
![]() |
أسئلة لا تنتهي |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : أحياناً أتأمل هذا الكائن الجديد الذي نسميه “الذكاء الاصطناعي”. يدهشني بقدرته على المحاكاة، على كتابة نصٍّ أو رسم صورة في لحظة، لكنه لا يدهشني كما يفعل الإنسان حين يسأل: لماذا؟
فالآلة يمكن أن تُجيب، لكنها لا يمكن أن تتساءل. إنها تفكّر في الاتجاه الواحد الذي صُمّمت له، بينما الإنسان وحده من ينحرف عن المسار، من يشكّ حتى في نفسه، ويبحث عمّا لا يُقال.
الذكاء الاصطناعي يختصر الوقت، يسرّع القرارات، ويقلّد الخيال، لكنه لا يخلق. لأن الخلق، في جوهره، لحظة انبثاق من الغموض، من تردّد، من شكّ، من قلقٍ داخليّ لا يمكن برمجته.
الإبداع لا يولد من الكمال، بل من النقص، من الرغبة في تجاوز ما هو قائم. والآلة، مهما بلغت من التطور، لا تعرف هذا النقص الذي يسكننا ويمنحنا المعنى.
الإنسان، في المقابل، لا يبدع إلا حين يخرج عن الطاعة. حين لا يكتفي بأن يعرف، بل يريد أن يفهم. أن يجرّب. أن يسأل، حتى وإن لم يجد جواباً.
ربما لهذا كانت الحرية شرطًا أساسياً للإبداع. فالذي يُمنع من السؤال، يُمنع من الخلق، ويُختزل إلى مجرّد أداة تكرّر ما يُملى عليها.
الحرية ليست رفاهية فكرية، بل هواء الوعي. بدونها يخمد العقل، وتبهت الروح، ويصبح الهدوء شكلاً من أشكال الموت البطيء.
كثيراً ما راودتني فكرة السلام الداخلي، ذلك الصمت الهادئ الذي يشبه تنفس شجرة في حديقةٍ بعيدة. لكنّ الإنسان لا يُخلق للصمت، بل لليقظة. نحن لا نجد السلام في الانسحاب، بل في القدرة على أن نحيا وسط الضجيج دون أن نفقد صوتنا.
السكينة ليست غياب الكلام، بل اتساع القلب لما لا يُقال.
كلما حاولت أن أبتعد عن التفكير، وجدت الفكر يعود إليّ كنبضٍ لا يُقمع. فالإنسان ليس كائناً يكتفي بالبقاء، بل كائناً يريد أن يفهم سبب بقائه.
ومن هذه الرغبة في الفهم تولد كل الحكايات، حتى حكايات الحب.
الحب ليس وعداً بالخلود، بل مغامرة في المجهول. ليس تكراراً لِما نعرفه، بل اكتشافاً جديداً للآخر ولأنفسنا.
ربما هو نوع آخر من المعرفة، لكنه معرفةٌ تتجلّى بالعاطفة لا بالعقل.
وحين تتبدّل الملامح أو تبهت الدهشة، لا يعني أن الحب انتهى، بل أن شكله تغيّر — كما تتغيّر الفصول، لا لتُبطل الحياة، بل لتُجدّدها.
أما الجسد، فليس غلافاً نرتديه مؤقتاً، بل موطن حضورنا الكامل.
هو الذي يجعل الفكرة ملموسة، والحلم قابلاً للّمس، والذاكرة قابلة للرعشة.
فيه تختبئ الطفولة والحنين والرغبة والدهشة.
ولذلك حين يُقصى الجسد من تجربتنا، يبهت كل شيء آخر — حتى الروح نفسها.
وأنا أعود في النهاية إلى الفكرة التي تلاحقني دائماً : نحن لا نعيش باليقين، بل بالبحث.
الآلة قد تعرف الطريق، لكنها لا تعرف لماذا تسلكه.
أما الإنسان، فهو الكائن الذي يخطئ ويتعثر، ثم يسأل من جديد، لا طمعًا في الجواب، بل لأن السؤال هو طريقه الوحيد نحو المعنى.
نحن لا نحيا لأننا نملك الحقيقة، بل لأننا نواصل السعي إليها — بخوفٍ، بحبٍّ، وبدهشةٍ لا تهدأ. |
المشـاهدات 32 تاريخ الإضافـة 18/10/2025 رقم المحتوى 67441 |