
![]() |
ابتهال بليبل تحت سماء ابتلعتها العتمة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
ناصر أبوعون نصوص ابتهال بليبل طائر فينيق عابر للأنواع الإبداعية؛ فحيثما تجد الشعر تدلَّى أقمارُه من سماء المجاز، ستتعثر قدماك في كل سطر على قصة قصيرة جدًا؛ وأينما تولّي قلبك شطر السرد، سيستفزك مشهد سينمائي، وإذا ما تجولت في حديقة السرد ستجد المقاطع الشعرية تتمسرّح في ساحة القصيدة؛ وإذا ما قرّرت السير خلف غواية الإيقاع الخارجي ستقف قصيدة النثر في وجهك رافعةً لافتة ثوريّة. ويتأبط الحوارُ/ الحكيَ وهو المحايث والمعادل الموضوعي لشخصية الشاعرة داخل بهو القصيدة، ولكنّه منتج إبداعي غير اعتباطيّ ومتوالية من الأفكار المحمّلة بالعديد من الأصوات المتولّدة عن الوعي بالذات والمدركة لغايتها الوجودية. في هذه القصيدة تلتقي الشاعرة مع العديد من الشخصيات الآتية من خارج النص ثم ترتديها، بل تذوبها جميعًا في كأس واحدة وتتجرّعها دفعة واحدة أيضا تحت تأثير الإيقاع الداخلي أو ما يسمى اصطلاحا بـ(العرف اللحني أو الصوتي الاجتماعي) ولكنه تخفّى خلف إبهام إشارات الاصطلاحية ورموز سينمائية هي بمثابة إيقاعات مفتوحة على تقنيات الاتصال الحديثة. وفي كل مقطع من هذا النص الذي بين أيدينا للشاعرة ابتهال بليبل تصادفنا الكثير من المفردات وتقنيات السينما الوثائقية والتسجيلية وتتبدى في سائر المقاطع فانتازيا شعرية وتصويرية وكل مقطع هو بمثابة لقطة تمهيدية للمشهد/المقطع التالي؛ بل إن الشاعرة منذ انبلاجة الكلمة الأولى بدأت تبني العديد من اللقطات السينمائية المعبّرة عن حالتها النفسانية، وتمارس فن المونتاج باحترافية؛ فصارت تُقطِّع المشهد الواحد في جزئيات متناهية الصغر مع الاحتفاظ بخيط رفيع لتظل مترابطة، ولتصل بنا في نهاية النص إلى المفارقة وإن كانت متوقعة للقاريء عبر توالي الصور المشهدية الممهدة. ويمكن عبر هذا النص الذي أسقطت الشاعرة عنوانه عمدًا الإمساك بالعديد من تقنيات إيقاع السرد السينمائي والروائي والقصصي، التي طرزتها في سلك واحد وببراعة فائقة فيعثر عليها القاريء داخل حرم القصيدة فنجد (الحكاية) بوصفها "المواد قبل اللفظيّة في نظامها التاريخي"، ونجد تقنية (العرض)؛ حيث تصف الشاعرة الشخصيّة الرئيسيّة في العمل، والمكان الذي تتحرّك فيه؛ ولكن بلغة مجازية، ونجدها توظّف "لغةَ إيقاعية سرديّة"، وتستعير الحكاية عن بديلا عن حشد المجازات، وخلق راوٍ متخيّل ليس شاهدًا على الحدث، بل هو جزءٌ أساسٌ منه، والتشبث بضمير المتكّلم، ووصف الأمكنة، واعتماد الجمل القصيرة المغلقة تتبرأ من الاستطراد والإسهاب مما يجعل القاريء يلهث وراء المقاطع/ حيث تتابع المشاهد كإضاءات البرق الخاطف. إلى هنا أترككم مع النص:[مساء.. كنّا نقصدُ بائعة الحليب، بقلب أبيض وخاطر شاسع/كلّ التوقعات كانت ممكنة/التوقعات التي كانت تتبرّعم تحت رمل الاحتمالات بصمت/ رطب.. هي الآن قمم لأشجار الحاضر المورق بالوجوم/ البائعة التي لن تتمكن أبداً من التنبؤ بحاجتي للبياض.. البياض فحسب/البياض الذي يشبه (فلاشات) هواتف نقالة راقدة في عمق/ ذكرياتنا المفقودة وكأنها برغبة أخيرة جامحة/ تحدق بلا عيون في ليلها الأزلي/ هكذا تبدو المشاهد من خلف زجاج سيارة هاربة بثقل/ دماغ تحت تأثير التخدير العام/ هاربة تبحث يائسة عن كل ما تحتاجه امرأة عمياء معلقة في الهواء/ هكذا تبدو جبال (أزمر) الشاهقة حيث تميل بيوتها/ وكأنها تأكل زرقة السماء بينما فتاتها/ يسقط من رعشات رموشك في الفضاء / كلما يذبل الكحل/ اعتقدتُ مرّةً أنّ التحديق هنا سلسلة تجرّ داخلك نحو شوارع بعيدة عن بيت لا يدخله البرد/ النهايات تمرّ بأناقة متسولين على ناصية/ نسيان ما (سواق).. ووجوههم المشفّرة: جميعهم يبتعدون كصدفة خارج النافذة/ هواء أيلول، هنا، يشفط الداخلين إلى رأسي حديثًا/ يأخذهم نحو مزارع لأبقار.. حيث قضيت حياتك كلها تخاف الخطوة القادمة/ الاجتياز يشتدّ مع العميان/ وحدهم.. وحدي بين المرتفعات والأشجار- السوداء في نهاية نهار/ وحيدة.. وحولي الجبال يضيع جسدي ببطء/ أوهام الاجتياز تصعد نحو سماء ابتلعتها العتمة بالخطأ/ بلا نواجذ في الهروب.. أترقب عودة أجسادي، صامتة/ والاجتياز يطرق عيني، حيث يتوقف فلاش الهاتف النقال/ فأطلب بصيص ضوء/ الأصوات هنا تفتح أذْنَي كوجوه نائمة في صمتي الفاتر/ كلمات متقطعة مخبَّأة في رأسي العتيق.. والأشباح الذين لا جدوى منهم يبصقون في ليل كذوب/ يتمدّد في غربة أبدية فيما البياض ينزل / كسيول في الدلاء مثلما يفعل الماء في الوجود/ السيول لا تهمّ: سوداء أو بيضاء/ ثمّة عتمة جائعة على الدوام لكل ضوء/ النهايات هي الشوارع المعبَّدة بين الجبال/ لكنها تبقى في سواد / مجرّد عتمة.. مجرّد احتمال]. |
المشـاهدات 371 تاريخ الإضافـة 28/09/2025 رقم المحتوى 66970 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |