الخميس 2025/10/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
نيوز بار
من يبحث عن ساركوزي العراقي ؟
من يبحث عن ساركوزي العراقي ؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب سيف الحمداني
النـص :

 

 

 

قبل أسابيع، سلّم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي نفسه للقضاء ليقضي حكمًا بالسجن خمس سنوات، بعد إدانته بتلقي أموالٍ من نظام القذافي لتمويل حملته الانتخابية عام 2007.في مشهدٍ كهذا، لا شيء أعظم من رؤية القانون وهو يمدّ يده إلى القمة.فرئيسٌ سابق يذهب إلى السجن يعني ببساطة أن الدولة لا تُدار بالمقامات، بل بالمؤسسات.لكن... ماذا لو حاولنا أن نبحث في سجلنا العراقي عن "ساركوزي" واحد خضع للمساءلة منذ عام 2003؟ سؤال بسيط، لكنه موجع، لأن الإجابة عليه تكشف حجم الشرخ بين الشعار والممارسة.

 

السلطة التي تُنتج الثروة

 

في العراق، لم تكن المشكلة يوماً في قلة المال العام، بل في وفرة الطامحين إليه.منذ التغيير، تشكّلت طبقة سياسية تمزج بين النفوذ والثراء، لا بفعل اجتهاد اقتصادي، بل بفضل منظومةٍ جعلت المنصب طريقًا مضمونًا إلى الغنى.نظامٌ سياسيٌّ أعاد تعريف السلطة لا كمسؤولية، بل كفرصة.ومع مرور السنوات، صارت بعض الوزارات تُدار كـ"إقطاعيات حزبية"، والمشاريع بوصفها غنائم انتخابية.وكلما زاد الصخب حول “مكافحة الفساد”، ازداد صمت الملفات التي لا يُسمح بفتحها.

 

العدالة... حين تخشى الضوء

 

القوانين العراقية واضحة، لكن تنفيذها انتقائي.العدالة تتحرك بسرعة إذا كان المتهم موظفًا صغيرًا، لكنها تُصاب بالعمى إذا اقتربت من الأسماء اللامعة.هي عدالة ترى بعينٍ واحدة، وتتحاشى النظر إلى الأعلى.وهكذا، صار الفساد عندنا لا يُخفى، بل يُدار بذكاء، وتُغلفه الخطابات والشعارات الوطنية.في المقابل، يستمر الإعلام الرسمي والبيانات الحكومية في الحديث عن “خطةٍ شاملةٍ للإصلاح” و“إرادة سياسية لمحاسبة الفاسدين”، لكنها إرادة لا تتحرك إلا إذا تغيّر ميزان القوى، لا ميزان العدالة.

 

الثراء السياسي... عرضٌ لمرضٍ أعمق

 

الثراء غير المشروع في الحياة السياسية العراقية ليس مجرد اختلاس أموال، بل هو نتيجة لخللٍ هيكلي في منظومة الحكم نفسها.فحين تتقاسم الأحزاب المناصب بدلاً من المسؤوليات، وحين تتحول الدولة إلى شركة مساهمة بين القوى النافذة، يصبح الفساد جزءًا من نظام التشغيل لا خللًا فيه.بهذا الشكل، يتكرّس ما يمكن تسميته بـ “اقتصاد النفوذ”، حيث الثروة لا تتكوّن من العمل، بل من القرب من السلطة.

 

من السقوط الأخلاقي إلى سقوط الثقة

 

ما خسره العراقيون خلال العقدين الماضيين لا يُقاس فقط بالمال المنهوب، بل بالثقة المنهارة بين المواطن ومؤسسات الدولة.لم يعد الناس يصدقون أن هناك قضاءً قادرًا على محاسبة وزير أو نائب أو محافظ، لأن المشهد كله يقول العكس.والخطر الأكبر ليس في فساد السياسيين، بل في اعتياد الناس عليه كأمرٍ طبيعي، حتى صار الفاسد يُستقبل كـ “زعيم”، لا كـ “متهم”.

 

البحث عن ساركوزي العراقي

 

ربما لا نحتاج إلى ساركوزي في السجن، بقدر ما نحتاج إلى قضاءٍ شجاعٍ لا يخشى الساسة، وإلى إعلامٍ حرٍّ لا يُدجَّن، وإلى رأي عامٍّ لا يُشترى.حين تتوافر هذه العناصر الثلاثة، سنرى أولَ مسؤولٍ عراقي يمثل أمام المحكمة لا بوصفه ضحية صراع سياسي، بل كمواطنٍ تجاوز القانون.ذلك اليوم سيكون إيذانًا ببداية التحول الحقيقي...يوم نكتشف أن المنصب لم يعد طريقًا إلى الثروة، وأن القانون لم يعد أداة انتقائية، بل مظلة للجميع.ففي النهاية، الأمم لا تنهض حين يُعاقَب الصغار، بل حين يُحاسَب الكبار.

 

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 23/10/2025   رقم المحتوى 67596
أضف تقييـم