه إجراء احترازي، جاء بمثابة رد عسكري رمزي واستراتيجي في آنٍ معاً، في حال تصاعدت نبرة التهديدات الروسية. فالتصريحات التي أطلقها ميدفيديف، والتي لامست حدود التلويح باستخدام السلاح النووي ضد الولايات المتحدة، مثلت بنظر واشنطن تجاوزاً خطيراً لخطاب الردع المتعارف عليه، ودقت ناقوس الدخول في مرحلة جديدة من المواجهة.وبينما تلوّح موسكو بنظرياتها التقليدية حول "اليد الميتة" والضربة النووية الثانية، جاءت خطوة واشنطن كمحاولة لاستعادة زمام المبادرة، من خلال توجيه رسائل ردع تكتيكية ذات سقف عالٍ، تستحضر أجواء الحرب الباردة بصيغة أكثر مرونة وتعددية في ساحات الاشتباك. لا يمكن عزل الحدث عن سياق التحول في طبيعة الصراع: من حرب بالوكالة في أوكرانيا، إلى مواجهة مباشرة بين روسيا وامريكا، حيث باتت التصريحات الإعلامية تشكل محركاً فاعلاً في تغيير قواعد الاشتباك الاستراتيجي. هذا التصعيد يحمل في طياته دلالات شديدة الخطورة، لا سيما في لحظة دولية تشهد تآكلاً متسارعاً في منظومة الردع التقليدية، وركوداً في شرعية النظام العالمي الليبرالي، الذي بات يترنح بين خطاب الحرب الباردة وأفعال "السلام بالقوة".

 

ترامب: عقيدة الخنق الاقتصادي والتهديد العسكري

 

منذ عودته للبيت الأبيض، يسير ترامب وفق استراتيجية "الصدمات المتعاقبة"، عبر فتح جبهات ضغط متعددة ضد خصومه، في مقدمتهم الصين، البرازيل، والآن روسيا. فرض رسوم جمركية وصلت إلى 50% على صادرات البرازيل، إحدى أعمدة مجموعة "بريكس"، هو مؤشر على محاولة خنق اقتصادات الدول الطامحة لفك الارتباط بالنظام المالي الغربي. هذا التحرك ليس اقتصادياً بحتاً، بل يمثل بُعداً جيوسياسياً يرمي إلى تفكيك تحالفات "جنوب-جنوب"، ومنع صعود التكتلات المناوئة للهيمنة الأمريكية.لكن أخطر فصول هذه الاستراتيجية هي التهديد المباشر لروسيا. إرسال غواصات نووية إلى مناطق قريبة من المجال الروسي هو رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة مستعدة للانتقال من الحرب بالوكالة إلى التلويح بالحرب الكونية.

 

بوتين بين الردع والتكتيك السياسي

 

تصريحات بوتين التي بدت أكثر هدوءاً من مدفيديف، والتي دعت إلى مفاوضات "بعيداً عن الكاميرات"، تحمل شقين أولاً:- إعادة تدوير الخطاب السياسي الروسي بواجهة سلمية لامتصاص الضغط الغربي. ثانياً:- محاولة فصل الخطابين داخل الدولة الروسية، بحيث يكون بوتين هو اللاعب الدبلوماسي ومدفيديف هو الصقر النووي، في عملية توزيع أدوار مشابهة لما تمارسه واشنطن.

 

بوتين، وإن أبدى رغبة في التهدئة، لم يُظهر أي استعداد للتنازل عن مطالبه الأساسية:

 

حول- اعتراف أوكرانيا بسيطرة روسيا على لوغانسك، ودونيتسك، وخيرسون، وزابوروجيا. وتعهد كييف بعدم الانضمام للناتو. تعتبر هذه المطالب ضمانات أمنية روسية الطابع على تخوم أوروبا الشرقية.

 

أبعاد التحرك الأمريكي

 

قرار ترامب بنشر غواصات نووية لا يمكن فهمه بشكل سطحي، لأنه يحمل عدة رسائل متزامنة:

 

1. إلى روسيا:  الرسالة واضحة- لن نكتفي بالتحذير، نحن نتحرك فعلاً-، وهي تهدف إلى ردع أي نية روسية في تصعيد نووي فعلي، أو حتى التلويح المستمر باستخدام السلاح النووي.

