الإثنين 2025/9/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
نيوز بار
نِينما ذاكرة الجمر..مسرودة خارج التجنيس
نِينما ذاكرة الجمر..مسرودة خارج التجنيس
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

شوقي كريم حسن

 

(من لا يُفقد، لا يُحبّ…ومن لا يغترب، لا يعرف طريقه.سكنني كالماء في الإناء،فلم أعد أفرّق بيني وبينه… حتى أنكسر.يا من تنادي القلب في الليل:لا تطل السؤال،فبعض الجمر لا يطفئه الجواب.نحنُ، أبناء الغياب،لا نحزن…بل نُنصت لما تقوله المسافات).!!

 

 ( ترتيل سومري)

 

**الفرات يتهجّى إسمي كل مساء،ق..ا..س..م…… يناديني لا لأغرق، أو أتوارى.أجفّف قدمي من الطين، أخلع الصمت،أدسّ أصابعي في التراب،علّها تصادف، خصلة من شعركِ،أو خرزة من قلادتكِ التي تعلّقينها في عنق الليل…قالوا:—نِينما صعدت مع الضباب، إختارت أن تكون غيمة!!.لكن الغيم لا يبتسم ليَّ ولا يهمس باسمي،كما فعلتِ قبل الإختفاء.الليلة حفر بئري الأخيرة،ليس في الأرض، بل في القمر.ذاكرته ألين من طيننا،، أ ستخرجكِ.أفتح صدركِ المدفون في الضوء،أعيدكِ إليّ، أو أموت ممزقًا بين كذبة وآهة.يا قمرُ،إن خنتني أجعل من ضوءك ترابًا،وأدفن فيه  ما تبقّى من هذه البلاد…الغبار يتكاثر في عيني،كأنه   يخاف مما أخرجه.حفرتُ أكثر.ضربتُ بأصابعي قلب القمر،فصرخ…لا صوتٌ، بل أنينُ اوروك ،صاعد من فم الجُرح ،رأيتهم…كهنة ببطون مفتوحة كأفواه آبار عطشى،يمشون على جماجم الرُضع،يبخرون الموت بالبخور الرخيص،يرسمون على الجدران إبتسامات الآلهة،ثم يضحكون ،ضحك لا يشبه ضحك البشر،ضحك مكسو بالمكر.قال أحدهم:—باركوا  الخراب…كل دمٍ يُراق، يصعد قربانًا لنقائنا!! بصق على النهر،وسمّى ذلك “تطهيرًا”.صوت أنثوي، لا يشبه صوت نِينما،صاح:—أين ذهب الأطفال لماذا غطّى الدخانُ صدري ..أين الخبز..أين الشتلة.. أين اللحن..أين ذهبَ الحُب؟”يا نِينما…هل سمعتِ .،هل كنتِ  بينهم،،هل صرختِ، اولم يصلكِ صوتي؟!!كل بقعة من ضوء القمر،تحمل أثر صرخة،،أو حجرًا وُضِع فوق صدر عاشقٍ كي لا يُكمل حلمه.أكمل الحفر،كلما نزلتُ أكثر،خرجت اوروك من عتمتها.ليتني مالمست الضوء.أضع راحة يدي على جدار الحفرة،أحسُّ بشيء يتحرك ،نبض يشبه الطريقة التي كانت نِينما تمشي بها،خفيفة… تعرف أن الأرض لا تطيق الثقل.رأيتها،بين الضوء والظلال،امرأة بثوب مائل إلى الخضرة،شعرها طويل، مبتلّ،تمشي وسط بيوت طينية،تتلفت خلفها ولا ترى،تمسح عينيها ولا تبكي،أنثى فقدت القدرة على الحزن. حاولت لإقتراب منها،لكن المسافة بيني وبينها لم تك في الأمتار،بل في الذاكرة.القرية ساكنة،لا صياح دِيَكة،لا نباح،..لا أطفال يركضون خلف الكرات الخيالية.كل شيء معلق. الحياة قرّرت أن تتجمد لتتأمل مَن ماتواولم تُكتب أسماؤهم.قالت نِينما،من مكان لا أفهمه:—بحثتُ عنك، قاسم، لكنك  مشغولًا بالحفر.،حفرتَ ماضي البلاد،نسيتَ أنني خبأت نفسي في نغمة ناي نسيتها عند جسر الطين.!! ،كل خطوة تقربني منها،تسحبني من الحاضر، لتغرقني في مستنقع  اوروكي،أصوات نواح،حطب يُكسر،بكاء خفيّ لعرائس الأهوار وهنّ يُزَففن إلى الغرق.نِينما…إن كنتِ شبحًا،دعيني أرافقكِ.