الخميس 2025/9/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
نيوز بار
ألوان مبعثرة
ألوان مبعثرة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

حسين الشمري

 

في منتصف المساء، حين كانت حرارة الصيف لا تزال عالقة في الهواء، وقفتُ على الرصيف، تحت مجسرٍ صامت لا يرضى به أحد سوى الحمام، الذي وجد في تجاويفه مأوىً وأمكنة لنسج أعشاشه.
كانت أصابعي الحنطية أمامي، تمددت كسنابل ناضجة، ساكنة، كما لو أنها تنتظر من يقطفها أو يقرأ فيها مصيري٠
اتكأتُ على حائط قديم، مائل كأنه شيخ تعب من الوقوف، كان يوشك أن يقع.
كأنه يهمس للمارة:
-
انتبهوا، سأقع لا تمسكوني،فقدت حاجتي بالبقاء.
أشفقتُ عليه، أو ربما شعرت أنه يشبهني، كنت أنا الآخر قابلاً للانهيار، لكن دون صوت.
لا شيء هنا سوى تأملات، بين الأحياء والجماد، تلتفت عيوني إليهم، وتارةً إلى أصابعي.
أنتظر شخصًا يركن سيارته لينقذني إلى البيت،
لينقذني من هذه الحيرة التي تراودني
كالظمأن حين تراوده قطرة الماء في رمشة عين وفكر،
وهذا يتكرر، في كل يوم أعود نادمًا على اللحظة التي خطوت فيها نحو جامعتيالذي أدّعي فيها مستقبلي، لكنها كذبة أخرى!
كذبة أستند إليها لأستمر في المشي، لا أكثر، فأنا أكره الجلوس حتى وإن تعبت.
كنت غارقًا في هذه التأملات حين قطعها صوتٌ حاد، كصرخة تقطع خيط حلم.
سائق شاب أبطأ سيارته بجانبي وقال:
-
أخي، لدينا مقعدًا واحد فارغ هل أنقلّك معنا؟
ابتسمت كمن تلقى طوق نجاة.
-
نعم، جئتَ في الوقت المناسب، يا صديقي.
ركبت السيارة، وجدتُ نفسي بجانب رجلٍ متعب، ملامحه جميلة لكنها منطفئة، كصحراء حُفرت عليها خطوط الزمن والكدّ.
كانت ملابسه ملوّثة بألوان كثيرة، وكأن لوحةً انفجرت عليه.
لكنه ما إن جلستُ بجانبه، حتى انزاح جانبًا، كمن يخجل من نفسه، كمن يرى ذاته قذرًا.
خشِي أن تلامس ملابسه الجميلةملابسي
هذا الفعل صعقني، وأنزلني إلى درّك الأرض
من قال له أنني قادم من اجتماع دبلوماسي؟
من قال له أنني أعلىأو أنظفأو أرقى؟
أنا لست سوى رجل يكتب ليهرب!
رجل بالكاد يصدّق يومه.
نظرت إليه مطولًا، قلت في داخلي:
"
ألم تدرك أننا نحن الاثنان طين؟
لكن طينك يا صديقي، يحمل ألوانًا، وسحرًا.
أنا فقط أحمل الاوراق والثرثرة"
قلت له:
-
ماذا تفعل يا صديقي؟ لا تفكر بهذه الطريقة،
- أنا أدنى منك، ولست مثلك، اجلس ولا تنزح جانبًا،
- علّ بقايا الألوان على قميصك تطفئ رمادي..
التي هي امتدادٌ لبيكاسو ودافنشي وفان غوخ.
-
دعني أنا أنفض ملابسي عنك، يا رجل.
هو ظن أن مساره في الحياة أدنى من مساري،
لكن الحقيقة أن فرشاته تملك تأثيرًا أعظم من قلمي..
هو يُعيد تشكيل المدينة، وأنا بالكاد أفهم نفسي!
لكنه لم يفكر أنه سيغير هذه المدينة الشاحبة بالأبيض والأسود،
فهو اختار فرشاته ليبعث الألوان في بيوتها وجدرانها،
وفي أرواحنا الوضيعة.

المشـاهدات 57   تاريخ الإضافـة 08/08/2025   رقم المحتوى 65535
أضف تقييـم