
![]() |
يمامة سلام عبود حيزاً لضوضاء الكواكب |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
اسماعيل ابراهيم عبد الجزء الثاني ـ يصف الراوي البطلَ , يصف ويصف , حتى أن المشهد كله لا يتضمن سوى وصف للألم المجزّء , الألم المُدَمِر , المتقطع , المتخيل . ـ لكأن الراوي يرى ويحس بما وراء السلوك الحقيقي من نتائج قاتلة ممضة , كل ما فيها مؤشرات وإشارات تصوغ السرد المروي . ـ بالوصف فقط تتضافر قوى التدوين لتكّون المروية . ـ المتتبع لا يمكنه أن يغفل تلك الإشارات والمعالم الدلالية المضمرة وهي تتفاعل مع المقرر السطحي لـ " متون الكتابة " , وحتما سيهتدي الى ضروب من القيم السياسية والاجتماعية المصدرة لكل هذا الألم . ـ التفسير المباشر مضيعة وتضليل وابتعاد عن الجمال في المعنى والدلالة , وحتى سيُضحى بجماليات البناء الجملي للمشهد .. ـ منهج التتبع النقدي سيقرن متجهه بالتحليل السيميائي الخازن للمعنى البعيد والمركب وحتى النسقي المتعلق بالتفسير لاالتأويل . ـ سينحاز المتلقي الى فنية دمج المُضمر القولي بالمُظْهَر من آليات التحكم السلطوي الباني لمؤسسات القوة الرادعة لكل صوت للحق وأهله وسنسجم مع موجبات السرد السطحي المغلوط. ـ النظر لبنية السرد وما فيها من تداعٍ وتراكم قولي سيستنتج وجود تسارع مقصود في بث الألم والوجع المقهور , وسيلحظ أن الراوي متعجل ومتبرم وليس له وقت للخوض بالتفاصيل , وهذا التعجل هيمن على عملية تصميم وبناء السرد فكرياً وفنياً , بحيث جعل اللغة تقترب من لغة البرقيات المشفرة , وأما من الناحية الفكرية فقد تأثر المشهد بتلك المهيمنة " عجالة البث " وكأنها وصية لابد من تبليغها قبل الرحيل الى عُلى الأرواح في السماء . ـ تلك العجالة سوغت وسوقت " الرسالة التبليغية كبنية جمالية " أدبية " للنص ضمن خطاب الروي , والرسالة هذه أخبرت التأريخ الخالد بمحتواها , وبكونها جمالاً وموضوعاً وقناة تصلح للتداول على مستوى التبليغ والتأويل . وأن أقل ما فيها هو إدانة مضمرة وعلنية للقبح البشري سلوكا ومظاهر تفكير . * النقاط التي إختبرنا بها فرائض محمد بوعزة ليست وحدها ما يؤلف أدبية المشد المشهدي لما تم تنصيصه من رواية يمامة , إنما هنالك شؤون أُخرى يمكننا الأخذ بها لتوطين الفهم الدقيق , لا للنص المدون أعلاه , لكن لفهم الدلائل الأساسية للرواية كلها ... لدينا بعض ترتيب يحيل الى موجودات لم يدلنا عليها محمد بوعزة .. نراها مبينة في الوظائف الروائية الآتية / 1ـ أن تجزئة الجسد يعني تجزأة القول وتأجيل الأحداث لما سيأتي لاحقاً , أي أن هذه الطريقة السردية مخاتلة لأجل بيان نموذج الجودة الروائية , بالشد والتشويق . 2ـ أن الأجزاء الجسدية تضمنت تدرجاً من الأعلى الى الأسفل بإستثناء العين , ففي الرواية تسمل العين أولا ثم يعتدى على بقية أعضاء الجسد , ليقول الراوي أن العتمة تسبق أي عمل للرهاب الجمعي والفردي . 3ـ التقسيم المتدرج للألم بتوزيعه على الأجزاء يعني أن الحوادث سيباح لراويها توزيعها بحسب قدرة الوعي ليتطابق التجزيء الجسدي مع التجزيء الفكري والفني للرواية . 4ـ التنويع لمرارات الألم الجسدي وإعطاء كل نوع صورة يقرَب الروي من الشعر , وفي هذا مفارقة عميقة الأثر , يمكن جسها عند كل قراءة أو إعادة قراءة للمدون أعلاه من الرواية . 5ـ الوجع والسرد المتسارع كثف اللغة , والإشارة الى الحد الذي يجعل القاريء ينسى أنها رواية عن تأريخ قديم للعصور ما بعد الوسيطة .. سيراها صورة حياة معاصرة . 6ـ أن موجودات الفعل بائنة على الجسد لكن وصفها جميعاً بطريقة التشبيه أبعدها عن المجسودات المادية ليلقيها في متجه الحس البصري الذي يمس أو يلامس , او يتناغم مع الملامس الناعمة مثل حجر الجامع والأشياء الأخرى المنسابة من الأجزاء والأعضاء المادية الى الملامح الناعمة الناغمة المنسابة شعراً وتنفساً موسيقياً يعيد النظر بكل قول ليحيله جمالاً مبهجاً على الرغم من سواده وغُله .
* تلامس الأنفاس تَروّى القائل للروي كثيراً في زج الأنفاس الى الوجود حتى لكأنها الرائحة , لا الشم , ولا استنشاق الهواء المُدِيم للحياة .. الأنفاس هى التي تشمُّ وتلمسُ وتتلذذُ , تعطي الإشارة الى بقية أعضـاء الجـسم أن تعمل لتحرك الدم في الجسد المغلق أمام أية حركـة للهرب أو للبحث عن منفذ ! . لهذا الحيز " الانفاس " مظهر خلفي يمثل الذات الموضِّعَة للنَفَس والشّم عند الكلم غير المباشر " نطلق على المظهر الخلفي للحيز المظهر غير المباشر "(3). [ حينما إنفتح الباب دخلت رائحة الوقيد مصحوبة بهفهفة الثوب , وبصوت أقدام الخفيض ... هسهسَ ثوبها ورنّت أساورها ... إقتربت أكثر وبركت الى جواره , فشم بقوة رائحة ماء الورد... راحت تمسح الشفتين اليابستين بإهمال موجع . توقفت برهة , فتوقف العالم من حوله . لاشيء من حوله سوى أنفاسها العالية, مضمخة بعطر ثيابها, وهو يختلط برائحة الوقيد ] ـ الرواية ، ص79 * من البدهي ألّا يذهب الكاتب نحو ملامسات تجس التحسب المسبق لكل شيء , ولكننا نجده ـ هنا ـ فعلاً يقصد , أن تكون حاسة الشم هي التنفس المعنوي لما هو خارج السجن , عند ثنايا الحياة ... لقد تميز التلامس للأنفاس بـ : ـ ثنائية " الشم , التنفس = الحياة " , و, ثلاثية " الرائحة , الشم , التنفس = الحياة ". ـ الحياة مؤول غير مباشر عن لا ماديات التنفس متمثلة برائحة الوقيد , وهفهفة وهسهسة الثوب , وصوت الأقدام , ورنة الأساور , ورائحة ماء الورد , وعطر الثوب . ـ ماديات التنفس , العالم والأنفاس فقط . ـ مكملات العالم الحسي المتماسس, تحتوي , الموجودات الحقيقية مثل :ـ قبو السجن , الباب , الثوب , الأقدام , الأساور , ماء الورد , الوقيد . ـ التأويلات الأساسية ثلاثة ـ كما نرى ـ تتمحور حول الاقتراب والبروك والشم . ـ المعترضات للتأويل تتمركز في المسح والتضميخ والتوقف والاختلاط . ـ المهيئآن لفعل التلامس هما , الشفتان والمرأة . ـ التفرد الإنزياحي كله يفيض به الراوي وحده كلياً لأنه العليم بكل شيء, وبوسيط منطقي واحد هو , المرأة هي وجود المطلق للحياة في العالم . * الوجه الآخر للفعل الروائي الخاص بالمشهد أعلاه يؤكد على / 1ـ الحيز الموصوف " مظهر لغير المباشر للخلفية الدلالية المضمرة للنص . 2ـ تدرج التماس سردياً من رصد الحركة الى الإقتراب بها , ثم تواصل ليصير جس لمواضع الألم , ثم المشاركة الوجدانية من خلال الثوب وعطر الأُنثى . 3ـ ينتج عن التطور السردي تفاهم كالتماس بين أنفاس المرأة ـ رائحة ماء الورد ـ وأنفاس الرجل ـ رائحة الموت . 4ـ الشم والسمع والتخيل، هي المنظومة التي شكلت مظهر التماس , وبها غذى كل الحواس لتندمج بالتنفس المتلمس طريقه بالصوت والرائحة وخبرة الراوي في تصور الطبيعة التي تحيطه بشكليها المادي الانثوي , والمادي الكوني .. 5ـ بلاغة عناصر السرد توحدت بإسلوب الوصف المكاني الضيق " السجن ـ الألم ـ المرأة الحياة " . * جسدانية بدن المرأة قدر الجسد الإنثوي أن يكون بدء الجمال الروحي ومنتهاه , لكن البدن , الجسد الملموس الموحي باللذة , موهوب من عند المرأة بكرم لايضاهيه أي عطاء , الى من يستحقه . بدن المرأة في الرواية كلها عطاء نوراني لمطلق الحب والتضحية والجمال , كل نساء الرواية جميلات جداً , ذكيات جداً , مضحيات وواهبات بشدة , كل النِعَم والترف والنعومة والرائحة , في أبدانهن وأرواحهن وصبرهن .. نرى التماس الجسدي بين الرجل والمرأة " في الرواية " ولبعض المشدات المقطعية , غاية في الإمتاع والطهر خلقياً وفنياً ... لعلي حقا أُبالغ عندما أجد لذة الرجل بالمرأة هي حيز شبه مستقل يؤثث وجودا مثالياً , على المستوى التجسيدي والمتخيل! ... لنتابع : [أنتَ كلما لمستني أو قربتُ منكَ أحس بكَ تصول وتجول في كياني . لم أعد بِكر |
المشـاهدات 222 تاريخ الإضافـة 27/08/2025 رقم المحتوى 66083 |