وإن كنتِ حيّة،إفتحي ذراعيكِ للحبور.الضوء يبهت كلما أقتربتُ من وسط القمر.لا زرقة، لا فضة، ضوء رمادي مائل للغبار، النهار تاه في دخان الكوانين القديمة.دخلتُ السوق… صفوف من الوجوه،منزوعة الفم،تنظر إليّ، تنتظر أن أتكلم.لكنني لا أبيع شيئًا، ولا أشتري.جئتُ أفتّش عن أثرها.أقف أمام بسطة حجرية،عليها أوانٍ مكسورة،تعويذات محفورة على العظام،دمية طينية برأس مبتور.وراء البسطة، يجلس رجل،ليس كاهناً، .عيناه ضيّقتان،يده تلمس الأغراض كأنها تعرفها جيدًا.قال بهدوء، دون أن ينظر إليّ:—-ما تبحث عنه لا يُباع هنا.!!سألته:—وأين يباع؟!!أشار إلى جمجمته قائلاً:—-في هذا السوق، كل شيء مزيف،إلا مَن فقد شيئًا فعليًا.!!إقتربت منه،هامسا:—أبحث عن امرأة… كانت ،تعيش في هذه المدينة!!قال:—كلنا نبحث عن امرأة.لكن بعضنا يعثر على مدينة بدلاً منها!!ضحك،ثم سعل.قلت—هل تعرف نِينما؟!!رفع نظره ناحيتي،كأنني نطقت باسمٍ  محرّمًا.قال :—رأيتها.ليلة الحريق الكبير،  تركض…تمسك ثوبها،تشد شعرها إلى الخلف كأنها تمنعه من السقوط.!!سألته،بصوت مرتجف:—-إلى أين ذهبت؟!!أجاب:—دخلت معبد ،الذي بناه الكهنة فوق جثث العذارى خلسة!!قلت—دلّني إليه…!!إبتسم، كأني سألته أن يدلّني على الموت.قال:—إن دخلت،  المعبد لن تعود.المعبد لا يحب من يبحث،ولا يعفو عن العشاق!!.قلت —دلّني…!!قلتُها دون رجاء،قال:—من هذا الدرب الموصل الى لب القصب…لكن لا تُخبر أحداً أنك ذاهب!!قلت—- طرق القصب مسكونة بالضياع!!قال— ومسكونة بالتحدي المحفوف بالأمل!!هواء  المعبد رطب،ثقيل على الصدر،يزحف فوق الجلد  مثل عربيد اشحل.جدران مغطاة بأحجار مطموسة،وكتابات لا يفهمها أحد .الاصوت تعيدني إلى صدى خطوات مرتبكة،، وسط الظلام،لمحة  ضوء،كأن نِينما تركت خلفها قنديلًا صغيرًا.أعلنت بصوت منخفض:—-نِينما…؟ ثمة همس، يأتي الجدران:—لمِ جئت،،من دلك على الدرب؟!! تقدمتُ،وجدتُ ظلها،،يمتزج بالتراب.همست:—أبحث عنكِ، لم أترك مكانًا دون أن حفرته.!!قالت، دون عتاب،—لم تحفر في قلبي، قاسم!!صوت،ضحكة كاهن،جعلتني أتلوى.قالت:—هم يبيعون الذكريات، ويسرقون الأرواح.!!أحسستُ بثقل الحزن،كأن الأرض تمنعني من الأقتراب.همستُ:—كيف يمكنني تحريرُكِ؟” ابتسمت بحزن،— عليك ان تحفر القمر، قاسم،.الذاكرة أعمق،وألمها أبرد!!. خرجت من المعبد، الظلال،تهمس في أذني:—في ذاكرة القمر، يختبئ كل شيء…حيث يبدأ الألم الحقيقي!! الليل يزحف فوق الفرات،أجلس على الطين،أحفر بأصابعي بئراً لا ينتهي.ليس تراباً،بل ضوء قمر ينساب بين الأصابع، ليرسم ليَّ طريقاً إلى الماضي.الأنين يتسلل من الحفرة،همسات من عالم غريب،كأني خلعت ستاراً ثقيلاً عن وجه اوروك.أرى وجوهاً،أحلاماًمحطمة،ضحكات ،أسراراً دفنتها الأنهار.ألمح نِينما،بين حبات الرمل ، وجهها نصف مخفي،عينيها تبحثان عني دون توقف.أغمض عيني،لأغرق في صدى أصوات بعيدة:صراخ نساء،همسات أطفال،أغاني نسيت كيف تنطقها الألسن،كلما غصت أكثر،{أعيدي خطاي إلى تراب أوروك،و خذي قلبي…دفّئيه  عند أحزان الآلهة}!إزداد صوت الألم وضوحاً،صار القمر ثقيلاً،وهو يحمل ذكريات مدفون.

المشـاهدات 42   تاريخ الإضافـة 31/08/2025   رقم المحتوى 66169
أضف تقييـم