الأربعاء 2025/8/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
نيوز بار
وحيد أبو الجول والقصيدة المُدوّرة
وحيد أبو الجول والقصيدة المُدوّرة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

ناصر أبوعون

وحيد أبو الجول ساحر عراقيٌّ تميمتُه الكلمات المقدودةُ من حدائق بابل المعلّقة، وتعويذته صور شعرية متمرّدة تتسكّع على أرصفة بغداد المكتظة بالحنين، وعصاه التي يهشّ بها على قُطعان القصائد غصنُ شجرة تُفّاحٍ مازالت تمشي على جذع مقامٍ عراقيّ، يتبرعمُ على شواطيء دجلة ذات حنين، ثم ينفض ثمار الخلود على ضِفتي الفرات.. أبو الجول شاعر تكتبه القصائدُ رؤى ملونةً، وثريات تتدلى من سِدرة شعريّة تفرش أغصانها المورقة فوق رؤوس الكلمات التي تتلظّى على عتبات الفراق الذي لا يؤوب ولا يثوب إلى رشده. قصائد/ ثريّات تشتعل بزيت الحنين لتضيء قِباب النصوص التي أضناها الشوق تحت سماء العراق المخضبة بالفرح المؤجّل.. لماذا يا وحيد ترواد القصائد عن نفسها؟ [إنّ يداً خلف يدي تضيء خيطاً في السراب/ أحاول نسيان المعجزة/ وأنّ أثري ستخلده العيون/ كما تخلد قصبة حزنها في قاع بئر/ أحاول نسيان ما قلت:بأننا سنضحك معاً ونموت/ كأي اثنين يتراشقان بحفنة من النجوم تحت السماء/ أحاول نسيان الوقت؛/ ذلك الشيء الذي يجعلني ضائعاً في القصص/ كما تضيع أمنية أمّ في هواء الليل].

على حين قصيدة مؤجلة قرأتُ (قشةٌ لنجاةِ القلبِ) لوحيد أبو الجول فاستبان لي أن هذا (الوحيد)، لايستند على كتف موهبته فقط، ولا يتوكأ على المجاز فحسبُ، ولايتعمّد النأي بسنّ قلمه عن المباشرة والتقليد – كما يعتقد الأعم الأغلب من المبدعين - أنها سُبّة في جبين الشعر؛ لكي يكتب بيانًا شعريًا (مانفستو)، يرفعه لافتةً في تظاهراته الشعريّة في ساحات وميادين الإبداع.. وحيد أبو الجول كاتب من طراز خاص يحاول ممارسة النقد الثقافيّ بوعي وبغير وعي.[إنَّ ألفَ جرحٍ ليس بمكيدةٍ تُخرجُ البائسَ مِن حلمِه،   وليس وردةً لتفادي الخطرِ الذي يكمنُ على الكتف/ شيءٌ ما سيفي بالغرضِ، حتماً،   كَكلّ الذين سبقهم النومُ إلى الهاويةِ/ وإلى ما يعنيه الوداعُ بعد العطش]. 

وتتوفر في قصيدة وحيد أبو الجول مجموعة من أنماط الإيقاع، استثمرها في التأصيل لأفكاره، وبناء رؤى مغايرة للنص الشعريّ غير تقليدية، تأخذ من الشكل، وتعطي للمحتوى، وتنطلق من المفردة ، لتؤسس في  الفراغ الشعري أبنية افتراضية لايمكنك القبض عليها من القراءة الأولى ويمكننا التمثيل عليها، والبرهنة على تأثيراتها.

لقد نجح وحيد أبو الجول في إنتاج (قصيدة نثر مدوّرة) عبر استراتجية التوظيف التكنيكي والفني للجملة (الاستغراقية)، والتي لا ضابط لها، بل تستغرق القصيدة كلها إيقاعيّا، وأعتقد أنه لجأ إلى هذا التكنيك بعد أن استنفد الطاقة التعبيرية المشعّة من الجمل القصيرة والطويلة في قصيدة نثر مفتوحة لا يمكن معرفة عدد سطورها ولا انتقالاتها الإيقاعية، ولا متى يضع سن قلمه على الكلمة الأخيرة، ويقول للقاري: لقد انتهيت. موظّفًا (استراتيجية التدوير)، وما تقتضيه من وقفات دلالية والسير بالقصيدة في اتجاه بنية إيقاعيّة جديدة. [موتُنا لا محالة، غرقى، أو جياع، أو بسببٍ آخرَ لا تدركه العيون/ لا محالة سيتذكّر كلٌّ منّا حبيبتهُ/ وسيتذكّر ركضه نحو سوسنة في التّخوم/ الجميع هنا في المرآة يشبهون الجميع هناك في مرآةٍ أخرى/ كأنهم الصيد، كأنهم اليد التي أفرغ منها الليل بصعوبةٍ/ وأفرغ الحزن/ ما يكون طريقاً لمَن يرى حياته حطباً تأكله النار/ شيءٌ من هذا سيقلق الفكرة مثل أيّ غيمةٍ في الصيف/ مثلنا جميعاً حين يتقدّمُنا الحذر بشبرٍ ونحن نلوك السلامة بضرسين فقط/ شيءٌ من هذا سيكون طائراً بعد عام، وستكون أي أمّ عيناً تذرف المطر بدل الخوف/ ربّما سيحدث هذا الفارق الذي يحيل الخسارة إلى فوزٍ/ ويحيل المكيدة في غضون ثوانٍ إلى بردٍ وسلام، إلى امرأةٍ تشبه كلّ ما يراه النائمون وهم حفاة/ ألفُ جرحٍ لا يخرج أحداً من الهلاك/ أو يجعل من الذهب قشةً لنجاة قلبه من الضياع/ شيءٌ ما سيفي بالغرض/ يدفعنا جميعاً إلى النوم/ وإلى ما نتمنى ونحن عراة من الفطنة قبل أن يأتي النهر/ وقبل أن يكون أحدنا كلمةً تنهال عليها الفؤوس/ بظنّ، أو دون ظنّ/ كهذه الإصبع، إصبعُ يدي التي تشيرُ إلى ميتٍ في الصباح].

وفي الأخير أقول لكم: إنّ وحيد أبو الجول صادق في إبداعه، ونصوصه مرآة عاكسة لشخصيته الإبداعية وكلماته تشبه مقذوفات نارية تخرج من فوّهة القصيدة باتجاه وجدان المتلقي؛ فتأسره أو تُرديه محمولةً على إيقاع صورة شعرية مُخاتلة للواقع ومرواغة للمتلقي؛ بُغيةَ إيصال المعنى أو تمثيله حسيًّا، وفي أثناء انطلقها صوب العقل الواعي للقاريء تقلب السّمع بصرا، والعكس صحيح، وتجعل الصّوت خادمة للرؤية البصرية.

المشـاهدات 165   تاريخ الإضافـة 09/08/2025   رقم المحتوى 65601
أضف تقييـم