 

2. إلى الداخل الأمريكي:  ترامب يعزز صورته كرئيس "لا يتسامح مع الإهانة"، ويُعيد منطق الردع المباشر الذي يتماشى مع خطابه القومي والسيادي.

 

3. إلى الحلفاء الأوروبيين والنيتو:  بأن الولايات المتحدة عادت بقيادة حاسمة، ولن تسمح بانزلاق الردع النووي إلى منطقة رمادية يتلاعب بها الكرملين.

 

4. إلى الصين وإيران وكوريا الشمالية:  هذه الخطوة تمثل أيضاً تحذيراً غير مباشر بأن واشنطن لن تتردد في تحريك أدواتها النووية متى ما رأت تهديداً استراتيجياً.

 

5. إعادة هيكلة مشهد الردع في البحر الأبيض والقطب الشمالي، قرب المناطق الروسية.

 

6. تمييز نفسه عن بايدن، بإظهار أنه يستطيع إنهاء الحرب، وإبرام "صفقة كبرى" مع روسيا بشأن الأمن العالمي.

 

7. إدخال ملف معاهدة "ستارت 3" للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية في المشهد ليس عرضاً ثانوياً، بل هو جوهر الهدف الأميركي الحالي:  ضبط التسلح العالمي وإجبار الصين على الانخراط فيه، مستغلين الضغط على روسيا كأداة.

 

خطورة الموقف

 

التحرك الأمريكي لا بد أن يُقابل برد روسي، سواء: عسكرياً،  عبر تحريك غواصات روسية نووية من طراز "بوريي" أو "أوسكار"، إلى سواحل الأطلسي أو أقرب نقطة من القواعد الأمريكية.إعلامياً،  من خلال تصعيد خطابي متبادل تقوده الخارجية الروسية والكرملين. استراتيجياً، بتعديل قواعد الاشتباك في أوكرانيا، أو حتى بالتحرش بمصالح أمريكية في نقاط تماس أخرى في (سوريا، بحر البلطيق، القطب الشمالي...).هذا النوع من التصعيد، إذا لم يُحتوى بسرعة، قد يدخلنا في حرب باردة نووية مصغّرة، لكن أكثر اضطراباً واندفاعاً من نموذج القرن العشرين، خاصة في ظل غياب آليات تواصل دبلوماسي موثوق بين موسكو وواشنطن في عهد ترامب.يُعرف ترامب بمزاجه التصادمي، لكنه أيضاً يتبع تكتيك التصعيد من أجل التفاوض. وهو هنا يرسل رسائل عالية السقف كي يُجبر موسكو على التراجع أو الاعتذار، أو حتى إسكات ميدفيديف داخلياً. ولذلك، من المحتمل أن يتراجع ترامب تكتيكياً في حال تلقّى رداً روسياً متزناً، أو يصعد أكثر إذا شعر أن روسيا تحاول اختبار جديته. وفي كلتا الحالتين، هو يفرض واقعاً جديداً في توازن القوى، مفاده أن عهد الاكتفاء بالتغريدات الدبلوماسية قد انتهى. رغم هذا السجال الاستراتيجيأن موسكو تلوّح بالتهديد النووي دون أن تتبناه رسمياً. وكذلك واشنطن تستعرض عضلاتها العسكرية دون أن تذهب إلى حافة التفجير.لذلك يتوقع الكثير من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين أن نسبة نشوب مواجهة نووية مباشرة تبقى منخفضة جداً، لأن الطرفين يدركان معنى الحرب الشاملة، لكن الخطورة الكبرى تكمن في: الخطأ في التقدير، أو التصعيد العشوائي غير المنضبط.أو الحوادث غير المقصودة (مثل اشتباك بحرية أو تصادم تحت البحر).وهذا يضع المنطقة – والعالم – أمام أخطر لحظة منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، ولكن هذه المرة في محيطات أخرى، وبأدوات أكثر تطوراً وأشد فتكاً.

المشـاهدات 260   تاريخ الإضافـة 03/08/2025   رقم المحتوى 65373
أضف تقييـم